پول سيزان هالةٌ حسيرة

سيزان يقلقني. يقلق كل جسم مسكون بنثر عادل. وعدل سيزان كان صمته، وقوة اشتغاله بما يفعل. وكأني به يتحكم من وراء القماش على تاريخ فني مريض بتعاقد، أو بتعاقدات ليركض بين حيطان متحف ما. وسيزان، صراحة، فكك فكرة المتحف في حيزه المتوهج. إنه نقطة بحثٍ مستمر يتبرَّك بجيفة (chrogne) بودلير: تلك القصيدة التي حفظها سيزان على ظهر قلب أو قنفذ.
كان لا بد للفن الحديث من سيزان جسرا حمل عبقريته ببساطة مفرطة ومحتدمة، والذي يذهلني في صباغته هو اللاغانئية الملفوفة في موضوعية جمالية نادرة. لم يبحث قط عن إغراء المتلقي، أو إشباع نرجسيته عبر رأي لم يشاهد كما يليق. كان يحترم شجرة العيثام … يبلِّلُ ضجيج الفنانين بمِلْوَنٍ مشوب برصد جبل « السانت-ڤيكتوارْ«.
هل أراد سيزان رسم جلد الطبيعة؟ أم أنه كان يحفر في قشرة الخارج ليتمثل شيئا سريا بحذر مؤلم؟ أقمشته منعطف الدهشة والتنجيم… حيث:
« الأصبع الحسير يمحو أسقفة
الديار. وأنوار الفوانيس
تكوِّن هالات عجيبةً في نشافات الهواء «.
بالفعل، انطباعنا، إذا تأملنا لوحاته بين حليب ودم، نقول إن فرشاته كانت حسيرة لأنها تتمتم، تتبرم صرخة المشهد مراوغة طيبوبة السماء وفحم الرعشة. ثم قسوة الصمت خولت لسيزان صحةَ عبارة ألوانه عموما، والأصعب خصوصا. إنها لعبة صانت وتصون سيزان: الفن يصون كما يقول ج. دولوز. لهذا ظلَّ سيزان يمشي من مكان إلى آخر؛ لكن في نفس الفضاء وكأنه يتجسس على الضوء ومهبلٍ جماليٍّ ما. إنها بكارة الفن الزاغبة، بامتياز.
طبيعة سيزان حيِيَّةٌ بالقرب من صنم الحب. سؤاله يستدرج اللسان نحو التلعثم. وعيناه الحسيرتان قاسيتان كحجر الغرانيت ليلا. إنه الشِّغيل الذي سقط في محبرة الفن: مساء التصوير وقسوة يد تتقدم في عمق السند وهندسةِ تفاحةٍ ربما حمراء.


الكاتب : حساين بنزبير

  

بتاريخ : 03/12/2022