الدارالبيضاء.. كورنيش «مُقزّم» بأعطاب متعددة تجعله بعيدا عن الانتظارات

يعرف إقبالا بسبب غياب فضاءات للنزهة وللترويح عن النفس

 

 

لم يتمكن كل من تعاقبوا على كراسي المسؤولية وعلى تدبير الشأن العام في الدارالبيضاء، من منح المدينة كورنيشا يليق بعاصمة المال والأعمال، يماثل ولو بشكل نسبي ما هو متوفر في مدن عالمية، يوفر لزواره فضاء للتنزه والمشي، أو ممارسة الرياضة، أو للجلوس في سكينة للتأمل والإحساس ببعض الراحة المبحوث عنها في ظل قساوة الحياة، تحضر فيه الأبعاد الجمالية المختلفة التي تزاوج بين الهوية المغربية والخصائص البيضاوية، ويراعي أبعاد التطور الرقمي والعصرنة وغيرهما، فيقدم بذلك طبقا سياحيا متكاملا للساكنة البيضاوية َولمختلف زوار المدينة من المغاربة والأجانب على حد سواء.
ويعتبر كورنيش الدارالبيضاء المقزّم، قبلة للبيضاويين تحديدا، في ظل ندرة الفضاءات التي يمكن للأسر البيضاوية أن تتوجه إليها، نظرا لأن المدينة لم تتمكن حلال كل هذه السنوات، من تهيئة أماكن تكون مقصدا للصغار والكبار، لقضاء بعض الوقت خارج جدران البيوت، بما أن تلك المتوفرة والمعدودة على رؤوس الأصابع هي مكلّفة ولا تتناسب والقدرة الشرائية لأغلب البيضاويين، الذين تخل الأحياء التي يقطنون بها في درب السلطان، والحي الحسني، واسباتة، ومولاي رشيد وغيرها من مرافق النزهة والراحة.
هذه العوامل كلها، تجعل من الكورنيش وجهة لا بديل عنها بالنسبة لفئة من ساكنة الدارالبيضاء، بالرغم من محدودية مساحته، والتباين في تزيين شريطه، وهو ما يمكن الوقوف عليه انطلاقا من مسجد الحسن الثاني إلى غاية آخر نقطة بعد سيدي عبد الرحمان، حيث تحضر العشوائية وتظهر الاختلالات المجالية داخل الرقعة الجغرافية الواحدة، بالرغم من التهيئة التي تم القيام بها قبل سنوات في مساحة محدودة من هذا الكورنيش، في حين يتواصل حرمان ساكنة زناتة وعين السبع والصخور السوداء وغيرها من شريط ساحلي تتوفر فيه الخصائص المستقطبة للجميع، والذي من المفروض أن يعتبر عنوانا واضحا على جمال وبهاء المدن الساحلية.
كورنيش عين الذئاب، وبعد تجاوز المركب السينمائي المتواجد هناك، يمكن للجميع ملاحظة مجموعة من الأعطاب التي تكشف عن سلوكات غير مواطنة لبعض الأشخاص، وعن تدبير يحضر فيه البعد التهاوني عند بعض المسؤولين، ويتجسد كل هذا في القضبان الحديدية الأرضية التي هي على شكل «بالوعات» التي تم التطاول على أجزاء مهمة منها، من طرف المتطاولين على كل ما هو حديدي لبيعه، والذين امتدت أيديهم إلى رقعة المفروض أنها مراقبة، فاستولوا على ما استولوا عليه، وتركوا فراغات قد لا ينتبه إليها الصغير في ركضه ولعبه أو مشيه، وقد لا يراه الكبير هو الآخر في سيره، مما قد يترتب عنه حوادث مختلفة التداعيات والخطورة، بما أن تلك الفراغات تستمر في الحضور مهددة سلامة الجميع؟
تطاول لا يقف عند هذا الحد، إذ تمتد صوره لتشمل «السياجات» المصنوعة من «الإينوكس» التي عبث بها هي الأخرى العابثون، فأتلفوها وشوّهوا منظرها وحرصوا على أن يظل التشويه شاهدا على مرورهم من هناك. وتتعدد صور البشاعة في الكورنيش، حيث يمكن للزائر أن يقف كذلك على البقايا التي لا تستوعب حجمها الكبير أكياس «سلة القمامة»، مما يجعل البعض يترك مخلّفاته في كل مكان، في مشاهد تخدش الأنظار، شأنها في ذلك شأن نفوق طيور الحمام، التي قد تكون «مرمية» هنا وهناك، في ظل تدخل متأخر يعيد للمكان نظافته ويحافظ على الحدّ الأدنى من جمالية الفضاء، ويضمن توفر شروط السلامة الصحية، التي يغيّبها النيكوتين هو الآخر وغيره من الأدخنة المقحمة للأنوف عنوة، سواء القادمة من طاولات مقاهي تعتبر الملك العام جزء من نفوذها أو تلك المنبعثة من وراء «الصخور»!
وضع قاتم، يعكس غياب سياسة فعلية من طرف مختلف المتدخلين للنهوض برقعة جغرافية مهمة من تراب المدينة، التي يجب أن تتوفر على عدد من المقومات الجمالية والسياحية، في مستويات متعددة، بحيث تحضر فيها الثقافة والتشجيع على القراءة، ويزيّنها الفن بمختلف صوره، موسيقيا وتعبيريا، وتكون بذلك مركزا للحياة بكل تفاصيلها، وهو ما لم تتم ترجمته على امتداد سنوات عديدة، بل أن المنطقة ظلت غارقة في الفوضى، وفي الصور الخادشة للحياء، وفي الجهل والشعوذة، التي تم تحريرها منها مؤخرا بقرار من والي الجهة، وهي الخطوة التي يتمنى ساكنة البيضاء بأن تكون مقدمة لإعادة الروح إلى الكورنيش وأن يصبح قبلة آمنة للجميع.


الكاتب : وحيد مبارك

  

بتاريخ : 25/01/2024