يهدد صحتهن وسلامتهن ويتسبب لهن في تداعيات مختلفة
تواصل ظاهرة تزويج القاصرات في المغرب ارتفاعها واتساعها، خاصة في الوسط القروي، الذي يعاني على أكثر من صعيد، والذي يعتبر بيئة مساعدة على أن تظل مثل هذه الممارسات حاضرة وبقوة، بحكم مختلف الظروف الحياتية الصعبة، اجتماعيا واقتصاديا وتشريعيا كذلك، بالاعتمادات على «التراخيص» التي تُمنح والاجتهادات التي تصبح مبررا لكي يستمر هذا الوضع، وبحكم بعض الأعراف والتقاليد كذلك حيث يتم تزويج طفلات في عمر الزهور، قبل بلوغهن 18 سنة، وهو ما يحرمهن من طفولتهن ويهدد صحتهن وحياتهن.
وتبين الأرقام حجم الحضور الرسمي للظاهرة، والذي يعتبر مؤلما لحجم تداعياته، إذ تم خلال سنة 2020 تسجيل 12 ألف حالة زواج في صفوف القاصرات، ثم ارتفع العدد في سنة 2021 إلى19 ألف حالة، أما في سنة 2022 فقد تم تسجيل حوالي 20 ألفا و 97 طلبا للحصول على الإذن بالزواج من قاصر، تم رفض 6445 طلبا منها، بينما تمت الاستجابة لما مجموعه 13652. وتثير هذه الظاهرة نقاشا قانونيا واجتماعيا من طرف عدد من الفاعلين، وسط مطالب حقوقية لإيجاد حلول للمعضلة وللتقليل من النسب المرتفعة لهذا النوع من الزواج، الذي يرى البعض بأنه نوع من الاغتصاب «الشرعي»، الذي ينضاف إلى «الزواج المبكر» الذي يتم بدون «إذن» من القضاة.
وكانت دراسة تشخيصية حول زواج القاصر، والتي أعدتها مؤسسة النيابة العامة، قد أشارت إلى أن تقارير عديدة ربطت ارتفاع نسب زواج القاصر بارتفاع معدلات وفيات الأمهات والرضع، ونبهت إلى أنه يمكن أن تلحق أضرارا بالغة بصحة الفتيات الجنسية والإنجابية. وأوضحت الدراسة أن العديد من الوثائق والتقارير الدولية تذهب إلى احتمال أن «المضاعفات المرتبطة بالحمل تعتبر سببا رئيسيا للوفاة بين الطفلات، وترفع احتمال وفاة النساء اللواتي بلغن العشرينات من عمرهن إلى الضعف»، مبرزة أيضا أن «تزويج الأطفال والحمل المبكر يشكل إحدى العقبات الرئيسية التي تحول دون ضمان فرص التعليم والعمل وغيرها من الفرص الاقتصادية للفتيات والشابات مما يساهم في هدر طاقات لا يستهان بها في بناء المجتمع ويعوق تكوين جيل قادر على كسب رهان التنمية».
وتطرقت الدراسة لعدد من الأرقام المهمة، ومن بينها سن الطفلات والقاصرات التي تم تزويجهن في مرحلة من المراحل، وذلك على سبيل المثال لا الحصر، والتي أشار إلى رقم حُدّد في 1099 قاصرة تم تزويجها وتراوحت أعمارهن ما بين 17 و 17 سنة ونصف، و 744 حالة لقاصرات عمرهن أكثر من 17 سنة ونصف، و 262 ما بين 16 عاما ونصف و 17 سنة، ثم 181 حالة زواج لفتيات تراوحت أعمارهن ما بين 16 و 16 سنة ونصف، فـ 13 حالة لفتيات يبلغن ما بين 15 و 16 سنة، وأخيرا حالة واحدة لطفلة عمرها 15 سنة.
وكانت «الاتحاد الاشتراكي» قد التقت بعض المتزوجات اللواتي ينحدرن من مناطق جبلية، وصرحن لها علاقة بالموضوع، بأن الزواج في سنّ مبكّرة يعتبر عند البعض عنصرا من عناصر «الثقافة والتقاليد»، وصرّحت إحداهن قائلة «في قريتنا تعرّضت للضغط من العائلة التي احتجّت بالظروف المعيشية الصعبة ظنا بأن الزواج يوفر استقرارا ماليا منتظرة ما قد يقدّمه الزوج»؟ في حين أشارت أخرى «فعلا أنا وافقت على الزواج في سن مبكر، لو عاد الزمن فلن أتردد في رفضه، لقد كان أكبر غلط في حياتي كنت لا أعرف معنى الزواج ولا معنى المسؤولية، واجهت العديد من المشاكل الصحية والنفسية وحتى الجسدية، أنجبت ولدا ولم يكن جسمي مستعدا للحمل والولادة».
شهادات، هي غيض من فيض، بعضها يصل إلى المسامع والبعض الآخر مسكوت عنه، وتحاول التنظيمات الحزبية والجمعوية تسليط الضوء عليه وعلى مشاكله، أملا في تسطير إجراءات أكثر لحماية القاصرات، ومنها النقاش المرتبط بمراجعة مدونة الأسرة، كما هو الشأن بالنسبة لليوم الدراسي الذي نظمه مؤخرا الفريق الاشتراكي- المعارضة الاتحادية بمجلس النواب بتنسيق مع منظمة النساء الاتحاديات وجمعية حقوق وعدالة وائتلاف دنيا لمنع تزويج الطفلات الذي شكّل مناسبة للوقوف عند الاختلالات التي عرفتها سنوات تطبيق المدونة الحالية، وللتقدم بمقترحات تهم زواج القاصرات ومن بينها، إلغاء تزويج الطفلات، وتوسيع دائرة التجريم فيما يخص تزويج الطفل لتشمل الوساطة في زواج الطفلات كيفما كان نوعها، وتجريم عدم التبليغ عن هذه الأفعال.
*صحافية متدربة