يتابع بالقتل غير العمدي، مزاولة مهنة طبية خارج القطاع الذي ينتمي إليه، وعدّة تهم أخرى
قررت النيابة العامة بالمحكمة الابتدائية لخنيفرة، الثلاثاء 16 يناير 2024، متابعة طبيب مختص في الأنف الحنجرة والأذن (أ. خ)، يعمل بالمركز الاستشفائي الإقليمي لخنيفرة، في حالة اعتقال، وإحالته على السجن المحلي بالمدينة، مع متابعة ثلاثة أشخاص في حالة سراح، مع تحديد أول جلسة للمحاكمة، التي قررت يومه الخميس، ذلك على خلفية وفاة غامضة لمواطن (إسماعيل اليوسفي)، بعد أيام قليلة من «تهريبه» إلى إحدى المصحات الخاصة بمدينة أزرو، من طرف الطبيب المذكور، وإخضاعه لعملية جراحية أصيب إثرها بجلطة وشلل، حيث وبعد تقدمه لمستشفى خنيفرة لفظ أنفاسه الأخيرة في ظروف فجرت فضائح متشابكة واستدعت تحقيقات متعددة.
وأكدت مصادر متطابقة، في هذا الصدد، أن قرار اعتقال الطبيب، ومتابعته في حالة اعتقال، جاء بناء على ما تم جمعه من معطيات دقيقة وأدلة وفرتها التحريات التي جرت بخصوص القضية، بتعليمات متواصلة من وكيل الملك لدى ابتدائية خنيفرة، ذ. حاتم حراث، حيث تقرر متابعته بتهم التسبب في القتل غير العمدي نتيجة عدم الرعاية اللازمة التي تفرضها النظم والقوانين الجاري بها العمل في المنظومة الطبية، علاوة على طلب وتسلم مقابل مادي لأجل القيام بعمل من وظيفته العمومية، وقبول استئجاره من طرف مصحة خاصة رغم صفته كطبيب بالقطاع العام، إلى جانب القيام بمهنة طبية خارج القطاع الذي ينتمي إليه ومسجل باسمه في لائحة الهيئة.
مسؤولية مشتركة
وفي ما يتعلق بالأشخاص الثلاثة المعنيين بموضوع ملف الطبيب المذكور، والمتابعين في حالة سراح، مقابل كفالات تتراوح بين 10 و20 ألف درهم، فتقررت متابعة اثنين منهم بالمشاركة في التسبب في القتل غير العمدي نتيجة الإهمال الواضح، مع اتهام أحدهما (صاحب مصحة: ب. ب) بعدم إبرام عقد تأمين عن المسؤولية الناتجة عن تنظيم وتسيير المصحة، واستئجار طبيب من القطاع العام عبر انتهاك استقلاليته المهنية، علاوة على اتهام الثاني (ممرض متقاعد: ب. ب) بمزاولة عمل طبي (الإنعاش والتخدير) دون وجه حق وخارج حدود القانون المنظم للمهنة، فيما تقرر متابعة العنصر الثالث (طبيب: ع. ح) باستئجار طبيب من القطاع العام دونما اعتبار لاستقلاليته المهنية.
جراحة بتبعات وخيمة
ويذكر أن المتوفى (إسماعيل اليوسفي)، وهو عامل من بلدة بومية، إقليم ميدلت، عمره 41 سنة، وأب ل3 أبناء، كان قد تقدم للمركز الاستشفائي الإقليمي بخنيفرة، أملا في علاجه من غدة تزداد انتفاخا، ومن دون إخضاع موضع المرض لأي تحليل مختبري، اقترح عليه الطبيب موعدا للعملية الجراحية بمصحة مدينة أزرو، مقابل مبلغ مادي، وهو ما تم فعلا وترتب عن ذلك إصابته بعدها بجلطة دماغية وشلل جسدي بسبب تعرض عرق لضرر مباشر، وفق ما أكدته شهادة طبية مسلمة من طرف طبيبة شرعية بالمستشفى الجهوي لبني ملال، وكل ذلك دون أدنى اهتمام أو إحالة مستعجلة على أي مستشفى جامعي لكون الطبيب، وفقا لمصادر الجريدة، ظل يردد أن «الحالة بسيطة» .
تحريات مستفيضة
وكان وكيل الملك بمحكمة خنيفرة قد سارع، حسب مصادرنا، لربط اتصالاته مع نظيره بمحكمة أزرو، ومع المندوب الإقليمي لوزارة الصحة والحماية الاجتماعية، لجمع ما يمكن من المعطيات على قاعدة متكاملة، شملت رأي عدد من الأطباء والهيئة الوطنية للأطباء، بهدف التأكد من وجود خطأ أو إهمال طبي مفضي للموت، مع تعميق البحث في حيثيات تهريب المريض من مستشفى عمومي إلى مصحة خاصة خارج الإقليم، وإخضاعه لعملية جراحية تحت جنح الليل، إلى جانب دواعي السماح له بمغادرة المصحة، وظروف التقدم به لعيادة محلية، وكذا في تصريحات الطبيب الذي زعم أنه استعان بطبيب كبير واتضح أن هذا الطبيب يوجد بفاس ولا علاقة له بالموضوع.
أسرة مكلومة
قد فات لأقارب المتوفى أن شددوا على ضرورة التحقيق في ملابسات وفاة المعني بالأمر، وبتحديد المسؤولية فيها، وكذلك في ظروف إجراء العملية ليلا، وفي أجواء قيل بأنها «تفتقر للشروط المطلوبة»، بما فيها «تكليف ممرض بعملية التخدير عوض طبيب مختص»، وهو بالمناسبة ممرض متقاعد منذ سنة 2011، وقام بعملية تخدير كلّي ، حسب مصادرنا، التي زادت فأفادت أن المواطن المعني بالأمر «تم السماح له بالخروج من المصحة صباحا»، أي «بعد تسع ساعات فقط من خضوعه للعملية»، ونقله لبيته في ظروف غير صحية، ليظهر أنه أضحى على وشك الشلل التام والعمى والصمم، بعد أن أخذت حالته في تدهور رهيب.
مصحة بدون تأمين
وكانت الشرطة القضائية بخنيفرة قد فتحت بحثا قضائيا، بتعليمات من وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية، بغاية تحديد ظروف وملابسات وفاة المعني بالأمر، وذلك بانتقال فريق من هذه الشرطة للمصحة المعلومة، مرفوقا بعناصر من شرطة أزرو، لتكوين ملف كامل وشامل بكل التفاصيل والمعلومات المتعلقة بالموضوع، بما في ذلك الملف الطبي للمتوفى، وما يرتبط بكل الظروف التي خضع فيها للعملية الجراحية، كما بالقاعة المخصصة للعمليات، قصد الوقوف على مدى مؤهلاتها الصحية والبشرية، وكم كانت الفضيحة كبيرة أمام اكتشاف ما يفيد أن المصحة لا تتوفر على أي تأمين منذ افتتاحها، بدعوى ضائقة مالية حسب تبرير غريب لصاحبها.
سوابق أخرى
وأمامها، عاد الحديث مجددا عن قضية أخرى كانت قد بلغت للقضاء والأمن، وتتعلق بمواطنة فات لها أن خضعت، في الفاتح من فبراير 2022، لعملية جراحية على مستوى الأنف، من طرف نفس الطبيب المشار إليه، ولم تكلل بالنجاح، حيث تعرضت، بعد أقل من ثلاثة أيام، لنزيف حاد لم تنفع معه لا الأدوية ولا حتى الاتصالات العقيمة بالطبيب المعلوم، قبل استفحال حالتها، ما أجبر زوجها على نقلها للمركز الاستشفائي الإقليمي، في السادس من فبراير، ونظرا لما تتطلبه حالة هذه المواطنة من تدخل طبي مستعجل، جرى الاتصال بالطبيب المعلوم، باعتباره المعني بالمداومة في تخصصه ذلك اليوم، والمعني أساسا بحالة مريضته، ولم يرد أو يهتم بمريضته.
وكم كانت مفاجأة زوج المواطنة صادمة لما طالب منه الطبيب، مرة أخرى، بالعمل على نقل الزوجة المريضة إليه بإحدى العيادات الخاصة، ليعمد بعدها إلى إغلاق هاتفه، دونما تفاعل أو مساعدة تقتضيها أخلاقيات لمهنة والقوانين الإنسانية، ولم يكن غريبا أن يدفع الوضع بمدير المستشفى إلى إحالة المريضة على المستشفى الجهوي ببني ملال تفاديا للأسوأ، علما بأن الرأي العام المحلي سبق له أن تداول قصة «تسلل» نفس الطبيب للمركب الجراحي، صحبة زوجته، لإجراء عملية سرية لمواطنة كادت أن تلفظ أنفاسها الأخيرة بسبب خطأ فادح في عملية التخدير لولا «صدفة الحظ» على يد طبيب الإنعاش الذي سارع إلى إشعار الإدارة بالواقعة.