يتخوفون من استغلالهم خارج الضوابط الإنسانية والأخلاقية والمهنية .. مهنيو الصحة ينتفضون ضد مشروع قانون يهم الموارد البشرية،والوزارة تطمئن

تسبب مشروع القانون 09.22 المتعلق بالضمانات الأساسية الممنوحة للموارد البشرية بالوظيفة الصحية، الذي تم عرضه إلى جانب مشاريع قوانين أخرى ذات بعد صحي على أنظار المجلس الحكومي، أمس الخميس، في تفشي حالة كبيرة من السخط والغضب، على حدّ سواء، في أوساط مهنيي الصحة، الذين استقبلوه برفض تام، بالنظر لتضمنه مجموعة من المواد التي يرى الكثير من الغاضبين على أنها تنهل من قاموس الإجبار وجاءت لفرض المزيد من القيود مقابل غياب التحفيزات المشجعة على المزيد من البذل والعطاء.
وعبّر أطباء وممرضون وتقنيون للصحة عن استنكارهم لمواد مشروع القانون، التي رأوا بأنها تتناقض جملة وتفصيلا مع المذكرة التقديمية التي تتحدث عن « العناية والتقدير « وعن « النهوض بالشغيلة الصحية وتأهيلها وتحفيزها ماديا ومعنويا وتحسين أوضاعها المهنية «، خاصة منها المادة 13 التي تنصّ على أن « مهنيي الصحة يجب أن يكونوا رهن إشارة الإدارة كلما اقتضت ضرورة المصلحة ذلك «، حيث يمكن « دعوتهم لممارسة مهامهم خارج أوقات العمل المذكورة، سواء بالليل أو بالنهار وخلال أيام العطل والأعياد، بما يضمن استمرارية سير المؤسسات الصحية التابعة للقطاع العام في تقديم العلاج والخدمات الصحية والاستجابة للحالات الطارئة والمستعجلة «. كما تشير نفس المادة إلى أنه « يمكن دعوتهم، بصفة استثنائية إذا استدعت ضرورة المصلحة ذلك، لإنجاز مهام محددة وبصفة مؤقتة، خارج أوقات العمل السالفة الذكر بالمؤسسات الصحية المذكورة، بصرف النظر عن مقرات تعيينهم…».
وعبّر عدد كبير من مهنيي الصحة على مواقع التواصل الاجتماعي ومجموعات التخاطب الفوري عن خشيتهم من أن تتحول هذه المادة إلى سوط في يد المسؤولين لاستغلالها خارج الضوابط الإنسانية والأخلاقية والمهنية، وهو ما دفع الكثيرين إلى المطالبة بحذفها بشكل كلّي وبمراجعة مواد أخرى من نفس المشروع، في حين عبّرت بعض الإطارات النقابية عن رفضها المطلق للصيغة التي جاء بها مشروع القانون وللكيفية التي تم بها التحضير له في تغييب تام للمقاربة التشاركية مع الفرقاء الاجتماعيين. وفي هذا السياق أكدت النقابة المستقلة لأطباء القطاع العام رفضها التام لمشروع القانون 22.09 ونفس الأمر بالنسبة لمشروع القانون 22.08 المتعلق بإحداث المجموعات الصحية الترابية، منبّهة إلى خطورة تمريرهما دون فتح نقاش حقيقي مع ممثلي مهنيي الصحة مما قد يهدد حسب النقابة « ورش إصلاح المنظومة الصحية بالفشل «.
وشددت النقابة على رفض ما وصفته بـ « المنهجية العمودية الفوقية التي تبنتها الوزارة في إعداد مشروعي القانونين «، وبإرسالهما قبل 48 ساعة فقط من عرضهما على المجلس الحكومي للإطار النقابي من أجل إبداء الرأي، وهو ما اعتبرته « حيزا زمنيا ضيقا لن يسمح بنقاش حقيقي «، مستغربة « إلغاء دور اللجان التقنية المشتركة والقفز على تفعيل اجتماعاتها «، مطالبة في نفس الوقت بـ « السحب الفوري لهما «.
من جهتها، أكدت النقابة المستقلة للممرضين رفضها للمشروعين المذكورين، وشددت على أن مطالب الشغيلة الصحية، وعلى رأسها الممرضون وتقنيو الصحة، كانت « بهدف إقرار خصوصية القطاع وليس خوصصته، ومن أجل تحفيز العامل البشري الذي يعتبر أهم حلقة في نجاح مشروع إصلاح القطاع «. ودعا الإطار النقابي وزير الصحة إلى « القيام بتعديل عاجل للمشروعين «، مع ضرورة « إعادة النظر في الطاقم الذي صاغ هذه القوانين بدون تبني ملاحظات الأطر الصحية واقتراحاتهم خاصة في نصوص ترهن مستقبلهم المهني لسنوات «، مشددا على أن « تكرار التجربة المحدودة للمراكز الاستشفائية الجامعية من خلال إعادة نفس النموذج من داخل المجموعات الترابية الصحية يعتبر مغامرة غير محسوبة ولن تخدم الشغيلة ولن تساهم في تحفيز الأطر بقدر ما ستساهم في تعميق أزمة النزيف بالقطاع الصحي «، معبرا في نفس الوقت عن رفضه « تكرار خطأ التعاقد بقطاع الصحة على غرار قطاع التعليم، والذي يؤدي القطاع ثمنه اليوم «.
ونتيجة لردود الفعل هاته، سارعت وزارة الصحة والحماية الاجتماعية إلى محاولة طمأنة مهنيي الصحة، حيث أكدت في بلاغ لها، مساء الأربعاء، أن «ما تضمنته مشاريع النصوص القانونية الجاهزة هي مقتضيات مبدئية تبقى قابلة للمناقشة والتعديل والإغناء من طرف ممثلي الهيئات المهنية والنقابية والسياسية ضمن مسار طويل داخل المؤسّسة التشريعية بغرفتيها، النواب والمستشارين، قبل إدراج صيغتها النهائية المتوافق بشأنها في مسطرة التصويت والمصادقة «. وشددت الوزارة على أن « الترسانة القانونية التي يجري مراجعتها اليوم وفقا للمقاربة الجديدة الإصلاحية للقطاع الصحي ببلادنا المنبثقة من مبادئ الدولة الاجتماعية التي كرسها قانون الإطار 21-09 المتعلق بالحماية الاجتماعية، ستحافظ على كل مكتسبات الشغيلة الصحية مع ضمان تحفيزها وتشجيعها لحثها على مزيد من العطاء بكل مهنية وتجرد ونكران للذات «. وتعهّدت الوزارة في بلاغها المذكور بـ « التنزيل السليم لكل المراسيم التطبيقية للنصوص التي ستتم المصادقة عليها لاحقا باعتماد منهجية الحوار والمشاركة والإنصات لآراء ومقترحات الفرقاء الاجتماعيين الذين تعتبرهم شركاء فعليين في صنع التحول الذي يطمح له الجميع للمنظومة الصحية الوطنية وفقا للتوجيهات الملكية «.


الكاتب : وحيد مبارك

  

بتاريخ : 02/12/2022