«بوحمرون» ينبعث من «رماده» ويثير القلق
تعيش عدد من الدول عبر العالم، بما فيها المتقدمة منها، حالة وبائية تم وصفها بالخطيرة بسبب مرض الحصبة المعروف بـ «بوحمرون» الذي عاد ليتفشى، إذ أكدت منظمة الصحة العالمية أن المرض قد ارتفع بنسبة 300 في المئة خلال الربع الأول من 2019 مقارنة بنفس الفترة من السنة الفارطة، بعد أن جرى تسجيل أكثر من 112 ألف إصابة مرضية مقابل 28 ألف حالة إصابة خلال نفس المدة من 2018، هذا في الوقت الذي تسبب فيه «بوحمرون» خلال سنة 2017 في وفاة 110 آلاف ضحية.
وتعرف أمريكا موجة وبائية جديدة لمرض الحصبة التي تسببت في انتشار حالة من الهلع، علما بأنه سبق وأن تم الإعلان عن القضاء على المرض سنة 2000 ، لكنها اليوم تعرف عودته بشكل غير متوقع، إذ سجلت السلطات الصحية الأمريكية أكثر من 700 حالة إصابة بالداء، ابتداء من فاتح يناير من السنة الجارية 2019 في 22 ولاية أمريكية، ثلثا الحالات المرضية كانت في نيويورك. وأشارت هيئة مراكز الحد من الأمراض والوقاية منها إلى أن أكثر من 500 مصاب من الحالات التي جرى تسجيلها لم يتم تلقيحها، وقد تم وضع 66 من المصابين بالمرض في المستشفى تحت المراقبة الطبية. وكانت أمريكا قد سجلت خلال سنة 2017 ما مجموعه 667 حالة بالمرض، وقبلها في 1994 جرى تسجيل 963 حالة مرضية بالحصبة.
فرنسا هي الأخرى تعاني هذه السنة من «بوحمرون» التي عاد إليها بقوة، إذ تم تسجيل أكثر من 600 حالة إصابة بالداء منذ مطلع 2019، مما يؤكد على أن المرض ليس حكرا على الدول الفقيرة أو ذات أنظمة صحية متوسطة أو ضعيفة. وتؤكد منظمة الصحة العالمية أن ظهور المرض، خاصة بأروبا، هو نتيجة للتخلي عن نظام اليقظة المرتبط به، ونشر معلومات خاطئة عن التلقيح، بينما في بعض المناطق الأخرى كفنزويلا فقد جاء ذلك نتيجة لانهيار نظامها الصحي، في حين أن الوضع في إفريقيا يرجع إلى هشاشة وضعف برنامج التلقيح.
وعاد مرض الحصبة من جديد في العديد من الدول، كما هو الحال بالنسبة لتونس، جمهورية الكونغو الديمقراطية، إثيوبيا، جورجيا، كازاخستان، مدغشقر، ميانمار، الفليبين، السودان، التايلاند، واوكرانيا، التي تسبب فيها «بوحمرون» في تسجيل العديد من حالات الوفيات خاصة في صفوف الأطفال. وفي المغرب، أكد محمد بنعزوز، المسؤول عن البرنامج الوطني للتمنيع في وزارة الصحة، في تصريح خص به «الاتحاد الاشتراكي»، أنه تم الاعتماد في مواجهة المرض على لقاح في إطار «الاستراتيجية الوطنية للقضاء على الحصبة» من خلال منح جرعة للرضع في سن 9 أشهر، وذلك منذ الثمانيات، وتم منح جرعة ثانية للدعم من خلال مجموعة من الحملات الوطنية للتلقيح في 2003 و 2008، مبرزا أن أهمّ حملة من حيث العدد، جرى تنظيمها في 2013 التي استهدفت الأشخاص ما بين 9 أشهر و 19 سنة، والتي حققت نجاحا مهما إذ تم تحقيق معدل تغطية وصل إلى 91.2 في المئة، أي أكثر من 10 ملايين، وهو الرقم الذي كان يعادل آنذاك ثلث سكان المغرب في تلك الفترة.
وأوضح المسؤول عن البرنامج الوطني للتمنيع، أنه بعد حملة 2013، تمت إضافة جرعة ثانية مندمجة في الجدول الوطني للتمنيع في سن 18 شهرا انطلاقا من 2014، وتم الوصول إلى تغطية لقاحية جد مرتفعة تفوق 95 في المئة على الصعيد الوطني، وهو المعدل الذي يمكّن من منح الحماية لجميع السكان، مضيفا أنه بالإضافة إلى الجرعتين، تم وضع ابتداء من 2017 نظام مراقبة للحالة التلقيحية للأطفال في السنة الأولى من التعليم الابتدائي في جميع المدارس، في إطار الحملة الوطنية للصحة المدرسية، حيث يقوم الفريق الطبي المكلف بزيارة المدرسة ويراقب دفتر تلقيحات الطفل للتأكد من حصوله على التلقيح بالكيفية المطلوبة، وإذا تم تسجيل أي حالة لم تشملها هذه الخطوة يتم تدارك الأمر.
وبخصوص الوضعية الوبائية لمرض الحصبة وانعكاساتها على المغرب، أكد بنعزوز، أن آخر وباء سجل في بلادنا كان في 2013 ، بمكناس تحديدا، ومنذ تلك السنة لم يتم تسجيل أي جائحة وبائية، مبرزا أنه يتم تسجيل بعض الحالات التي لا تتجاوز العشر حالات في السنة، مؤكدا على أنها لا تمثل تهديدا أو تشكل مصدر وباء، إلا أن هذا لا يلغي، بحسب المسؤول نفسه، ضرورة الحذر ومواصلة التغطية اللقاحية بمستوياتها المرتفعة، لكي يكون الجميع محميا من دخول الفيروس لأن له قوة انتشار قوية تفوق الزكام وغيرها، بالنظر إلى أنه معد بشكل كبير. ونبّه بنعزوز إلى أن مرض الحصبة سجّل حضورا قويا في الجزائر خلال السنة الفارطة، وهذه السنة هو حاضر في تونس، وبالتالي يجب الالتزام بالتلقيح ومواصلته من أجل حماية أكبر وأعمّ. وفي السياق ذاته، أوضح بنعزوز، أن المغرب يقوم بتحضير ملف متكامل، بناء على الشروط التي حددتها منظمة الصحة العالمية، لكي يحصل على شهادة تفيد بأنه في مرحلة ما قبل القضاء النهائي على الحصبة، تأكيدا على نجاعة البرنامج المعتمد الذي مكّن من تفادي جائحات وبائية لـ «بوحمرون»، في الوقت الذي يتفشى فيه المرض في مناطق أخرى.
وجدير بالذكر أن وزارة الصحة، كانت قد جدّدت بمناسبة الأسبوع العالمي للتلقيح الذي جرى تخليده ما بين 22 و 28 أبريل 2019، تحت شعار»من أجل الحماية من الأمراض: لنواصل التلقيح»، التأكيد على أنه قد تحققت العديد من المكتسبات في مجال الوقاية من الأمراض المسؤولة سابقا عن المراضة والوفيات لدى الأطفال الذين تقلّ أعمارهم عن 5 سنوات ، بفضل المجهودات التي تم بذلها في إطار البرنامج الوطني للتمنيع، والتي مكّنت من الوصول إلى تغطية وطنية تلقيحية فاقت 95 بالمئة. كما أنّ المغرب لم يعد يسجّل أية إصابة بشلل الأطفال أو مرض الخناق منذ سنة 1987 و1991 على التوالي. وشددت وزارة الصحة على أن المغرب حصل منذ سنة 2002 على شهادة القضاء على مرض الكزاز الذي يصيب المواليد كأول بلد بجهة شمال إفريقيا والبحر المتوسط، التابعة لمنظمة الصّحة العالمية، كما أحرز تقدّما ملموسا بخصوص القضاء على الحصبة، وعرف أيضا انخفاضا في عدد حالات التهاب السحايا الناتجة عن جرثومة «الهيموفيلوس أنفلونزا نوع «ب» بنسبة 85 ٪ .
وتعتبر الحصبة مرضا فيروسيا شديد العدوى يصيب الجهاز التنفسي، يمكن أن يطال 90 في المئة من الأشخاص الذين يكونون في صلة مباشرة مع المريض، باستثناء إذا كانوا مستفيدين من التلقيح ضد المرض أو سبق وأن تعرضوا له وتجاوزوا محنته مما يكسبهم مناعة لاحقة ضده. وتتوزع أعراض «بوحمرون» ما بين الحمى والسعال والطفح الجلدي، وقد يؤدي إلى عدة مضاعفات كالتهاب الأذن والتهاب الرئة والتهاب الدماغ، علما أن تبعاته قد تتطور بشكل أكثر حدة وتصل إلى حدّ التسبب في وفاة المصاب.
وينتقل فيروس الحصبة عن طريق الهواء بواسطة التنفس والعطاس والسعال، إذ يعيش في مخاط أنف وحلق الشخص المصاب، كما انه يستطيع أن يعيش على الأسطح الملوثة به مثل مقبض الباب لمدة ساعتين، ويكون خلالها قادرا على الانتقال لأشخاص جدد والتسبب في العدوى. ويعتبر المرض معديا بشكل كبير ويمكن أن يسبب فقدان البصر أو الصمم أو تلف المخ أو الوفاة، وتؤكد منظمة الصحة العالمية على أنه من الضروري تحصين 95 في المئة من سكان أي منطقة، لتوفير ما يعرف باسم «المناعة الجماعية» وهي شكل من الحماية غير المباشرة، تمنع إصابة الأشخاص صغار السن أو المرضي بدرجة تحول دون حصولهم على اللقاح.
الدكتور مولاي السعيد عفيف، رئيس «أنفو فاك» المغرب، رئيس الجمعية المغربية للعلوم الطبية.
البرنامج الوطني للتمنيع مكّن المغرب
من محاصرة مرض الحصبة
ما هو تقييمكم للبرنامج الوطني للتلقيح؟
البرنامج الوطني للتلقيح الذي نتوفر عليه في المغرب هو يضاهي أحسن البرامج في الدول المتقدمة، إذ مكّن من القضاء على مجموعة من الأمراض التي لم نعد نراها، وتكونت لدى الملقحين مناعة ضدها كما هو الشأن بالنسبة لمرض «المينانجيت ايموفيليس»، وهو أحد أنواع المينانجيت، بالإضافة إلى تراجع كبير في «الروتافيريس» وهو عبارة عن فيروس يتسبب في إسهال حاد للمصاب به، وكان يتطلب استشفاء الطفل، وله كلفة مادية معنوية ثقيلة، وبالتالي لا يمكن إنكار أن هذا البرنامج قد حقق العديد من الإيجابيات وجنّبنا أمراضا خطيرة يمكن أن تتسبب في الوفاة، بفضل نسبة التغطية التي تصل إلى 95 في المئة، ونحن نرى اليوم كيف أن دولا متقدمة كفرنسا وأمريكا تعاني في مواجهة مرض الحصبة المعروف بـ «بوحمرون»، وهو ما استطعنا تفاديه في المغرب نتيجة لحملة التلقيح التي تم القيام بها في 2013 والتي مكّنت من تمنيع 10 ملايين نسمة ما بين 9 أشهر و 19 سنة، وبالتالي فقد حقق هذا البرنامج النتائج المرجوة منه.
بالنظر لتطور الأمراض ألا يجب العمل على تجويد هذا البرنامج وإضافات لقاحات جديدة؟
هذا هو الهدف المنشود بالفعل، الذي لن يتأتى إلا بترشيد النفقات، لهذا يجب أن تنخرط مختبرات الصناعة الدوائية وأن تساهم بخفض أسعار اللقاحات، وأن تقوم الصناديق هي الأخرى بتغطية مصاريفها 100 في المئة، بالنظر إلى أنها اليوم تغطي نسبة 80 في المئة، وبالتالي إذا تم تخفيض ثمن اللقاح فالتكفل الشامل بالمصاريف لن يكلفها شيئا.
هذا المطلب الذي نتقدم به، سيدفع المنخرطين المؤمنين للتوجه إلى القطاع الخاص، لأنهم لن يتحملوا أي فارق مادي، وهو ما سيفسح المجال أمام المعوزين لتلقيح أبنائهم في المراكز الصحية العمومية، وسيمكّن وزارة الصحة من توفير حوالي 150 مليون درهم، يمكن توظيفها في اقتناء لقاحات جديدة وإدخالها إلى البرنامج الوطني للتمنيع، وهذا هو الهدف الفعلي وليست أية حسابات صغيرة كما قد يعتقد البعض، فلنتخيل أننا أدخلنا اللقاح ضد سرطان عنق الرحم، الذي يعد ثاني السرطانات القاتلة عند النساء، كم سنربح كمجتمع ونحن ننقذ فئة مهمة من نسائنا. إنه نصف الكأس المملوء الذي يجب أن ننتبه إليه وأن نحرص على الاعتناء به بما يخدم الصحة العامة للمغاربة، وأطباء الأطفال هم حريصون على الحفاظ على نسبة التلقيح التي يسجّلها المغرب وأن تتسع سلّة اللقاحات.
هناك من يحذر من اللقاحات ويؤكد أنها تتسبب في عدد من المضاعفات فما هو تعليقكم على الأمر؟
هناك مضاعفات بسيطة تتمثل في احمرار في موضع الحقنة، أو ارتفاع طفيف في درجات الحرارة، وليست هناك أية مضاعفات خطيرة، بل على العكس من ذلك فملايير الجرعات التي يتم بها حقن الأطفال عبر العالم هي تحقق نتائج وقائية كبيرة، ويجب أن نعلم بأن عددا من الأمراض هي قاتلة، كالمينانجيت أو التهاب الكبد الفيروسي من نوع باء، وفي هذا الإطار أستحضر مثالا كيف أنه في دولة التايلاند لا وجود لسرطان الكبد لأن اللقاح ضد الفيروس باء قد تم تعميمه، ولنتخيل إذا توفر لقاح ضد التهاب الكبد الفيروسي من نوع «س»، كم من الأرواح سيتم إنقاذها، لأنه متى توفرت اللقاحات ضد أمراض معينة أمكن مواجهتها والقضاء عليها.
لقد أكدت الرسالة الملكية الموجهة إلى المشاركين في تخليد اليوم العالمي للصحة على ضرورة الانخراط الجماعي من أجل تعميم التغطية الصحية الشاملة، وإيلاء الرعاية الصحية الأولية مكانتها الفعلية من أجل الحافظ على الصحة العامة، وبرامج التلقيح هي على رأس الأولويات التي تمكن من تحقيق هذه الرعاية وتجويدها.