‬لحسن نرايس ..‮ ‬للصداقة والإبداع: ‬بيان‮ ‬شديد‮ .. ‬البهجة‮!‬ (*)

 

حسناً يا حسنُ، فعلَ السادة والأصدقاء في مقاطعة الحي المحمدي بأن جعلوك نورسه، فلا صنو للإنسان الحر مثلك غير النورس، وحسنا وصفوك بابنه البار، وأشهد أنك لَعَلى بِرٍّ عظيم !
فكل العالم عند حسن نرايس، مجرد ضاحية من ضواحي الحي المحمدي… وما باريس سوى ريشة في حنين النورس إلى مداه!
ينازعني‮ ‬فيك الشاعرُ‮ ‬فيَّ،‮ ‬فيوحي‮ ‬إليَّ‮ ‬ بأن أبدأ كالتالي‮:‬
كان العمر سيكون طقسا باردا‮‬،‮ ‬لو أنني‮ ‬لم أتعرف عليك،‮ ‬وأنت تسرق الدهشة‮‬،‮ ‬كجِدك الأمازيغي‮ ‬الأول من مدينة الإضاءات،‮ ‬وتحيلُ‮ ‬الكلماتِ‮ ‬إلى مخزون‮ ‬احتياطي‮ ‬واسع من النور‮.‬.. والصداقةَ‮ ‬الى فصلٍ‮ ‬كامل في‮ ‬الغبطة‮!‬
ويصر الشاعر فيَّ‮ ‬أن‮ ‬أعود معك إلى الينابيع الأولى‮‬،‮ ‬بين أحضان الحي‮ ‬المحمدي، كما سمعته منك وأنت تضع مِلْكِيته في‮ ‬القلب،‮ ‬ويَحُثني،‮ ‬كي‮ ‬أعود هذا المساء‮ ‬،‮ ‬معك إلى اسمائه التي‮ ‬تتلألأ الآن في‮ ‬ذاكرتك… ‬وأراهن أنك كنت ستقول في‮ ‬استكمال الجملة‮: ‬أسماؤه التي‮ ‬تتلألأ الآن في‮ ‬ذاكرتي‮ ‬كما الوشم في‮ ‬ظاهر اليد،‮ ‬كما هو الحال مع صعلوكك الأول طرفة بن العبد‮‬،‮ ‬الذي‮ ‬طُفْتَ به‮ ‬باريس في‮ ‬ليالي‮ ‬المعرفة الفاخرة‮..! ‬
هكذا أبحث في‮ ‬جغرافيا الحي‮ ‬داخلك عن بُرْقَة تَهْمِد‮. ‬وأصنع لنا صداقةً قدَرِيَّة في‮ ‬الشعر والمكان المفضل لديك‮..‬
ينازعني‮ ‬فيك الصحفي‮ ‬فيَّ،‮ ‬ذاك الذي‮ ‬قادنا إلى المسرات معا،‮ ‬وأقول هذا الحي‮ ‬الْتمعَ باسمك، يستيقظ في‮ «‬ماكيت‮»‬، كما‮ ‬يقول رفاقنا في‮ ‬المهنة،‮ ‬صنعتها في‮ ‬الأعماق‮..‬ ساحرة وسحرية.
ليستْ لدَيَّ‮ ‬عادةٌ بسيطة في‮ ‬تعريفك،‮ ‬حيث أسرد فيه سيرة‮ ‬غنية،‮ ‬بتواريخ مضيئة ومساهمات تفيض عن الصفحات والكتب وحياة شاسعة في‮ ‬الفن والأدب والصحافة والمواقف الانسانية وبراءة اختراع النكت الطازجة، لا‮ ‬يضاهيك فيه إلا القلة القليلة‮ وأكتفي بذلك.. فلا بد أن أضيف: ‬فإما أن تكون الرحالة الذي‮ ‬يجوب بنا‮ ‬الأنواع والفضاءات أو تكون الساهر على السمو والذروة في‮ ‬الطراوة‮. ‬
أتساءل دوما بعد كلِّ سهَرٍ روحي‮: ‬كيف استطاع هذا الولد أن‮ ‬يعيش‮. ‬بعيدا عن الحي‮ ‬وهو‮ ‬يحبه كل هذا الحب‮.. ‬أو أسأل مجددا أيكما الحي‮: ‬انت أم هو؟…
هنا في‮ ‬الحي‮ ‬صَهَر الولد حسنُ المعادنَ كلَّها‮: ‬معادن أمازيغية وأخرى‮ ‬أوروبية وثالثة عربية جاهلية ورابعة من أنواء اللغات والحكايات‮.. ‬ليخلق عالمه وفرادته الانسانية‮..‬
تُصِرُّ اللغة،‮ ‬في‮ ‬منتصف الحديث على ما‮ ‬يلي‮: ‬حسن نرايس صديقي‮ ‬الكبير،‮ ‬لم‮ ‬يحدث لي‮ ‬معه أي‮ ‬سوء فهم،‮ ‬وهو من القلة القليلة‮…. ‬ذلك أنه‮ ‬يعفينا دوما من مجاهل اللاشعور والممرات السيئة للمُحاباة،‮ ‬بصراحته التي‮ ‬تشرق في‮ ‬القلب قبل العقل‮.‬
‮ ‬حسن واضح بالرغم من‮‬.. ‬أو بسبب من تلك الطيبوبة التي‮ ‬عتَّقها طوال ورطة العيش‮: ‬منذ عتبة بيتهم الأول،‮ ‬الى أدراج السوربون‮..‬
أعترف بأنه كصحافي‮ ‬باريزي‮ ‬يراسل «الاتحاد الاشتراكي»،‮ ‬كان محط استلهامات،‮ ‬ومحل انتظار: في‮ ‬محاورة الأسماء المستعصية على الصحافة،‮ ‬وترويض العاصمة العصية على أذواقنا المحلية‮ ‬واستدراج البعيد إلى جوارنا المهني‮.. ‬فكم روَّض من اسم مُنفلِتٍ ويافع في‮ ‬التفرد‮: ‬ولي أن أقول إن الفقيد خير الدين‮ ‬والطاهر بنجلون‮ و‬إِدْغار موران ليسوا الوحيدين في‮ ‬ورشته المهنية‮.. بهم ومعهم كانت باريز تصل خفيفة،‮ ‬وندية في‮ ‬مراسلاته،‮ ‬وطافحة بالتشويق‮..‬
حسن نرايس‮ ‬يجعل أصدقاءه‮ وأنا منهم ‬يعتزون به‮: ‬تكوين أكاديمي‮ ‬قوي،‮ ‬وهواية فنية صارت طبيعته الثانية،‮ ‬هناك قبل هنا‮..‬ ‬وفي‮ ‬كل جغرافيا فنية إبداعية ثقافية لحسن‮ «‬ماكيت‮» ‬جاهزة للسفر،‮ ‬أردت أن أقول سفينة جاهزة للتشييد‮..‬ يحمل فيها من كل لِسانٍ زوجان، ومن كل بلاغةٍ لُغتان، ‬يصنع حسن‮ بهما ‬الإمتاع والمؤانسة‮.‬
ويلعب بالكلمات،‮ ‬كما‮ ‬يحلو لأنانية الطفل العاشق للعبته أن‮ ‬يكبر بها وتكبر به‮..‬
‬وكتبه كلها، أكاد أجزم، تأسيسية لم يَطْمث مواضيعَها قبلَه صحافي ولا سيناريست: في‮ ‬السينما والمرأة، يراكم الكتابة كما لو أننا‮ ‬نتابع صناعة حَمْل على ‬الشاشة‮..‬
وفي‮ ‬الصحافة وفي‮ ‬الضحك‮ : ‬يصنع صورة العربي‮ ‬في‮ ‬اللسان الفرنسي‮،‮ ‬وفي‮ ‬المتعة الساخرة عند الآخرين‮. وبذلك ‬ يصنع المراجع، هو الذي‮ ‬يعرف مكانتها العلمية، كما ‬في‮ «‬محطات باريسية‮» ‬في‮ «‬السينما بعيون أدباء مغاربة‮»‬يصير مرجعا بلا منازع!
‮ ‬وهو‮ ‬لايكتفي‮ ‬بذلك،‮ ‬إذ صار جزءا من التاريخ الحي‮ ‬للسينما والمسرح والتلفزيون‮….‬
عندما‮ ‬يكتب حسن عن السخرية والصورة‮‬،‮ ‬فأنت لا تعرف متى‮ ‬يختفي‮ ‬الجاحظ ليحل بِرْغسون محله، ولا متى‮ ‬يدخل أبو دولامة على الخط،‮ ‬متسللا بين بيدوص bedos وكولوش‮ ‬أو بين الفكاهيين الفرنسيين‮ ‬الآخرين‮..‬
‮ ‬ومن قوة تميزه،‮ ‬أنه‮ ‬يرفع الضحك البلَدي،‮ ‬الى«بوديوم» الخلود العالم،‮ ‬بنفس الشغف والدقة والاننراح‮:‬ فيصبح «كيرة» واعْزيزي‮ ‬ سعيد الصديقي،‮ ‬جارين خالدين إلى من سبقوهما في‮ ‬تحويل اللغة إلى مفارقة ضاحكة‮..‬
ولعلي‮ ‬سأستعير نباهة الآخرين ممن سبقوني‮ ‬في الانتباه إلى‮ ‬التكريم الذي‮ ‬خصه به الطيب الصديقي‮ ‬في‮ ‬«بْساطه» الدولية‬، عندما جعله شيخا في الحكي: حدثنا شيخنا حسن نرايس..‮ ‬
ولست هنا لأتفرد بحسن نرايس،‮ ‬حقا بل لعلي‮ ‬أشارك كِسرته مع الكثيرين ممن عرفوه‮ ‬وقدروه حق قدره جيدا‮….‬
فَمَنْ منا لم‮ ‬يطمح مثلا أن يجودَ عليه مزاج‮ ‬الطيب الصديقي‮ ‬بعبارة خالدة مثل هاته؟
الحسن الذي‮ ‬وضع لروحه جناحين‮: ‬السينما والصحافة‮…‮ ‬يسكن أيضا الشعر والرواية و يبدع في المسرح‮..‬
ولهذا جاور الكثير من الخالدين‮ فأصدقاؤه يمتدون من شكري‮ ‬إلى‮ ‬زفزاف إلى الخوري‮ ‬إلى ‬خير الدين إلى نور الدين الصايل‮… ‬إلى محمد مفتاح ومحمد خيي‮ ‬ومحمد الشوبي‮ ‬ورفيق بوبكر، عبدالإله عاجل وفتاح النكادي وغير ذلك من الاسماء التي‮ ‬أسعفني‮ ‬في‮ بناء ‬صداقتها مشكورا وقلبُه دليلُنا في‮ ‬محبته‮…. ومحبتنا!.‬
وله الخالدون في‮ ‬الصحافة أيضا من محمد باهي‮ ‬إلى ‬محمد برادة صاحب جريدة لكل مواطن‮.. ‬إلى‮ ‬عبد الله الستوكي‮ ‬إلى سعد أمين أو أنيس الحجام‮ ‬وغيرهم وغيرهم كثيرون..
فقد ظل ‬ جدولُه جدولَ راح ومرح‮..‬
حسن: كنت أريدك شاعرا‮ ‬يا صديقي،‮ ‬لأنك تعرف بالفعل كيف تسوقُ سِرْبا صغيرا من القهقهات إلى إرواح الليل‮.‬
‮ ‬وكنت أريدك شاعرا تعرف كيف تُخرج الحنين من الصور القديمة وتصنع للأحلام أجنحة خفيفة وبيضاء لزيارة الأصدقاء‮..‬
كنت أريدك شاعرا حقا،‮ ‬لكنني‮ ‬أعرف أنك لن تشرك بالنثر مسارا آخر،‮ ‬وبالسينما أي‮ ‬بلاغة أخرى‮.. ‬وأعرف أنك تعطي‮ ‬للشعر مساحاته في‮ ‬السينما، وفي‮ ‬النقد وفي‮ ‬الصحافة وفي‮ ‬الحوار وفي‮ ‬الحياة،‮ ‬وهذا هو الأساسي‮..‬
آه لو أن‮ ‬محمد مزيان الفقيد الراحل،‮ ‬أنت الذي‮ ‬سميته القزم العملاق،‮ ‬يُخْرج‮ ‬يده من التابوت ليكتب الكلمة التي‮ ‬تخطر‮ ‬الآن على بال كل الحاضرين،‮ ‬ويكتب باسم كل الأصدقاء الرحَّل الذين‮ ‬يجوبون‮ ‬الآن سهوب السماوات العلى‮:‬
نحبك‮ ‬
وأحبك أنا بالتحديد‮!
ودييييما طاس!‬
(*) نص الشهادة التي ألقيت في حفل تكريم الإعلامي والناقد السينمائي حسن نرايس بالحي المحمدي


الكاتب :   عبد الحميد جماهري

  

بتاريخ : 14/06/2022