‬يونس مجاهد .. التحول الأساسي‮ يكمن في‮ فلسفة التعامل مع الصحافة والإعلام

* قد انعكس هذا في دستور 2011، حيث نص الفصل 25، على أن «حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. وحرية الإبداع والنشر والعرض في مجالات الإبداع الأدبي والفني والبحث العلمي والتقني مضمونة»

* بالنسبة لمدونة الصحافة والنشر (قانون الصحافة، القانون الأساسي للصحافيين المهنين، المجلس الوطني للصحافة)، فقد عرفت إصلاحات، لكنها منقوصة

 

مر ربع قرن على العهد الجديد، والذي كان فيه الاعلام مادة حارقة، ما هي اهم التحولات الكبرى، التي عرفها القطاع طوال هاته المدة؟

التحول الأساسي في نظري هو الفلسفة التي تعامل بها العهد الجديد مع الصحافة والإعلام، وهي مختلفة جذريا عن السابق، حيث كان الهاجس هو أن يتوفر المغرب على مؤسسات وتشريعات مشابهة لما يحصل في البلدان الديمقراطية، وفي هذا الإطار جاء تحرير القطاع السمعي البصري، وقد رافق كل هذا عدة خطب ورسائل ملكية. على سبيل المثال، في رسالة جلالة الملك لأسرة الصحافة والاعلام، بمناسبة اليوم الوطني للإعلام سنة 2002، أكد فيها على الإستعداد لتحديات الألفية الجديدة التي تفرضها العولمة والاستفادة من مؤهلات مجتمع المعرفة والاتصال. كما دعا الحكومة لأن تنكب في أقرب الآجال، وبتشاور مع المنظمات المهنية للقطاع، على دراسة الإجراءات التي من شأنها الارتقاء الصحافة إلى مستوى من التقدم والاحترافية.
وفي خطاب العرش سنة 2004، اعتبر أن إصلاح الفضاء السياسي سيظل ناقصا بدون استكمال الإصلاح الشامل للمشهد الإعلامي، لترابطهما العضوي في دمقرطة الدولة والمجتمع. وأكدت الرسالة الملكية إلى المشاركين في الدورة الثامنة للمؤتمر الإسلامي لوزراء الإعلام، سنة 2009، حرص جلالته على مواصلة ورش الإصلاح الطموح، الذي أتاح إعادة هيكلة القطب الإعلامي العمومي. وأشار أيضا إلى توجيهاته السامية للحكومة، للعمل على توفير الشروط الكفيلة بإقامة مؤسسات إعلامية احترافية حرة ومسؤولة، وانبثاق صناعة إعلامية تنموية، عبر إعادة النظر في منظومة الدعم العمومي للصحافة المكتوبة، وتطوير منظومتها القانونية، وتمكينها من هيئة تسهر على تنظيم المهنة وتأطيرها قانونيا وأخلاقيا.

بدأ العهد الجديد بتحرير السمعي البصري، (حكومة اليوسفي) وانتهي بتقنين ذاتي للصحافة المكتوبة، وما بينهما جرت مياه كثيرة تحت الجسر، في نظركم ما هو الخيط الناظم بين كل هاته التحولات؟

كانت خطوة تحرير القطاع السمعي البصري في عهد حكومة التناوب التوافقي، هامة ومؤشر على توجه جديد، و كانالخيط الناظم هو تكريس دور المؤسسات الوطنية والهيئات المهنية لتسيير وتدبير قطاعات الصحافة والإعلام، بشكل ديمقراطي، والسعي إلى أن تتوفر بلادنا على صحافة إحترافية وإعلام جيد، ذلك ما نجده في الخطب والرسائل الملكية من إشارات وتوجيهات واضحة إلى هذا التوجه.
وقد انعكس هذا في دستور 2011، حيث نص الفصل 25، على أن «حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. وحرية الإبداع والنشر والعرض في مجالات الإبداع الأدبي والفني والبحث العلمي والتقني مضمونة».
كما خول الفصل 27 ، الحق في الحصول على المعلومات العمومية، اما الفصل 28 فقد كرس المبادئ الأساسية المتعلقة بحرية الصحافة، لاسيما ما يتعلق بحق الجميع في التعبير ونشر الأخبار والأفكار والآراء بكل حرية، وكذا تشجيع السلطات العمومية على تنظيم قطاع الصحافة، بكيفية مستقلة، وعلى أسس ديمقراطية، وعلى وضع القواعد القانونية والأخلاقية المتعلقة به.

يجرنا هذا المحور الي مساهمة الاتحاد، من خلال المجتمع السياسي أو من خلال المجتمع المدني والنقابات والمنظمات الاجتماعية 
 وهنا نطرح عليكم سؤال جرد بمساهمات الاتحاد من خلال اطره او من خلال مقترحات قوانينه؟

لقد كان موضوع الصحافة والإعلام من بين أولويات الإتحاد، لأنه يربط في أدبياته ومواقفه، دائما، بين إصلاح المشهد السياسي وإصلاح هذا القطاع، وتقدم في هذا الصدد بعدة اقتراحات ومشاريع. وهنا ينبغي التذكير بأنه بمجرد تنصيب حكومة المجاهد عبد الرحمن اليوسفي، اعتبر بأن ملف إصلاح قانون الصحافة والنشر، يستحق أن يوضع في مقدمة الإصلاحات، وشكل لجنة من الوزارة الأولى ووزارات العدل وحقوق الإنسان والداخلية والإتصال، للإشتغال على هذه الإصلاحات، غير أنه للأسف، لم تنفتح وزارة الإتصال آنذاك على المهنيين في القطاع، بل اعتبرت أنهم يدافعون عن مواقف «فئوية». وقد تمت المصادقة في سنة 2002، على قانون جديد، تبين أنه لا يحظى بقبول المنظمات المهنية في القطاع، لذلك سرعان ما بدأ التفكير في تعديله. وهو ما تم في ملتقى الصخيرات سنة 2005، بإشراف الوزير الأول آنذاكـ، السيد إدريس جطو، حيث تم الاتفاق على مراجعة هذا القانون، والتداول مع المهنيين على مدونة شاملة للصحافة والنشر.

يعرف الاعلام كذلك لحظات توتر كبرى بينه وبين السلطات بكل انواعها، كيف يتم تجاوز سوء الفهم وكيف يجب تأطيره؟

هذه التوترات تحدث باستمرار، وقد كنا حريصين في النقابة الوطنية للصحافة المغربية، على أن نظل متشبثين بالدفاع عن حرية الصحافة، من جهة، لكننا من جهة أخرى، كنا نبحث عن حلول لمعالجة مختلف هذه التوترات. وهو ما نجحنا فيه، في العديد من الحالات، حيث كان التجاوب يحصل باستمرار. وهنا أود تقديم أفضل نموذج لمثل هذه الأوضاع. ففي سنة 2009، حصل توتر كبير بين السلطة والصحافة، وساد الغضب في الأوساط الرسمية على بعض الممارسات الصحافية، بصفة عامة، حيث تمت متابعة بعض الصحافيين، وإغلاق جريدة يومية…
وقد بذلنا محاولات متعددة لينفرج هذا الوضع، وكللت جهودنا بالنجاح.غير أن أهم حدث هنا، ما حصل من تطورات، خلال هذه الفترة، وهو انطلاق الحوار الوطني «الإعلام والمجتمع»، في يناير 2010، بمجلس النواب، الذي كان ثمرة نقاش مستمر حول كيفية الخروج من وضعية التوتر، بطريقة جذرية وهيكلية، ومعالجة مختلف الإشكالات المطروحة في قطاعات الصحافة والاعلام.
وأتذكر هنا الدور الهام الذي لعبه السيد فؤاد عالي الهمة، الذي كان آنذاك نائبا في البرلمان، حيث كان من الفاعلين الأساسيين في هذا المسار الإيجابي. وقد توج هذا الحوار ببرنامج عمل شامل وخارطة طريق طموحة، لتطوير القطاع وإصلاحه، على كل المستويات القانونية والمهنية والأخلاقية والتجارية، وفي مجال التكوين والتكوين المستمر، وغيره من مفاصل الصناعة الاعلامية…
غير أن ما سيأتي من تطورات لاحقة أجهض هذا المسار، حيث نظمت انتخابات مبكرة، بعد الدستور الجديد في سنة 2011، أدت إلى تشكيل حكومة عبد الإله بنكيران، فتم طي هذه الصفحة، تقريبا، ولم تبلغ الإصلاحات مداها المنشود، وهو ما نعيش تبعاته، لحد الآن.

يري البعض بأن العهد الجديد لم ينل بعد الاعلام الذي يليق بمنجزاته سواء في السمعي البصري او في الكتابيوفي مستويات اخرى الي اي حد تعد المعاينة صحيحة؟

هذا صحيح، لأنه إذا عدنا أولا، إلى الخطب والرسائل الملكية في هذا القطاع، سنجد أنها متقدمة في نظرتها، وثانيا، إن الصعوبات والاختلالات المسجلة في الصحافة والاعلام، لم تعالج بالشكل المطلوب، كما هو الحال بالنسبة لمعالجة مشاكل عدة قطاعات ومجالات أخرى. ويعود هذا في نظري إلى ضعف الأداء الحكومي، الذي طبع المغرب، في فترات معينة.
ففي سنة 2005، تم تنظيم ملتقى الصخيرات، الذي اتفق فيه على جملة من المشاريع، أهمها تعميم منح الدعم للصحافة، والتوقيع على اتفاقية جماعية بين النقابة الوطنية للصحافة المغربية وفيدرالية الناشرين، وإحداث جمعية للأعمال الاجتماعية للصحافيين، ومراجعة مدونة الصحافة والنشر… كانت هذه الخطوات إيجابية آنذاك. غير أن مسلسل الإصلاح توقف بسبب الخلاف على قانون الصحافة، ففي الوقت الذي كانت فيه الحكومة مصرة على بقاء أربعة مواد سالبة للحرية، رفض ممثلو المهنيين ذلك.
كما أن الإصلاح في القطاع السمعي البصري، ظل مقيدا ببعض الاحترازات، الأمر الذي لم ينتج عنه التطور المنشود في هذا القطاع. وفي الوقت الذي تمت فيه مراجعة دفتر التحملات السمعي البصري، من طرف حكومة بنكيران، حصل نكوص، بسبب تضمين هذا النص مواقف إيديولوجية أصولية، بينما كان من الممكن التقدم في تحقيق مكتسبات جيدة، لتكريس المرفق العام والتعددية والجودة…
وحتى بالنسبة لمدونة الصحافة والنشر (قانون الصحافة، القانون الأساسي للصحافيين المهنين، المجلس الوطني للصحافة)، فقد عرفت إصلاحات، لكنها منقوصة.
بعد هذه الفترة حصل جمود، لكننا نعيش الآن فرصة الخروج منه. ويمكن للمغرب أن يتقدم في هذا القطاع، خاصة وأن هناك مؤشرات إيجابية، تدل على إمكانية حصول هذا التطور.

عيش العالم ثورة هائلة،رقمية وتكنولوجية وذهنية تطرح تحديات كبرى على المغرب، لكي يكون قوة هادئة وذات تأثير اعلامي دولي، كيف يمكن الوصول الى هدف مثل هذا؟ 

الأمر ليس هينا، لأن التنافس الدولي والإقليمي، في هذا المجال، على أشده، والحرب ضارية على الصعيد العالمي، للسيطرة على الفضاء الرقمي والذكاء الاصطناعي وعلى المعطيات والعقول والسلوكات والأسواق.. لا بديل للمغرب إذا أراد الانخراط القوي في هذه الثورة العالمية المتواصلة، إلا ببلورة منظور شامل ومندمج في التواصل والصحافة والإعلام. يتطلب هذا مؤسسات قوية، ومراجعة شاملة للبيئة التواصلية، على مختلف الأصعدة، التجارية والصناعية والمهنية، وخاصة إعداد الموارد البشرية القادرة على مواكبة التطورات.
لذلك ينبغي للمغرب أن يتوفر على سياسة عمومية واضحة في هذا المجال. لا يمكن أن يترك الأمر، فقط لاقتصاد السوق، إذ من الضروري تدخل الدولة، باستراتيجية مدروسة، فنحن أمام قطاع من أخطر القطاعات، وكل المؤشرات تؤكد أنه سيقود التحولات التي تجري على الصعيدين الدولي والإقليمي.

يونس مجاهد نقابي مغربي ترأس النقابة الوطنية ثم يترأس المجلس الوطني، كان على رأس الفدرالية الدولية، من هذا المنطلق ما هي أهم اللحظات في نظرك التي طبعت العهد الجديد؟

بالنسبة لي أنا شخصيا، هناك محطة إنسانية معبرة، عن شخص جلالة الملك، هي تدشينه لبيت الصحافة بمدينة طنجة، حيث كان جلالته حريصا على إعطاء انطلاقة هذه المعلمة، بنفسه، التقى فيها بالصحافيات والصحافيين، وتجول في مرافق المجلس، وطرح أسئلة وملاحظات، في أجواء من الانشراح والطيبوبة، والإهتمام البالغ بمستقبل بيت الصحافة وأدواره. وقد أكدت هذه المناسبة الرائعة، مرة أخرى، العطف الذي يوليه جلالة الملك للمشتغلين في القطاع، ومنظوره الراقي للطريقة التي ينبغي أن يدار ويسير بها.

 

 * عضو المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية
رئيس المجلس الوطني للصحافة
رئيس النقابة الوطنية للصحافة المغربية سابقا
رئيس الفدرالية الدولية للصحافيين سابقا


الكاتب : الاتحاد الاشتراكي

  

بتاريخ : 29/07/2024