فتحت المملكة العربية السعودية جبهة جديدة في حربها الإقليمية غير المباشرة مع إيران مهددة حزب الله حليف طهران القوي ووطنه لبنان
في محاولة لاستعادة زمام المبادرة.
ومع انتصار القوة الإيرانية في العراق وسوريا ودخول الرياض في حرب مع جماعات متحالفة مع إيران في اليمن فقد يؤدي النهج السعودي الجديد إلى اضطرابات سياسية واقتصادية مستمرة في بلد تحظى فيه طهران بهيمنة على ما يبدو .
وينظر كثيرون إلى استقالة رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري التي أعلنها من الرياض يوم السبت وألقى فيها باللوم على إيران وحزب الله على أنها أول خطوة لتدخل سعودي غير مسبوق في السياسة اللبنانية.
وقال دبلوماسي أوروبي “يبدو أن السعوديين قرروا أن أفضل طريقة لمواجهة إيران تبدأ من لبنان”.
وتنحي الرياض باللوم في استقالة الحريري على حزب الله واتهمته بخطف السياسات اللبنانية، ولكن السعودية وسعت دائرة اللوم لتشمل لبنان ككل، قائلة إنه أعلن أيضا الحرب على السعودية. وقدم وزير سعودي طلبا يعتبر تحقيقه شبه مستحيل وهو أن يتحرك اللبنانيون ضد جماعة تشكل جزءا أساسيا من النسيج السياسي اللبناني وتعد أقوى بكثير من الدولة الضعيفة وتملك جيشا من المقاتلين
يفوق تسليحه الجيش الوطني.
وتزامنا مع عملية ضخمة لمكافحة الفساد في السعودية شملت أمراء ومسؤولين بارزين أثارت استقالة الحريري المفاجئة تكهنات من حزب الله وآخرين في لبنان بأن مصالحه التجارية في السعودية زجت به في التحقيقات وأنه أجبر على الاستقالة . وتنفي المملكة العربية السعودية وحلفاء الحريري ذلك كما نفت وضعه تحت الإقامة الجبرية. وقالت إنه اضطر لاتخاذ هذا الموقف بسبب تدخل حزب الله في الدول العربية خدمة لإيران.
فراغ في السلطة
قال وزير الخارجية السعودي عادل الجبير إن حزب الله هو الذي كان “يتخذ القرارات” في حكومة الحريري التي كانت تضم وزيرين من حزب الله وشكلت العام الماضي في اتفاق سياسي جعل ميشال عون وهو حليف لحزب الله رئيسا للبنان.
وسيواجه حزب الله وحلفاؤه صعوبة في تشكيل حكومة دون الحريري أو مباركته مما يجعل لبنان يواجه أزمة مطولة يمكن أن تثير في نهاية الأمر توترات بين السنة والشيعة على الرغم من عدم وجود ما يشير إلى ذلك حتى الآن مع دعوة كل الأطراف إلى التحلي بالهدوء.
وأشار الحريري في خطاب استقالته إلى أنه يخشى من مخطط لاغتياله متهما إيران وجماعة حزب الله بزرع الفتنة في العالم العربي. ومحاولة “خطف” لبنان بعيدا عن العالم العربي. وشكل إعلان الاستقالة مفاجأة حتى لمساعدي الحريري.
وليس من الواضح ما الذي سيحدث بعد ذلك فقد فشلت جهود مدعومة من السعودية لإضعاف حزب الله بلبنان قبل عشر سنوات وانتهت بنشوب جولة من القتال بين السنة والشيعة في شوارع بيروت لم تؤد إلا إلى تأكيد هيمنة حزب الله العسكرية. وانتقل الصراع الإقليمي في السنوات الأخيرة إلى مناطق أخرى ولاسيما سوريا المجاورة حيث فشلت سنوات من الاستثمار السعودي في الجماعات المعارضة التي تقاتل الرئيس بشار الأسد في مواجهة التدخل العسكري المباشر من إيران وحزب الله.
وفي العراق بدت في الغالب الفصائل المدعومة من طهران والقادة الإيرانيون أقوياء مثل الجيش العراقي المدعوم من الولايات المتحدة وظهر ذلك في عملية استعادة كركوك من القوات الكردية.
وأعلن المسؤول الإيراني البارز علي أكبر ولايتي في بيروت يوم الجمعة ما قبل الماضي نجاح تحالفات بلاده الإقليمية في العراق وسوريا ولبنان. واعتبر هذا التصريح الذي أدلى به ولايتي لوسائل الإعلام بعد لقاء مع الحريري استفزازا كبيرا للسعودية.
وغادر الحريري إلى السعودية بعد ذلك مباشرة وألغى كل ارتباطاته السابقة وفاجأ حتى أقرب مستشاريه في اليوم التالي بإعلان استقالته الذي كانت وسائل إعلام مملوكة للسعودية هي أول من بثته.
واندلعت المواجهة الإقليمية في الخليج بعد ذلك بساعات بإطلاق جماعات متحالفة مع إيران صاروخا باليستيا على الرياض من اليمن. وتقول السعودية إن حزب الله هو الذي أطلق الصاروخ.
ولم يرد حزب الله أو الحكومة اللبنانية الثلاثاء على الاتهام السعودي الذي أعلنه ثامر السبهان، وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج العربي، وهو أحد كبار مساعدي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بأن لبنان وحزب الله أعلنا الحرب على السعودية. وقال السبهان لقناة العربية “سوف تعامل الحكومة اللبنانية كأنها حكومة إعلان حرب على المملكة العربية السعودية ويجب على اللبنانيين جميعا أن يعوا هذه المخاطر وأن يعملوا على تدارك الأمور قبل أن تصل إلى نقطة لا رجعة فيها”. وقال الأمير محمد بن سلمان لرويترز الشهر الماضي إن حرب اليمن ستستمر لمنع تحول الحوثيين لحزب الله آخر على حدود المملكة.
دعوة العقوبات
وأسس الحرس الثوري الإيراني حزب الله عام 1982 لمحاربة القوات الإسرائيلية في لبنان. ونشبت آخر حرب رئيسية له مع إسرائيل في 2006 عندما زادت قوة حزب الله .
ولكن الشلل السياسي والتوتر يمثلان تهديدا كبيرا للاقتصاد الذي يعاني أصلا من الركود وقد يعطلان الانتخابات البرلمانية التي تجري في لبنان العام المقبل والتي ستكون أول انتخابات يشهدها لبنان من 2009.
وسارع السياسيون اللبنانيون إلى تهدئة القلق بشأن الاستقرار المالي للدولة المثقلة بالديون. وقالوا إن وضع الليرة اللبنانية -المرتبطة بالدولار بنفس السعر منذ 20 عاما- مستقر.
وكان الحريري يقود جهودا لجمع مساعدات دولية للبنان من أجل معاونته على استضافة 1.5 مليون لاجئ سوري أي ما يقارب من ربع سكان البلاد.
ويقول زعماء من جمع الأطراف إنه يجب عدم حدوث مزيد من التصعيد. وعمل كل من حزب الله وتيار المستقبل بزعامة الحريري على احتواء التوترات السنية الشيعية جراء الحرب في سوريا المجاورة.
ودعا الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله إلى الهدوء والصبر بعد استقالة الحريري. وأشار عقاب صقر عضو تيار المستقبل الذي يتزعمه الحريري إلى إلغاء احتجاجات تضامنا مع الحريري لتفادي حدوث اضطرابات.
ودعا السبهان إلى فرض عقوبات حقيقية وإلى تحالفات لإيجاد حل حقيقي لما وصفه بهذا المرض السرطاني وقال إنه يجب نزع سلاح حزب الله وعدم دخوله الحكومة .
واتخذت الولايات المتحدة إجراءات جديدة استهدفت حزب الله في الأسابيع الأخيرة مع انتهاج الرئيس دونالد ترامب موقفا أكثر تشددا تجاه إيران. وعرضت مكافأة مالية نظير القبض على مسؤولين اثنين بحزب الله وأيد مجلس النواب فرض عقوبات جديدة تستهدف الكيانات التي يثبت دعمها له.
أمريكا والاتحاد الأوروبي يجددان دعمهما للبنان
جدد الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة يوم الأربعاء دعمهما للبنان بعد استقالة رئيس الوزراء سعد الحريري في تباين حاد لموقف السعودية التي تتهم بيروت بإعلان الحرب بسبب جماعة حزب الله الشيعية.
وتختلف بيانات التأييد للبنان التي أعلنها سفراء الاتحاد الأوروبي الأربعاء ووزارة الخارجية الأمريكية الثلاثاء اختلافا حادا عن موقف السعودية التي وضعت لبنان بكامله في سلة واحدة مع جماعة حزب الله المدعومة من إيران كطرف معاد لها.
ودخل لبنان في أزمة حادة منذ أن أعلن الحريري، المتحالف مع الرياض، استقالته يوم السبت في كلمة ألقاها من السعودية اتهم فيها حزب الله وإيران بإثارة الفتنة في العالم العربي وأشار إلى محاولة لاغتياله.
وأثارت الملابسات المحيطة بالاستقالة المفاجئة تكهنات في لبنان بأن الحريري ربما أجبر على الاستقالة واحتجز في إطار حملة واسعة النطاق لمكافحة الفساد في السعودية حيث جمعت أسرته ثروتها.
ونفت السعودية ذلك كما نفت تقارير عن وضعها الحريري قيد الإقامة الجبرية. وتقول إنه استقال لأن حزب الله أصبح هو المهيمن على الحكومة.
وأعادت الخطوة لبنان إلى واجهة الصراع في الشرق الأوسط بين السعودية وإيران والذي ظهر كذلك في سوريا والعراق والبحرين واليمن.
وأدت تلك الخطوة إلى دخول لبنان في أزمة سياسية وأضرت بالثقة في الأسواق في لبنان المثقل بالديون. واستمر بيع السندات اللبنانية لليوم الثالث على التوالي الأربعاء.
وأفاد بيان للسفارة الأمريكية أن السفير الأمريكي لدى لبنان قال يوم الأربعاء خلال اجتماع مع قائد الجيش اللبناني العماد جوزيف عون إن الولايات المتحدة ما زالت “ملتزمة باستقرار لبنان وأمنه وديمقراطيته ورخائه”.
والاجتماع كان بمناسبة للإعلان عن صرف الحكومة الأمريكية مبلغ 42.9 مليون دولار لعمليات حدودية يقوم بها الجيش اللبناني في إطار المساعدات العسكرية الأمريكية.
وتصنف الولايات المتحدة حزب الله جماعة إرهابية في حين تدعم الدولة اللبنانية الضعيفة وتفرق بينهما في سياسة تنتهجها منذ فترة طويلة.
ويوم الثلاثاء قالت وزارة الخارجية الأمريكية إن لبنان شريك قوي للولايات المتحدة.
وقالت هيذر نويرت المتحدثة باسم الوزارة “الولايات المتحدة تدعم بقوة المؤسسات الشرعية في دولة لبنان”.
وأضافت “نتوقع من جميع أعضاء المجتمع الدولي احترام هذه المؤسسات وسيادة لبنان واستقلاله السياسي”.
وأكد سفراء الاتحاد الأوروبي لدى لبنان في بيان “دعمهم القوي لاستمرار وحدة واستقرار وسيادة وأمن لبنان وشعبه”.
وتلقى لبنان مساعدات غربية كبيرة كذلك لمساعدته على استضافة 1.5 مليون لاجئ سوري أي ما يعادل ربع عدد سكانه.
وحزب الله الذي أسسه الحرس الثوري الإيراني في عام 1982 هو أقوى جماعة في لبنان، إذ يفوق تسلحيه تسليح الجيش الوطني كما أنه يتمتع بنفوذ كبير في الحكومة.
ولم يرد حزب الله أو الحكومة اللبنانية على الاتهامات التي وجهها وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج ثامر السبهان بأن لبنان وحزب الله أعلنا الحرب على المملكة.
ورفض الرئيس ميشال عون، المتحالف مع حزب الله والذي تولى السلطة العام الماضي، قبول استقالة الحريري قائلا إنه يريده أولا أن يعود إلى لبنان ليجتمع معه شخصيا ليفهم منه أسباب استقالته.
ونقلت وسائل إعلام لبنانية عن عون قوله إن أمن لبنان واقتصاده مستقران وإن الرئاسة ما زالت تعتبر الحريري رئيسا للوزراء.
وقال نبيه بري رئيس البرلمان اللبناني إن الحكومة الائتلافية بقيادة الحريري ما زالت قائمة.
وقال صناع السياسات إنه لا خوف على الليرة اللبنانية -المربوط سعرها بالدولار الأمريكي على نفس السعر منذ نحو 20 عاما- بفضل المستويات القياسية للاحتياطيات بالعملة الأجنبية.
روحاني : الحذر من “قوة ومكانة إيران”
دعت إيران الأربعاء السعودية إلى الحذر من “قوة ومكانة إيران” بعد تفاقم حدة التوتر بين البلدين الخصمين حول عدد من الملفات الخلافية ولاسيما الحرب في اليمن.
وقال الرئيس الإيراني حسن روحاني في كلمة أمام مجلس الوزراء نقلها التلفزيون، متوجها إلى القادة السعوديين “تعلمون قوة ومكانة الجمهورية الإسلامية الإيرانية جدا، كانت هناك قوى أكبر منكم عجزت عن قهر إرادة الشعب الإيراني” بحسب ترجمة عربية أوردتها وكالة الأنباء الإيرانية (ارنا.)
وأضاف روحاني أن “أمريكا وكل أذنابها عبأوا كل إمكاناتهم وقدراتهم لكنهم هزموا أمام صلابة وقوة الشعب الإيراني” في إشارة إلى الحرب الطاحنة التي شنها العراق في 1980 على الجمهورية الإسلامية بدعم من دول غربية وعربية وانتهت بعد ثماني سنوات بلا تعديل للوضع السائد قبلها.
وقطعت طهران والرياض العلاقات الدبلوماسية في يناير 2016 بعد تخريب السفارة السعودية في طهران أثناء تظاهرة غاضبة احتجاجا على إعدام الرياض رجل دين شيعي سعودي.
ويدعم كل من البلدين معسكرات متواجهة في النزاعات الرئيسية في الشرق الأوسط وخصوصا سوريا واليمن والعراق، وكذلك في لبنان والبحرين.
وتابع الرئيس الإيراني “إننا ندعو أيضا إلى أن ينعم اليمن والعراق وسوريا وحتى السعودية بالازدهار والتقدم. على الجميع أن يعلم، ليس من وسيلة إلا الأخوة والصداقة ومساعدة أحدنا الآخر”.
كما أضاف “من الخطأ أن تفكروا أن إيران ليست صديقة لكم وان أمريكا والكيان الصهيوني أصدقاؤكم. فهذا التفكير خطأ استراتيجي وفي الحسابات”، في إشارة إلى تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي مؤخرا أن “التهديد” الإيراني يؤدي إلى تقارب عير مسبوق بين الدولة العبرية وجيرانها العرب.
وتضاعف التوتر بين البلدين بعد اعتراض القوات السعودية السبت فوق مطار الرياض صاروخا بالستيا أطلقه المتمردون الحوثيون في اليمن الذين تؤكد إيران دعمهم سياسيا وليس عسكريا.
والثلاثاء اعتبر ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان أن ذلك “قد يرقى إلى اعتباره عملا من أعمال الحرب ضد المملكة”، متهما إيران بتزويد الحوثيين بالصواريخ.
وفيما رفضت إيران هذه الاتهامات واعتبرتها “منافية للحقيقة”، دعت وزيرة الخارجية الأوروبية فيديريكا موغيريني جميع الأطراف إلى الهدوء، فيما أكدت واشنطن وقوفها في صف الرياض في مواجهة طهران.
ورحب البيت الأبيض في بيان صدر الأربعاء بالموقف السعودي مؤكدا أن “الاعتداءات الصاروخية للحوثيين ضد السعودية التي تحصل بتسهيل من الحرس الثوري الإيراني، تهدد الأمن الإقليمي وتسيء إلى جهود الأمم المتحدة للتفاوض على حل لهذا النزاع”، مشيرا إلى أن مثل هذه الصواريخ “لم تكن موجودة في اليمن قبل النزاع”، وجدد دعوة “الأمم المتحدة إلى التدقيق في الوقائع التي تثبت أن النظام الإيراني يطيل النزاع في اليمن بهدف تحقيق طموحاته الإقليمية”.
وطالب روحاني في كلمة الأربعاء أمام وزرائه السعودية التي تقود منذ 2015 تحالفا يقدم دعما عسكريا للقوات الحكومية اليمنية، إلى وقف قصفها لمناطق المتمردين الحوثيين والحصار الذي تفرضه على هذا البلد.
وأضاف “لو سلمنا أن السعودية تعادي الشعب الإيراني، فلماذا تكن العداء للشعب اليمني وتشن هجماتها على شعب مجاور لها. كيف يستطيع الشعب اليمني أن يصد هذا الحجم من القصف؟”
وأمام تكثف قصف التحالف العسكري، هدد الحوثيون الثلاثاء باستهداف مطارات وموانئ السعودية والإمارات بالصواريخ.
من جهة أخرى ربط الرئيس الإيراني بين تكثف التحرك السعودي خارج الحدود بالوضع الداخلي في المملكة.
وقال “على السعودية أن تسعى إلى معالجة مشاكلها الداخلية بعيدا عن إقحام شعوب المنطقة بمشاكلها”، في إشارة إلى حملة الاعتقالات غير المسبوقة التي شهدتها الرياض الأسبوع الفائت وطالت أمراء ووزراء ومسؤولين سابقين ورجال أعمال متهمين بالفساد.
واتهم روحاني أيضا ضمنا القادة السعوديين بإرغام رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري على الاستقالة، متسائلا “لماذا تتدخلون في الشأن الداخلي لحكومة لبنان؟ لم نشهد في التاريخ أن بلدا يتدخل بهذا الشكل في شؤون بلد آخر ويجبر مسؤوله على الاستقالة. هذا غير مسبوق في تاريخ المنطقة”.
وكان الحريري قد أعلن استقالته من الرياض وأكد الخشية على حياته مهاجما حزب الله وإيران. وقال إن طهران “أنشأت دولة داخل الدولة (…) وأصبح لها الكلمة العليا”، أما “ذراعها” حزب الله فقد “فرض أمر واقع بقوة سلاحه”.
واشنطن تحض على تحرك دولي ضد طهران
وحضت واشنطن الأمم المتحدة على التحرك لمحاسبة إيران التي تتهمها السعودية بشن “عدوان عسكري مباشر” على خلفية إطلاق المتمردين الحوثيين في اليمن صاروخا باتجاه الرياض.
وفي غضون ذلك، هدد الحوثيون بضرب مطارات وموانئ السعودية والإمارات، وسط تصاعد حدة الأزمة بين الرياض وطهران فيما حذر الاتحاد الأوروبي من تداعيات “بالغة الخطورة”.
واتهم ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إيران بتزويد الحوثيين بالصواريخ معتبرا أن ذلك “قد يرقى إلى اعتباره عملا من أعمال الحرب ضد المملكة”.
من جهته، رد وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف أن “مزاعم المسؤولين السعوديين مخالفة للواقع وخطيرة” بحسب ما نقل على لسانه الناطق باسم وزارة الخارجية الإيرانية بهرام قاسمي لوكالة فرانس برس.
بدورها، قالت السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة نيكي هايلي إن إيران زودت المتمردين الحوثيين بصاروخ أطلق على السعودية في يوليوز، مشيرة إلى أن الصاروخ الذي أطلق السبت باتجاه الرياض “قد يكون كذلك إيراني المصدر”.
وأضافت أن “الحرس الثوري من خلال تزويده هذا النوع من الأسلحة للميليشيات الحوثية، فإنه بذلك ينتهك قرارين للأمم المتحدة في الوقت نفسه (2216 و2231 )”.
وتابعت “نحض الأمم المتحدة والشركاء الدوليين على اتخاذ التحرك الضروري لمحاسبة النظام الإيراني على هذه الانتهاكات”.
من جهتها، نبهت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني الثلاثاء من أن “مستوى المواجهة في المنطقة قد يترك تداعيات بالغة الخطورة، ليس فقط على المنطقة بل خارجها أيضا”، داعية إلى التهدئة ولكن من دون أن تحمل جهة محددة المسؤولية.
وتسبب التوتر بين السعودية وإيران بارتفاع أسعار النفط الخام إلى أعلى مستوياتها تقريبا منذ سنتين فيما خيمت المخاوف على الأسواق الخليجية.
وأظهر المتمردون السبت أنهم لا يزالون يمتلكون صواريخ قادرة على ضرب أهداف في عمق المملكة رغم مرور أكثر من عامين على انطلاق الحملة العسكرية التي تقودها السعودية ضدهم.
وأعلن الحوثيون أن “إرادتنا لن تنكسر (…) وكل المطارات والموانئ والمنافذ والمناطق ذات الأهمية بالنسبة لهم ستكون هدفا مباشرا للسلاح اليمني المناسب”.
وأكدوا “لن نقف مكتوفي الأيدي وسندرس خيارات أكبر وأشد حسما للحيلولة دون المزيد من حصار الشعب اليمني وتجويعه أو إذلاله”.
والصاروخ الذي تم اعتراضه وتدميره قرب مطار الرياض الدولي هو الأول الذي يبلغ مداه العاصمة السعودية حيث سلط الأضواء على تداعيات تدخل الرياض عسكريا في نزاع جارتها الفقيرة.
وتشكل السعودية والإمارات القوتان الرئيسيتان في التحالف المشارك في الحرب على المتمردين في اليمن منذ العام 2015 لدعم الحكومة المعترف بها دوليا.
وبعيد اعتراض الصاروخ، قرر التحالف إغلاق منافذ اليمن الجوية والبحرية والبرية بشكل مؤقت حيث منع كذلك دخول المساعدات تحت إشراف أممي رغم مناشدات الأمم المتحدة.
وأكد التحالف أن تحركه يهدف إلى “سد الثغرات الموجودة في إجراءات التفتيش الحالية والتي تسببت في استمرار تهريب تلك الصواريخ” إلى المتمردين.
ولكن منع دخول المواد الإغاثية يهدد نحو سبعة ملايين شخص يعيشون على حافة المجاعة، ما دفع بالأمم المتحدة إلى المناشدة برفع الحظر في أسرع وقت ممكن.
وقال المتحدث باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية ينس لارك للصحافيين في جنيف “إذا لم يتم إبقاء شرايين الحياة هذه، مفتوحة فإن الأمر سيكون كارثيا على الناس الذين يواجهون ما أطلقنا عليه بالفعل أسوأ أزمة إنسانية في العالم”.
وأعلن المكتب أن التحالف طلب من الأمم المتحدة إبعاد السفن عن مرفأ الحديدة الذي وصفه بأنه “العمود الفقري للعمليات الإنسانية في اليمن”.
وأشار إلى محادثات جارية مع التحالف لإعادة إدخال المساعدات في أسرع وقت.
وأعربت روسيا عن “قلقها العميق” لقرار التحالف العربي إغلاق المنافذ الحدودية لليمن. وسيبحث مجلس الأمن الدولي الأربعاء مسألة المساعدات الإنسانية إلى اليمن.
من جهتها، دعت اللجنة الدولية للصليب الأحمر في بيان إلى إبقاء المنافذ إلى اليمن مفتوحة للسماح بإيصال “المساعدة الإنسانية الحيوية”.
واعتبرت منظمة “هيومن رايتس ووتش” الحقوقية أن الصاروخ الذي أطلق باتجاه الرياض قد يشكل “جريمة حرب”، لكنها دعت في الوقت ذاته السعودية إلى عدم الرد بتشديد القيود على إدخال المساعدات إلى اليمن.
وقد يؤدي تهديد الحوثيين بشن هجمات صاروخية أكثر على غرار تلك التي استهدفت مطار الرياض إلى تصعيد في النزاعات بالوكالة بين الرياض وطهران، اللتان تدعمان أطرافا متخاصمة في حروب وصراعات على السلطة من اليمن حتى سوريا.
ويأتي التوتر في حين تشهد المملكة حملة مكافحة فساد غير مسبوقة بقيادة ولي العهد اعتقل خلالها العشرات من كبار الشخصيات السياسية والاقتصادية بينهم الملياردير الأمير الوليد بن طلال.
والاثنين الماضي، دخل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على خط التطورات الداخلية في المملكة، معبرا عن ثقته في إجراءات العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز ونجله ولي العهد.
وقال ترامب في تغريدة على موقع “تويتر”، “لدي ثقة كبيرة بالملك سلمان وبولي العهد السعودي، فهما يدركان بالضبط ما يفعلانه”، مؤكدا أن بعض الموقوفين ابتلعوا ثروات البلد على مدى سنوات.
وتسلط حملة التطهير الأضواء على إعادة الهيكلة غير المسبوقة في المملكة في وقت يكثف الأمير محمد حملة إصلاحات جذرية لقيادة المملكة نحو حقبة ما بعد النفط، فيما يعزز قبضته على السلطة قبل تنصيبه ملكا في نهاية المطاف.
وألمحت لجنة مكافحة الفساد الاثنين الماضي إلى إمكانية توسيع حملتها عبر إصدار مذكرات اعتقال جديدة وقرارات منع سفر بحق المزيد من الشخصيات.