يونس بنزاكور: نلاحظ أن «مؤثرين» يطلون علينا من المواقع الأجتماعية ليحدثوننا عن محتويات بعيدة عن القيم وعن المبادئ التي تنفع مجتمعنا و أبناءنا

يونس بنزاكور عرفه المغاربة من خلال أفلام ومسلسلات تاريخية وبطولية لكنه في مساره الفني هو شخصيات متعددة تتجاوز هاته النظرة النمطية التي فرضتها عليه ربما هيأته الجسدية ، كما أن أعماله الفنية المتعارف عليها بالمغرب هي مرتبطة أكثر بأفلام الحركة بحكم أنه رياضي متمرس في رياضة فنون الحرب.
مساراه الفني والرياضي يسيران معا كخطين متوازيين وله مشاركات في أعمال أجنبية، التقى على إثرها بفنانين مشاهيير عالميين من مخرجين وممثلين مثل نيكول كيدمان.
وبالرغم من تكوينه التقني فقد بقي يونس بنزاكور شغوفا بمهنة الفن وأداء الأدوار البطولية التي أصبحت مع تركيبته الجسمية الرياضية جزءا من شخصيته.
محاولة منها للإحاطة ببروفايل هذا الفنان، الذي يحمل في جعبته الكثير من الرسائل والأفكار، ولتقريبه من القراء، التقت الجريدة به فكان هذا الحوار:

– المتعارف عليه أن يونس بنزاكور ولج الفن من خلال ممارسته الرياضة. ما مدى صحة هاته المعلومة؟
– صراحة ليس الأمر فعليا بهذا الشكل، أنا أعتبر نفسي فنانا منذ الصغر والممارسة الرياضية انطلقت أيضا منذ الصغر، وبالتالي أعتبر بأن مساري الفني والرياضي يمشيان في خط متوازي وهما جزءان من كل يؤثث شخصية يونس بنزاكور.
– فكيف كانت بداية الفنان الرياضي يونس بنزاكور وأين كانت النشأة والتكوين؟
– قبل البدء، أريد أن أشير إلى أنني أومن بأن السنوات الأولى للطفل هي عماد تركيبته الشخصية هي التي تبني شخصية كل إنسان، و كانت نشأتي بمدينة فاس من أبوين مطلقين، ومن أسرة بسيطة وترعرعت في حضن هاته المدينة التي درست بها وفي حضن والد كان همه الأساسي، كوني الابن الوحيد، أن أدرس جيدا لكي أتمكن من بناء مستقبلي وأتفوق، أن أدرس جيدا لأن التعليم هو الذي سيخول لي الوصول إلى مراتب كبيرة ويجعلني في منأى عن العوز وعن الطريق غير السليم.
في مقابل الدراسة التي كان والدي حريصا أن أنجح بها، كنت طفلا له شغف كبير بالسينما ومشاهدة الأفلام والإهتمام بكل ما يحفز الخيال. وفي جيلي كانت كل شخصيات الأفلام والرسوم المتحركة هي شخصيات بطولية كمثلا الليث الأبيض و «غرين دايزر» و السندباد.. و كلها شخصيات أسطورية وبطولية و في نفس الوقت كنت أشاهد أفلام «جاكي شان» و «بروسلي»، حيث يكون البطل ذكيا وقوي الشخصية والعضلات و كان له كاريزما . . أما في ما يخص الدراما، فقد كانت للدراما اللبنانية نكهة خاصة، بها حس ثقافي اجتماعي راق. وقد أثرت في كثيرا، وعمري لم يكن يتعدى 6 سنوات، مسلسلات شخص فيها الممثل عبد المجيد مجذوب أدوارا بطولية مثل مسلسل «عازف الليل» و «أبو الطيب المتنبي» وكنت أحب طريقة إلقائه. كل ذلك ترسخ في وعيي ولاوعيي. و أتذكر أنني كنت أصعد لسطح منزلي بمدينة فاس لألعب أدوارا من صلب خيالي وأستعمل كل الآليات المتواجدة لأجسد بطلا يحمل سيفا هو عبارة عن عصا المكنسة .. وشاءت الأقدار بعد 30 سنة أجد نفسي داخل بلاتو تصوير فوق حصان حقيقي وبملابس تاريخية حقيقية ووجدت نفسي مكان نفس البطل الذي كان في مخيلتي وأنا طفل.
والدي حاول حينها أن يثنيني عن شغفي بالفن، مما جعلني أدخل معه، بشكل من الأشكال، في مفاوضات، ووقعنا عقدا مفاده أن أدرس جيدا مقابل أن يسجلني في نادي لممارسة فن الحروب، فقد كنت مولعا بالممثلين العالميين «جاكي شان» و»بروسلي».
مارست الفن خلال دراستي، في المؤسسات التي كنت بها، قبل أن ألجه احترافيا عندما أحس المخرجون بموهبتي وبقوتي التعبيرية من خلال ملامح وجهي، فأنا قد أعبر عن الحنان في مشاهد عاطفية كما أستطيع أن أعكس القوة أو القسوة في مشاهد تدعو لذلك. اقتناع المخرجين بكفاءاتي الفنية هي إذن من فتح لي هذا الباب.
عدا ممارسة الرياضة كان من هواياتي أيضا قراءة الكتب، وأذكر ان ما كان ساريا حينها هو كراء الكتب المستعملة من عند بائع الفواكه الجافة ما نصطلح عليهم في المغرب ب «مول الزريعة»، وكان لدي شغف بالمطالعة والتعرف على الأدب الذي لم أدرسه بالمدرسة، بل كمطالعة حرة وعرفت أشعار إليا أبو ماضيو جبران خليل جبران، و روايات نجيب محفوظ.. إلخ.. كانت حينها المعلومة نادرة وكنا نسعى لاقتناء الكتب و المجلات بثمن بخس بعد أن يتم تداولها، وكل هذا كنوع من أنواع الترفيه وممارسة الأنشطة في أوقات الفراغ .
وفي مساري كان لي الحظ أنني التقيت بأشخاص لعبوا أدوارا مهمة في حياتي وأثروا بي من أساتذة في الإعدادي والثانوي.. وبالموازاة مع دراستي استمريت في ممارسة الرياضة، وحصلت على «الحزام الاسود» وكان لدي 17 سنة، ثم شاركت في بطولات.
أول ما بدأت به في ممارستي للفنون الحرب هو الكاراطي، وبعد أن وصلت إلى مستوى عال فيه قررت أن أخوض تجارب ورياضات أخرى، وكنت أبحث في فلسفة الفنون الحربية، ومن خلالها خبرت خبايا الفلسفة التي لم أدرسها كمادة خلال مساري التعليمي، و من بين ما يميز فلسفة فنون الحرب هو الاحترام و الانضباط وقاعدة الشرف.
مراهقتي كات صعبة نوعا ما، فكنت مشاغبا، ولكنني كنت أدرس جيدا، وهاته مفارقة عانى منها والدي وأساتذتي كما مدير المدرسة التي كنت أدرس بها.
– غير الفن، ما هي الأنشطة العملية ليونس بنزاكور؟
– أنا أصلا تكويني تقني، ولكن أيضا بحكم تجربتي وكفاءتي في المجال الرياضي، أنا مدرب رياضي، وسبق وعملت في إحدى النوادي العالمية المتمركزة في المغرب، كما يتم دعوتي للتدريب في إطار برامج تلفزية معينة..إلخ
– ماهي علاقتك بالشبكات الإجتماعية؟
– أشتغل ب»الأنستغرام» و «الفيسبوك» بشكل أقل، و أستعملهما في حياتي العملية و هي تحت اسم يونس بنزاكور.
– كيف ترى المشهد السياسي القادم ونحن على أبواب تغيير الحكومة المغربية، وما هي طموحاتك؟
– أنا بطبعي إيجابي وأرى الجانب المتألق للأمور. و كأي مغربي أطمح للتغيير للأحسن، فأولا أنا سعيد كما كنت سعيدا بالتغيير سنة 2011، سعيد لذهاب أولئك الذين جربناهم و كنا ذات يوم فرحين بالتغيير معهم، لكن نتائج سياساتهم كارثية، وهذا ما أدى إلى معاقبتهم من طرف الشعب من خلال صناديق الإقتراع. وكما جميع المغاربة فأنا متعطش لأن تصبح الأمور في بلدي أحسن.
في ما يخص الميدان الفني، فإني أطمح بأن يتقنن هذا المجال الذي أصبح مهنة لمن لا مهنة له، فكل واحد يرى الفن بشكل معين، هناك من يعتبره تسلية، وهناك من يلجه للشهرة أو من أجل المال.. ، بل ظهرت مؤخرا ظاهرة أو على الأصح آفة ، أننا بدأنا نفتح أبواب الشهرة لأناس تافهين، ليس لهم محتوى واشتهروا بوسائل التواصل الاجتماعي، بالرقص أو تفاهات أو بوز معين، وتسند إليهم أدوار في مسلسلات، و هذه ظاهرة لا صحية لا للفن ولا للثقافة. وبالتالي يجب أن تكون هناك معايير لاختيار الفنان، إذ عليه أن يكون مثقفا وتكون له رسالة، لأنه إنسان يقتدي به الشباب، ولأنه ثانيا وسيلة لتمرير رسائل تحسيسية، من خلال الأعمال و من خلال أيضا شخصية الفنان في حد ذاته، عندما يكون خارج بلاتو التصوير، من خلال أخلاقه وتصرفاته… و لا أتحدث عن الفنان فقط ، فهناك منتجون يفكرون في الربح فقط، ولذا وجب تقنين المجال وفرض قواعد وشروط لكي لا تسلم البطائق لكل من هب وذب.
– ما هي مواصفات الفنان، بالنسبة ليونس بنزاكور؟
– أنا شخصيا أعتبر نفسي فنانا بالروح وليس لي أصلا بطاقة. أعتبر أن الفن موهبة تصقل بالتجربة والتعليم.
والفن عبر العصور كان دائما رسالة، وهو عماد أساسي من أعمدة تكوين الحضارة، لم يكن الفن شيئا هامشيا . و أكبر مثال أن الحضارات كلها التي مرت: الأشورية و البابلية و المصرية القديمة.. بقي لنا منها فنونها بالطبع من نحت وأشعار و أدب ومسرحيات وملحمات.. . فالفنان عليه أن تكون له دراية بتاريخ الفن، احتراما لمهنته على الأقل، ولو أنني لا أعتبر الفن مهنة، بل هو روح و إحساس تخلق مع الشخص أو لا تخلق، فنجد القليل من المبدعين الذين لديهم الموهبة وصقلوها بالمعرفة ولديهم الحس الفني الذي تطور معهم منذ نشأتهم، لكن للأسف صرنا حاليا نتفاجأ بكائنات كانت على السوسيال ميديا تصبح بين عشية و ضحاها منتمية لمجال الفن بدعوى أنها اشتهرت.
و هاته الظواهر أو على الأصح «العاهات» التي أفرزها لنا اليوتوب أو التيك توك..هي مرض علينا معالجته وهي شخصيات تضرب قيمنا وتربية شبابنا وتستحمرنا كشعب من أجل المال .
أنا أفكر في المسقبل، فشبكات التواصل بدأت تفرض علينا أن نسمع أصواتا غير صالحة، أصبح يسمونهم مؤثرون، وبالتالي من غير المعقول أن تحل هاته الأصوات لتحول ابني أو ابنتي إلى أغبياء.. فهذا «التأثير» لا ينفع بشيء للوطن. بل الأولى أن تنسب صفة «المؤثر» لمحتويات تشبه لتلك البرامج التي نشأنا بها مثل «عمي ادريس» وتلك التي تعلمنا بها الحروف و مبادئ اللغة..و برامج تنمي الرجولة عند الرجل وتحفز الأنوثة عند المرأة. أنا أتساءل كيف سيواجه ذاك الذي يظهر بالتيك توك أو غيره وهو يرقص، أبناءه أو أحفاده وهم يرونه بهذا الشكل. بل أتساءل كيف سيكون حال هؤلاء الأبناء وهؤلاء الأحفاد وهم سلالة بعض المخنثين.
ومن جهة أخرى فبالنسبة لي المؤثرون الحقيقيون لا يرددون في كل ساعة أنهم كذلك، فالتأثير يكون فعلا وليس قولا، فهو تلك الطاقة الإيجابية التي تنبع من الشخص الذي يجب أن يكون قدوة. وشخصيا عندما يقول لي شاب: أحب أن أكون مثلك، أو أتمنى أن يكون ابني مثلك، أشعر بفخر شديد ولكن أيضا بمسؤولية أكبر.
– هل هناك مشاريع مستقبلية؟ا
– أتوجه حاليا إلى ماهو رقمي، وكما نلاحظ أن «مؤثرين تناسلوا من هذا الحقل مؤثرين بدون محتوى وبلا مواضيع ولديهم ملايين من المشاهدات ويسمون نفسهم بالمؤثرين بينما أصحاب المضمون الهادف ليس عليهم إقبال يطلون علينا من المواقع الأجتماعية ليحدوثننا عن محتويات بعيدة عن القيم وعن المبادئ التي عليها أن ترسخ فينا والتي تنفع مجتمعنا و أبناءنا . في نيتي تعرية هذا الواقع و أن أقابله بالتصدي لهؤلاء، وأتمنى أن أنجح في ذلك. هي مواجهة لهذا المحتوى بآليات وأساليب المجال الرقمي وتتوجه إلى عقل ومنطق رواد هذا الفضاء، كمحاولة مني ل»فضح المستور» ومواجهة هاته «الأفات» بمضمون رقمي سابرز فيه ما يسعى أن يخبئ هؤلاء.
و بالتالي فمن مشاريعي، اختراع شخصية تتمكن بطريقة كاريكاتورية وذكية أن تبين خفايا بعض الأمور التي تصنع هاته التفاهة التي لا نعرف من يمولها.
للإشارة، فأنا أصمم الحركات الحربية في الأعمال الفنية، كما أصمم مشاهد القتالية والإنفجارات وغير ذلك، فأخر عمل لي لصالح التلفزة المغربية، هو عبارة عن إشهار في إطار الحملة الوطنية لحوادث السير، كنت في الأصل مكلفا بإخراج عمليات الحركة في هذا المشروع، لكن المخرج رأى في الشخص الذي يصلح للقيام بالعملية وأكون بطلها.
عدا هذا المشروع، لدي عروض أفلام ومسلسلات، كما سبق وكتبت مسلسلا مغربيا كنديا، عرضته على تلفزتنا المغربية وتم رفضه، لكن لازال لدي الأمل بأن يتم قبوله في إطار الحكومة المقبلة. فكما نطمح للتغيير في ميداننا أمل أن يتم التغيير في إعلامنا السمعي البصري أيضا وفي ثقافتنا كي تعرف صحوة، لأننا للأسف نعرف سباتا، مع أننا لسنا بشعب غير مثقف، بل بالعكس لدينا ثقافة بل ثقافة عريقة ولدينا مفكرين كبار.
ولدينا مفكرين كبار.


الكاتب : سهام القرشاوي

  

بتاريخ : 30/09/2021