مخاوف أمريكية أوروبية من سيطرة الصين على الشباب عبر «تيك توك»

يبلغ عدد مستخدميه في الولايات المتحدة، 136.42 مليون مستخدم

 

قالت صحيفة «فايننشال تايمز» إن تطبيق «تيك توك» الصيني لا يزال يثير مخاوف الأجهزة الأمنية في الولايات المتحدة وأوروبا، خشية أن يكون التطبيق وسيلة في يد بكين لسرقة البيانات والتأثير على الشباب.
وعرض موقع سوشيال شيبرد، إحصائية تشير إلى أن الفئات العمرية الأكثر نشاطا في استخدام تيك توك، تتراوح أعمارهم بين 10 و19 عاما، بنسبة 25 بالمئة من مجمل المستخدمين، يليهم الفئة من 20 إلى 29 عاما، بنسبة 22.4 بالمئة، ثم من 30 إلى 39 عاما، بنسبة 21.7 بالمئة، أما الأعمار الكبيرة التي تزيد على الـ50 عاما، فنسبتهم 11 بالمئة من النشطين على المنصة.
وأشارت الصحيفة إلى أن مجلس الأمن الوطني الأمريكي، أعرب عن قلقه الشديد إثر استحواذ شركة بايت دانس الصينية على تطبيق «ميوزيكالي» الأمريكي مقابل مليار دولار عام 2017، وهي الصفقة التي استهدفت توفير بنى تحتية تكنولوجية يمكن من خلالها دعم زيادة استخدام تيك توك في الولايات المتحدة.
ولفتت إلى أن لجنة الاستثمارات الأجنبية الأمريكية فتحت تحقيقا في 2019، بشأن صفقة الاستحواذ نفسها بعد أشهر قليلة من وضع إدارة ترامب عملاق الاتصالات الصيني هواوي في «قائمة الكيانات» التي حجمت أعمالها في الولايات المتحدة، بزعم أن شبكة اتصالات الجيل الخامس تشكل تهديدا للأمن الوطني.
وعاد «تيك توك» إلى المشهد بقوة من جديد بعد أن أعطى البيت الأبيض مهلة تمتد لشهر واحد فقط لحذف التطبيق الصيني من على جميع أجهزة الاتصالات الحكومية، كما أن البرلمان الأوروبي وكندا قد حظرا على الموظفين الحكوميين استخدام التطبيق.
ووسط تصاعد التوترات بين واشنطن وبكين، فقد مررت لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأمريكي مشروع قانون يخول الرئيس الأمريكي جو بايدن صلاحية حظر «تيك توك» في جميع أنحاء الولايات المتحدة، لكن المشروع لاقى معارضة من قبل الديمقراطيين، ما أثار شكوكا في إمكانية تحوله إلى قانون حقيقي.
وبحسب الصحيفة فإن إدارة «تيك توك» تتلهف للتوصل إلى اتفاق مع الإدارة الأمريكية على أن تتعهد بحماية معلومات وبيانات الأمريكيين وسط ترقب لشهادة شاو زي شو، الرئيس التنفيذي لمنصة التواصل الاجتماعي، أمام الكونغرس الأمريكي نهاية الشهر الجاري، وهي الشهادة التي يرى مجلس إدارة الشركة أن مستقبل «تيك توك» يتوقف على ما سينتج عنها.
ورأت الصحيفة أن الشهادة قد تضع الرئيس التنفيذي للشركة على صفيح ساخن، إذ يتوقع ألا تثار أسئلة حول حماية بيانات المستخدمين الأمريكيين فقط. فهناك أيضا ما يتوقع أن يناقشه الكونغرس مع زي شو من قضايا، أبرزها أثر التطبيق على الأطفال وكيف يمكن للتطبيق حماية الأطفال أثناء استخدام التطبيق وبعد استخدامه.
ولفتت الصحيفة إلى أنه رغم تأكيد «تيك توك» أنها لن تمكن الحكومة الصينية من الدخول إلى بيانات المستخدمين ونفيها أي صلة بالحكومة في بكين، فإن هناك الكثير من العوامل التي توضح وجود علاقة وطيدة بين «تيك توك» والشركة المالكة للتطبيق «بايت دانس».
وأوضحت أن موظفي «تيك توك» لديهم عناوين بريد إلكتروني على خادوم «بايت دانس»، كما أنهم يستخدمون برمجيات «بايت دانس»، وجميعهم يخضعون لنفس قواعد السلوك التي تفرضها الشركة الصينية، علاوة على وجود مئات المهندسين ومطوري المنتجات في شنغهاي وبكين يشرفون على تشغيل التطبيق.
وتكشف أرقام إحصائية لـ»مركز بيو للأبحاث»عن تصاعد عدد البالغين، الذين يتلقون الأخبار بصورة منتظمة من «تيك توك»، بخلاف مواقع التواصل المختلفة.
ويبلغ عدد مستخدمي تطبيق تيك توك في الولايات المتحدة، 136.42 مليون مستخدم.
ونبهت الصحيفة إلى أن الحكومة الصينية تمتلك «حصة ذهبية» من أسهم «بايت دانس»، تبلغ 1.00 بالمئة من أسهم تطبيق داوين، النسخة الصينية من «تيك توك»، ما يجعل أيدي الحكومة مطلقة في الشركة وكل ما يتعلق بها، خاصة أن القانون الصيني يفرض على الشركات كشف البيانات للحكومة بالإضافة إلى فرض قيود على نقل البيانات الحساسة خارج البلاد.
وأشارت «فايننشال تايمز» إلى أن «تيك توك» تحرص في الفترة الأخيرة على أن تعلن عن خطوت جادة من شأنها طمأنة الغرب على بيانات مستخدمي التطبيق سواء في الولايات المتحدة أو في الاتحاد الأوروبي.
وأعلنت الشركة في الفترة الأخيرة عن بعض الإجراءات التي تعتبرها ضمانات حقيقية تقدم إلى الولايات المتحدة لحماية البيانات الشخصية للمستخدمين، أبرزها مؤسسة تيك توك لأمن البيانات الأمريكية، فضلا عن تقديم مخطط لإنشاء ثلاثة مراكز لتخزين البيانات في منطقة اليورو في الفترة المقبلة لخدمة 150 مليون حساب أوروبي بخلاف مراكز تخزين بيانات في الولايات المتحدة وسنغافورة.
وكشفت «تيك توك» النقاب عن مقترحات قد تصل تكلفتها إلى حوالي مليار دولار شهريا تتضمن إنفاقا على رواتب موظفين ومراجعين من طرف ثالث ومفتشين لشفرات المصادر وغير ذلك من طواقم العمل التي تتطلبها عملية تأمين البيانات. وقالت «تيك توك» إن الإجراءات التي سوف تتخذها في هذا الشأن «تتجاوز إلى حدٍ كبير جميع الإجراءات التي تتخذها أي شركة أخرى (في تأمين البيانات) اليوم».
ماذا يعني الحظر في أمريكا؟

أقرت لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس الأمريكي، مشروع قانون يسهل على مجلس النواب، حظر منصة تيك توك، المملوكة لشركة صينية، رغم وجود أصوات أمريكية تعتبر الأمر تهديدا لحرية التعبير.
وحمل مشروع القانون الذي أقر في لجنة الشؤون الخارجية، اسم «ردع الخصوم التكنولوجيين لأمريكا»، وقال رئيس اللجنة مايكل ماكول: «يفرض مشروع القانون على الإدارة حظر تيك توك أو أي تطبيقات برمجية تهدد الأمن القومي للولايات المتحدة».
وتابع: «تيك توك يشكل تهديدا أمنيا. إنه يسمح للصين بالتلاعب ومراقبة مستخدميه بينما يجمع بيانات الأمريكيين لاستخدامها في أنشطتها الخبيثة».
وتكشف أرقام إحصائية لـ»مركز بيو للأبحاث» عن تصاعد عدد البالغين، الذين يتلقون الأخبار بصورة منتظمة من تيك توك، بخلاف مواقع التواصل المختلفة.
وقال المعهد إن المتابعة الإخبارية للمستخدمين في الولايات المتحدة، انخفضت، أو بقيت على حالها تقريبا في السنوات الأخيرة، لكن نسبة متلقي الأخبار من البالغين الأمريكيين بانتظام، من تيك توك، تضاعفت خلال عامين 3 مرات بواقع 10 بالمئة عن العام الذي يسبقه.
حتى إن ثلث المستخدمين للمنصة في أمريكا، بحسب الإحصاءات من الفئات العمرية الأخرى، قالوا إنهم يتلقون الأخبار بانتظام بواسطته.
وعلى صعيد الفئات العمرية النشطة في استخدام تيك توك، في الولايات المتحدة، عرض موقع سوشيال شبيرد، إحصائية تشير إلى أن الأكثر نشاطا تتراوح أعمارهم بين 10-19 عاما، بنسبة 25 بالمئة من مجمل المستخدمين، يليهم الفئة من 20-29 عاما، بنسبة 22.4 بالمئة، ثم من 30-39 عاما، بنسبة 21.7 بالمئة، أما الأعمار الكبيرة التي تزيد عن 50 عاما، فنسبتهم 11 بالمئة من النشطين على المنصة.
وتشير الأرقام إلى مدى أهمية المنصة التي توفر العديد من الميزات للمستخدمين الأمريكيين، وخاصة نسب الوصول العالية، بحسب مختصي مواقع التواصل والقيود القليلة على النشر، على خلاف المنصات الأخرى حتى المحلية منها.
الخبير واستشاري التسويق الرقمي، خالد صافي، قال إنه بالنظر إلى شراسة المنافسة التي يقوم بها تيك توك الصيني، مع التطبيقات الأمريكية، فإن الإحصاءات تؤكد أنه في طريقه للتربع على عرش مواقع التواصل الاجتماعي في العالم.
وأوضح أن تنزيل التطبيق الذي جرى لأكثر من 130 مليون مرة في الولايات المتحدة، اعتبارا من يوليوز 2020، ووجود كذلك 90 مليون مستخدم نشط شهريا، يعكس مدى إقبال الأمريكيين عليه وأهمية هذا التطبيق بالنسبة لهم، وهو ما لم يجدوه في التطبيقات المحلية.
وأضاف: «هذه الأرقام الهائلة من المستخدمين تؤكد أن حظر التطبيق، سيتسبب في موجة كبيرة من الرفض والاستنكار، يليها مرحلة البحث عن بدائل تقنية لدخول التطبيق من أبواب جانبية VPN، خاصة وأن الحظر سيتسبب في خسائر كبيرة لعلامات تجارية ومؤثرين يعتمدون على تيك توك كمصدر دخل أساسي، وقد تصل بكبار المؤثرين إلى أن يرفعوا دعاوى قضائية ضد الجهات الرسمية التي تحظر التطبيق نتيجة لتضرر مصالحهم التجارية بشكل مباشر».
وحول البدائل، المتاحة أمام الأمريكيين في حال حظر التطبيق، قال خبير مواقع التواصل، إن الكثير من التطبيقات تحيط بهؤلاء المستخدمين، ويمكنهم التنقل فيما بينها بسهولة، إلا أن النسبة الكبيرة من المتابعين الذين تعلقوا بتطبيق تيك توك وكوّنوا لهم شبكات ومصادر دخل معتمدة على المتابعين سيجدون أنفسهم أمام تحد كبير عند الانتقال لمنصة أخرى، كذلك الشركات والعلامات التجارية التي تعاقدت مع مشاهير تيك توك.
لكنه في المقابل رأى أنها ستكون فرصة سانحة لبروز تطبيق مشابه، يقدم نفس الخيارات ويعمل على تقنية الذكاء الاصطناعي، لكي يستحوذ على اهتمام هذه الفئة من المتابعين.
ريادي الأعمال وخبير التسويق الرقمي، محمد أبو سليم، قال إن السبب وراء انتشار منصة تيك توك، بين قطاع الشباب بصورة كبيرة في الولايات المتحدة، هو اعتماده على الفيديوهات القصيرة، وما يسمى «ريلز» والذي وفرته المنصة بصورة جاذبة للمستخدمين.
وأوضح أن العديد من المنصات الأمريكية، توفر الخدمات ذاتها التي تقدمها منصة «تيك توك» لكن الأخيرة تمتاز عن الجميع، بابتكار ميزات جاذبة أكبر، وتوفير متابعات أكبر من المنصات الأمريكية الأخرى، مما جعلها قادرة بصورة أكبر على المنافسة واحتلال مرتبة ممتازة في السوق الأمريكي.
وأشار إلى أن المستخدم الأمريكي يهتم بالفيديوهات القصيرة، والمنصة وفرت ذلك، بالإضافة إلى أن القيود التي تضعها العديد من المنصات الأخرى، ليست موجودة في منصة تيك توك، وحرية تحميل الفيديوهات، سواء احتوت على لقطات عنف، أو تنمر أو التحريض، حتى المحتوى، أتاحت مشاركة شريحة أكبر، لا تحب التقيد بقوانين النشر، ولذلك انتشر بصورة واسعة في الولايات المتحدة.
ولفت أبو سليم إلى أن الولايات المتحدة، تنظر لهذه المنصة، من بوابة الخطر على الأمن القومي، وليس من بوابة اقتصادية أو تقنية، لأنه حتى الصين قامت بالتشديد على منصة تيك توك سابقا، بسبب بعض المحتوى المعروض عليها، وكذلك الهند أيضا، قامت بحظره سابقا، للأسباب ذاتها.
وأضاف: «لكن بالتأكيد بالنظر إلى حجم المتابعين، في الولايات المتحدة، فعملية حظره تعني شيئا كبيرا للمستخدمين، فنحن أمام أكثر من 130 مليون مستخدم».
وشدد أبو سليم على أن حظر المنصة في الولايات المتحدة، بالتأكيد سيواجه بانتقادات كبيرة، من المستخدمين، لكن أيضا، هناك مبررات لدى السلطات الأمريكية، وكذلك هناك جماعات ضغط، تقدم تفسيرات لعملية الحظر، وتحاول إقناع المستخدمين بفكرة تشكيل المنصة خطورة على الأمن القومي، وهو ما تعتبره الولايات المتحدة من المسائل التي لا جدال فيها.
كندا وحماية البيانات

بدورها، حظرت الحكومة الكندية تطبيق تيك توك على كل هواتفها وأجهزتها، مشيرة إلى مخاوف على صعيد حماية البيانات.
وجاء في بيان للحكومة أنّه «سيتمّ حذف تطبيق تيك توك عن الأجهزة المحمولة التي تمنحها الحكومة. كما سيتم منع مستخدمي هذه الأجهزة من تنزيل التطبيق في المستقبل».
وأضافت الحكومة أنّ كبير مسؤولي الاتصالات في كندا «خلص إلى أنّه (التطبيق) ينطوي على مستوى غير مقبول من المخاطر التي تتهدّد الخصوصية والأمن».
وعلى الرغم من عدم وجود دليل على حدوث انتهاكات للبيانات الحكومية المرتبطة بالتطبيق، حذّرت الحكومة الكندية من أنّ «أساليب جمع البيانات في تيك توك تتيح الوصول بشكل واسع إلى محتويات الهاتف».
وكانت المفوضية الأوروبية حظرت الأسبوع الماضي التطبيق على أجهزتها، بعد خطوات مماثلة في الولايات المتحدة.
واستغرب متحدث باسم تيك توك القرار الكندي بحظر التطبيق، معتبرا أنه اتّخذ «من دون ذكر أي مخاوف أمنية محددة» أو التشاور مع الشركة.
وتدهورت العلاقات بين الصين وكندا بشكل حادّ في السنوات الأخيرة، لا سيما بعد توقيف أوتاوا، بناء على طلب القضاء الأمريكي، مسؤولة كبيرة في شركة هواوي في العام 2018، وردّ الصين على الخطوة بتوقيف مواطنَين كنديّين.
وفي الأسبوع الماضي، فتح مفوّض الخصوصية الكندي تحقيقا يستهدف تطبيق تيك توك على خلفية جمع واستخدام المعلومات الشخصية للمستخدمين.


الكاتب : (وكالات)

  

بتاريخ : 07/03/2023