يسيره بطل سابق في الملاكمة «فران مولاي الحسين» مازال يصنع الخبز لسكان المحمدية منذ 1928

 

يحتل فرن «مولاي الحسين» التقليدي والشعبي، مساحة كبيرة في ذاكرة المحمدية، وكثير من سكان فضالة، خاصة منهم من الأجيال السابقة، ارتبطوا به وجدانيا وعاطفيا، وهو الفرن الذي عمر طويلا وأوشك على أن يناهز قرنا من الزمن في الوجود.
مازال فرن «مولاي الحسين» في نفس موقعه منذ فتح المرحوم مولاي الحسين بلقاضي أبوابه شهر شتنبر 1928، في ركن من أحد أشهر أحياء منطقة العاليا بالمحمدية « درب جميلة».
لم تكن منطقة العاليا في ذلك الزمن تضم أي مبان أوسكن عصري، كما هو الحال اليوم، كانت المساكن عبارة عن « النوايل» أو البراريك الصفيحية، وهي أصناف السكن التي كانت تؤثث كل فضاءات المدينة العليا للمحمدية أو «فضالة» كما كانت معروفة في تلك الفترة.
وكانت المنطقة قد بدأت تشهد بعض التوسع وبعض النمو الديمغرافي، حيث تزايد وفود سكان القرى المجاورة، وأيضا الوافدين من قبائل الشاوية ومناطق أخرى بحثا عن فرص شغل في هذه المدينة الصناعية والفلاحية والمزدهرة أيضا بنشاطها البحري والتجاري.
اختار مولاي الحسين بلقاضي فتح فرنه إذن في «درب جميلة» وأضحى في زمن وجيز القبلة ليس فقط لسكان الحي حيث يوجد، بل لكل أحياء المدينة، بل إن صيته في أواخر سنة 1928 انتشر ووصل مناطق خارج المدينة، وأصبح أعيان القبائل المجاورة ورجال السلطة للاحتلال الفرنسي يقصدون الفرن الذي تنوعت وظائفه ما بين طهي الخبز وطهي أكلات مغربية تقليدية خاصة شواء الخرفان.
قبل 1928، وتحديدا بين 1924 و1926، كان مولاي الحسين بلقاضي يستقر في المدينة السفلى حيث كان له فرن بزنقة سوس، وتحديدا في المكان الذي يوجد فيه اليوم مقر المحكمة الابتدائية للمحمدية.
يقول ابنه مولاي ادريس بلقاضي، الذي تقلد مهمة تسيير الفرن منذ سنة 1985، السنة التي رحل فيها والده مولاي الحسين إلى دارالبقاء مخلفا أسرة تتكون من إثنى عشر من البنين والبنات، أن والده اشتغل في بدايات حياته في التجارة وفي بيع المواد الغذائية، قبل أن يمتهن صناعة وطهي الخبز، حيث فتح أول فرن له في زنقة سوس حيث توجد اليوم المحكمة الابتدائية، ثم انتقل للعاليا حيث فتح فرنا هناك في أحد الأحياء قبل أن يستقر على المكان الذي يوجد فيه اليوم في درب جميلة متسلما رخصة موقعة من الحاكم الفرنسي في تلك الفترة.
اختار الابن مولاي ادريس بلقاضي مواصلة العمل في نفس الفرن الذي فتحه والده في 1928، موضحا أنه اختار ذلك أولا للحفاظ على إرث خلفه والده، وثانيا لأنه لم يجد فرصة عمل أخرى ليشغلها، خاصة أنه رياضي ومارس الملاكمة بل وتألق فيها، إذ أحرز موسم 1989-1990، لقب بطولة المغرب شبان في وزن 60 كلغ، وظل منذ 1987 ملاكما يجوب حلبات الملاكمة بتألق جعله ينضم لصفوف المنتخب الوطني المغربي. وفي 2007، نزع القفازات وولج ميدان التدريب لينضم إلى طاقم تدريب النادي البلدي للمحمدية بقيادة الإطار الوطني المعروف نبيل منيام.
في فرن مولاي الحسين، بدرب جميلة بالمحمدية، المبني بالحجر والطوب يغطيه سقف من الصفيح والقصدير، مازال مولاي ادريس نجل المرحوم مولاي الحسين، مخلصا ووفيا لمهنة والده، حارسا على هذا الموروث يساعده في ذلك « با ميلود» الرجل الذي يجر خلفه عقودا من التجربة والخبرة كـ»طراح» أو «معلم» في طهي الخبز.
اجتهد الابن خلال السنوات الأخيرة، وحاول تطوير وظيفة فرن مولاي الحسين، وأضاف إلى مهام الفرن صناعة مختلف أنواع الأكل المغربي، ونجح بذلك في إعادة الحياة لفرن لايزال صامدا وموجودا وحاضرا منذ ما يقارب قرنا من الزمن.


الكاتب : عزيز بلبودالي

  

بتاريخ : 19/04/2023