مات جمال براوي، عاش جمال براوي…
نعم هكذا لأن اللغة القاصرة لم تجد بعد بكلام يفي بالغرض.
هكذا في غفلة من الجميع، ترجل فارس الكلمة الحرة والعمق الإنساني النبيل، ارتقى جمال غير بعيد فينا فهل يهرب الظل من ظله ؟؟
لا ندعي الحب والأحاسيس النبيلة، ولا ندعي أننا أعطيناه ما يستحق لأن جمال الذي أعطى الكثير، وكان أكبر من أن يطلب مقابل الجميل جميلا.
لن نتطاوس عبر الكلام واستجداء اللغة للقول إن جمال باق فينا، أخا صديقا مربياً موجها ذكياً،
في الحياة والسياسة والصحافة والحياة الإنسانية .
نعم قد يكون مات التروتسكي وارتقى، ولكن جمال الاتحادي النبيل سيظل حيا في أعماق الأوفياء من عموم الناس ومن له شبهة دين، فرقبتي ورقبة رفاق الدرب الأوفياء نقدمها لنسد بعض هذا الدين.
عرفت جمال براوي كحلم كبير آت من غياهب الإنسانية سيبقى قوله المأثور خالداً في ذاكرة رفاقه: (قبل أن تناضل أو تقاوم: كون غ بنادم بعدا )، أي ببساطة كن إنسانا قبل كل شيء !
وبلغة صديقي الكبير، كان جمال من وثق بنا كشباب وأفق، وكان يردد فينا حين أي نقاش «هادشي كان ديما»، جمال، ومنذ كنت أخطو في بدايات مسيرتي في الجامعة، كان نعم الموجه الصارم من أجل التشبث بالقيم والمبادئ قبل كل شيء.
حدثنا في الحراك الطلابي ودور الجامعة في التغيير ..
علمنا في الشبيبة أن نكون قريبين من الشباب وأن نكون متمردين ومتطلعين من أجل دفع عجلة الحزب التي تتأثر أيضا بفعل الزمن.
وحين جاءت، ذات 2003، ضربة إرهابية غاشمة هزت بلدا لم يشهد أبدا قتلا على الهوية ولا على الاختيار ولا على الاختلاف .
ولأن الموت أخطأه في 16 ماي حين تغيب عن لقاء برمجه في ذلك اليوم الأسود مع الراحل بكار لأجل عيون آسفي التي عشقها …
استنفرنا جمال ليضع الأصبع على الجرح .
والخلاصة أن الإرهاب نتيجة طبيعية لسيادة خطاب التطرف والعنصرية والكراهية، وكانت بذلك منظمة بهذا المعنى، دفاعا عن الحق في الاختلاف والحوار والقبول بالآخر واعتبار الإنسان إنسانا وفقط.
وفي السياسة دعم فكرة الاشتراكيين الجدد التي انطلقت بعدد من الرفاق منهم الراحلة ليلى الوادي، ولا تهم التفاصيل لأن هذا تاريخ للناس وليس للتباهي مادام العطاء خالصا لأجل القيم .
قاوم جمال في المهنة التي خبر دروبها وعاش تموجاتها وكانت الصحافة أكبر من مهنة أو وظيفة بل رسالة لأجل الحقيقة والوطن والانتصار للناس باحترام صارم لأخلاقيات المهنة …
كثيرون قد يأتون إثم الكتابة عن جمال مثلي ولكن تأكدوا أن جمال حي يراقبكم !
ما أعرفه وما عشته مع الأخ الكبير بل الأب لأنه كان يردد كثيرا في حضرتي: (هذا راه ولدي )،
قليل جدا بل ونزر مما عشته، لأن جمال كان جامعة مفتوحة للجميع من كل الأطياف ومن كل الطيف ومن الناس .
لا أعرف ولا أوجه، وأنا في آخر ترتيب صداقات جمال ورفاق جمال وإخوة جمال وأحباب جمال، أننا وخاصة من زملاء وزميلات ورفاق بلاحدود، كيف نترك جامعة جمال مفتوحة دفاعا عن الأخلاق وعن الحرية والتعددية وضد العنصرية والتطرف ومن أجل الإنسان .
وإذ أنحني إجلالا أمام تضحيات زوجته الفاضلة طيلة المسار الذي عرفناها مربية فاضلة لأبنائها وحارسة الحصن، والجدار الذي (تمترس) خلفه جمال، ونعتذر منك سيدتي فقد أتعبناكم بالضيافة وبشغبنا ونقاشاتنا التي لم تنته إلا لتبدأ ووقفتك البطولية نيابة عن الجميع .
وللصغيرة ياسمين رمز الكفاح واستمرارية جمال فوق الأرض أقول: لن تكوني يتيمة أبدا في وجود أخويك سلمان وياسين البارين بك وبطبيبة الفقراء…
فهما حضن دافئ من النبع البراوي وآل موميل من جهة الوالدة ستكونين في أمان وفي حماية جمال الحي فيك وفينا للأبد.
فأنت مشمولة اليوم بهذا العطف الإنساني المغربي رسميا، وقد قالت الرسالة الملكية كل شيء عن جمال كما لم يعرفه حتى المقربون أو المتقربون على حد سواء.
معذرة إن تطاولت في الكلام عنك أخي جمال،
وكما قال الكبير أحمد فؤاد نجم :
لا تبكِي فأحزانُ الصِغَرِ
تمضي كالحُلمِ مع الفجرِ
وقريباً تكبُرُ يا ولدي
وتريدُ الدمْع فلا يجري
إن سَهِرَت أمطارٌ معنا
أو غطى البردُ شوارعنا
فالدِفءُ يُعمِّرُ أضلُعَنا
ولهيب الأرضِ بنا يسري
وشموسُ رفاقِك آتيةٌ
وستشرقُ من غضبِ الفقرِ
لا تبكِي لا يا ولدي
قد أُرمى خلف الجُدرانِ
وتحِنُّ لحُبي وحناني
فانظر في قلبِك ستراني
لن يقوى القيْدُ على الفِكرِ
وإذا ما الدهرُ بنا دارَ
ومضيْتُ إلى حيثُ أُوارى
أكمِلْ من بعدي المشوارَ
لا تُخلِف ميعاد الفجرِ
لن يسْقِيَ دمعٌ الأشجارَ
لا تخشى النارَ من الجمْرِ
لا تبكِي لا يا ولدي
سأضُمُّك والصدرُ جريح
وسأعشقُ والقلبُ ذبيح
مهما عصَفَت ضِدّي الريح
لن أحنِيَ في يومٍ ظهري