‮ ‬ماذا‭ ‬بقي‭ ‬من‭ ‬الربيع‭ ‬العربي‭ ‬بعد‭ ‬عشر‭ ‬سنوات‭ ‬على‭ ‬انطلاقه؟

‭ ‬قبل‭ ‬عشر‭ ‬سنوات،‭ ‬انطلقت‭ ‬ثورات‭ ‬شعبية‭ ‬لم‭ ‬يتوقع‭ ‬أحد‭ ‬حدوثها‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي،‭ ‬وأثارت‭ ‬أحلاما‭ ‬بالحرية،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تتدحرج‭ ‬كرة‭ ‬الثلج‭ ‬هذه‭ ‬في‭ ‬معظم‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬انتقلت‭ ‬اليها‭ ‬وتحطم‭ ‬آمالا‭ ‬كثيرة،‭ ‬لكن‭ ‬هذا‭ ‬الحدث‭ ‬التاريخي‭ ‬غير‭ ‬وجه‭ ‬المنطقة‭ ‬برمتها‭.‬
وشهد‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬انهيارا‭ ‬سريعا‭ ‬لأنظمة‭ ‬بدا‭ ‬أن‭ ‬الخلاص‭ ‬منها‭ ‬مستحيل،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يعلن‭ ‬تنظيم‭ ‬الدولة‭ ‬الإسلامية‭ ‬إقامة‭ “‬دولة‭ ‬الخلافة‭” ‬على‭ ‬أراض‭ ‬واسعة‭ ‬من‭ ‬سوريا‭ ‬والعراق،‭ ‬وما‭ ‬لبث‭ ‬أن‭ ‬أفل‭ ‬نجمه‭ ‬بعد‭ ‬سنوات‭ ‬أثار‭ ‬خلالها‭ ‬الرعب‭ ‬في‭ ‬العالم‭.‬
وأطلق‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الزلزال‭ ‬السياسي‭ ‬والجغرافي‭ ‬الذي‭ ‬هز‭ ‬المنطقة‭ ‬بدءا‭ ‬من‭ ‬2011‭ ‬اسم‭ “‬الربيع‭ ‬العربي‭”‬،‭ ‬وقد‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬نتائج‭ ‬متفاوتة،‭ ‬فالتظاهرات‭ ‬الشعبية‭ ‬الحاشدة‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬وليبيا‭ ‬ومصر‭ ‬واليمن‭ ‬وسوريا‭ ‬تبعتها‭ ‬إصلاحات‭ ‬مخيبة‭ ‬للآمال‭ ‬في‭ ‬أحسن‭ ‬الأحوال،‭ ‬أو‭ ‬ردود‭ ‬فعل‭ ‬قمعية‭ ‬من‭ ‬أنظمة‭ ‬دكتاتورية،‭ ‬ولكن‭ ‬أيضا‭ ‬نزاعات‭ ‬دامية‭.‬
ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬فإن‭ ‬روحية‭ ‬الثورة‭ ‬لم‭ ‬تمت‭ ‬بعد،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬تجلى‭ ‬بعد‭ ‬ثماني‭ ‬سنوات‭ ‬في‭ ‬اندلاع‭ ‬موجة‭ ‬ثانية‭ ‬من‭ ‬الانتفاضات‭ ‬الشعبية‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬السودان‭ ‬والجزائر‭ ‬والعراق‭ ‬ولبنان‭.‬
وتعتبر‭ ‬لينا‭ ‬منذر،‭ ‬وهي‭ ‬مؤلفة‭ ‬ومترجمة‭ ‬لبنانية‭ ‬لعائلتها‭ ‬جذور‭ ‬سورية‭ ‬ومصرية،‭ ‬أن‭ ‬شيئا‭ ‬ما‭ “‬في‭ ‬نسيج‭ ‬الواقع‭ ‬نفسه‭” ‬تغير‭ ‬منذ‭ ‬اندلاع‭ ‬الثورات،‭ ‬وتقول‭ “‬لا‭ ‬أعلم‭ ‬إن‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬أكثر‭ ‬إثارة‭ ‬للمشاعر‭ ‬أو‭ ‬نبلا‭ ‬من‭ ‬شعب‭ ‬يطالب‭ ‬بصوت‭ ‬واحد‭ ‬بحياة‭ ‬كريمة‭”.‬
وتضيف‭ “‬يثبت‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬أمرا‭ ‬مماثلا‭ ‬ممكن،‭ ‬وأنه‭ ‬يمكن‭ ‬للناس‭ ‬أن‭ ‬يثوروا‭ ‬ضد‭ ‬أسوأ‭ ‬الطغاة،‭ ‬وأن‭ ‬هناك‭ ‬ما‭ ‬يكفي‭ ‬من‭ ‬الشجاعة‭ ‬لدى‭ ‬الناس‭ ‬الذين‭ ‬يقفون‭ ‬ويعملون‭ ‬معا‭ ‬لمواجهة‭ ‬جيوش‭ ‬بأكملها‭”.‬
بدأت‭ ‬شرارة‭ “‬الربيع‭ ‬العربي‭” ‬بعود‭ ‬ثقاب‭ ‬أشعله‭ ‬البائع‭ ‬المتجول‭ ‬محمد‭ ‬البوعزيزي‭ ‬في‭ ‬جسده‭ ‬بعد‭ ‬صب‭ ‬الوقود‭ ‬على‭ ‬نفسه‭ ‬في‭ ‬ولاية‭ ‬سيدي‭ ‬بوزيد‭ ‬احتجاجا‭ ‬على‭ ‬احتجاز‭ ‬السلطات‭ ‬المحلية‭ ‬بضاعته‭ ‬في‭ ‬17‭ ‬ديسمبر‭ ‬2010‭.‬
وأثار‭ ‬ذلك‭ ‬غضبا‭ ‬واسعا‭ ‬غير‭ ‬مسبوق،‭ ‬ورغم‭ ‬أن‭ ‬أي‭ ‬كاميرا‭ ‬لم‭ ‬توثقه،‭ ‬لكن‭ ‬الخبر‭ ‬انتشر‭ ‬على‭ ‬نطاق‭ ‬واسع‭ ‬على‭ ‬مواقع‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭.‬
لدى‭ ‬وفاة‭ ‬البوعزيزي‭ ‬متأثرا‭ ‬بإصابته‭ ‬في‭ ‬الرابع‭ ‬من‭ ‬يناير،‭ ‬كانت‭ ‬حركة‭ ‬الاحتجاج‭ ‬ضد‭ ‬الرئيس‭ ‬زين‭ ‬العابدين‭ ‬بن‭ ‬علي‭ ‬الذي‭ ‬بقي‭ ‬في‭ ‬السلطة‭ ‬لمدة‭ ‬23‭ ‬عاما،‭ ‬قد‭ ‬عمت‭ ‬أنحاء‭ ‬البلاد،‭ ‬بعد‭ ‬عشرة‭ ‬أيام،‭ ‬أجبر‭ ‬بن‭ ‬علي‭ ‬على‭ ‬الفرار‭ ‬إلى‭ ‬المملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية‭.‬
في‭ ‬الشهر‭ ‬ذاته،‭ ‬اندلعت‭ ‬احتجاجات‭ ‬مطالبة‭ ‬بالحرية‭ ‬والديمقراطية‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬مصر‭ ‬وليبيا‭ ‬واليمن‭.‬
عندما‭ ‬امتد‭ ‬الغضب‭ ‬إلى‭ ‬شوارع‭ ‬القاهرة،‭ ‬المدينة‭ ‬الأكبر‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬وعمقها‭ ‬السياسي‭ ‬التاريخي،‭ ‬أطلق‭ ‬على‭ ‬عدوى‭ ‬التظاهرات‭ ‬اسم‭ “‬الربيع‭ ‬العربي‭”‬،‭ ‬وخرج‭ ‬مئات‭ ‬الآلاف‭ ‬إلى‭ ‬شوارع‭ ‬مصر‭ ‬للتعبير‭ ‬عن‭ ‬تطلعهم‭ ‬إلى‭ ‬الديمقراطية‭ ‬ومطالبتهم‭ ‬بتنحي‭ ‬حسني‭ ‬مبارك‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬رئيسا‭ ‬للبلاد‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬1981‭.‬
وجسدت‭ ‬الصور‭ ‬وأشرطة‭ ‬الفيديو‭ ‬التي‭ ‬انتشرت‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬والعالم‭ ‬والشعارات‭ ‬الممزوجة‭ ‬بالأمل‭ ‬والعزم‭ ‬والشجاعة،‭ ‬إرادة‭ ‬تبدو‭ ‬وكأنها‭ ‬تضع‭ ‬حدا‭ ‬لما‭ ‬اعتبر‭ ‬دائما‭ ‬قدرا‭ ‬محتوما‭ ‬للشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬وهو‭ ‬جمود‭ ‬الحياة‭ ‬السياسية،‭ ‬وظنت‭ ‬الشعوب‭ ‬أنها‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬شيء‭.‬
في‭ ‬ذلك‭ ‬الحين،‭ ‬كتبت‭ ‬الروائية‭ ‬المصرية‭ ‬أهداف‭ ‬سويف‭ ‬في‭ ‬صحيفة‭ “‬غارديان‭” ‬البريطانية‭ “‬أنظروا‭ ‬إلى‭ ‬شوارع‭ ‬مصر‭ ‬الليلة،‭ ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬يبدو‭ ‬عليه‭ ‬الأمل‭”.‬
وأطاحت‭ ‬الانتفاضات‭ ‬الشعبية‭ ‬بدكتاتوريات‭ ‬متجذرة‭ ‬حكمت‭ ‬لعقود‭ ‬بقبضة‭ ‬من‭ ‬حديد،‭ ‬وحركت‭ ‬الحناجر‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تصدح‭ ‬بهتاف‭ ‬مشترك‭ “‬الشعب‭ ‬يريد‭ ‬إسقاط‭ ‬النظام‭”‬،‭ ‬مشاعر‭ ‬الملايين‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم،‭ ‬واختصرت‭ ‬رغبة‭ ‬جيل‭ ‬كامل‭ ‬كان‭ ‬يجهل‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬قدراته،‭ ‬بالحرية‭ ‬والتحرر‭ ‬من‭ ‬الخوف‭.‬
ولد‭ ‬نموذج‭ ‬جديد‭ ‬للشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬مستند‭ ‬الى‭ ‬إدراك‭ ‬جماعي‭ ‬بأن‭ ‬الطغاة‭ ‬لم‭ ‬يعودوا‭ ‬في‭ ‬أفضل‭ ‬أحوالهم،‭ ‬وأن‭ ‬التغيير‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يحدث‭ ‬من‭ ‬الداخل،‭ ‬وليس‭ ‬فقط‭ ‬كنتيجة‭ ‬لتغير‭ ‬في‭ ‬الخارطة‭ ‬الجيوسياسية‭ ‬العالمية‭.‬
وتتذكر‭ ‬لينا‭ ‬منذر‭ ‬كيف‭ ‬أن‭ ‬الأيام‭ ‬الأولى‭ ‬للثورات‭ ‬الشعبية‭ ‬بددت‭ ‬الشعور‭ ‬بـ‭”‬الهزيمة‭ ‬العربية‭” ‬الذي‭ ‬تناقله‭ ‬جيلان‭ ‬بعد‭ ‬موت‭ ‬جمال‭ ‬عبد‭ ‬الناصر‭ ‬ومشروعه‭ ‬القومي‭ ‬العربي‭.‬
وتقول‭ ‬لوكالة‭ ‬فرانس‭ ‬برس‭ “‬كان‭ ‬ثمة‭ ‬انطباع‭ ‬أننا‭ ‬كعرب‭ ‬بشكل‭ ‬أو‭ ‬بآخر‭ ‬كسالى‭ ‬ومتعبون‭ ‬لكي‭ ‬نتمكن‭ ‬من‭ ‬الانتفاض‭ ‬ضد‭ ‬الاستبداد،‭ ‬وبأننا‭ ‬قبلنا‭ ‬حكم‭ ‬الطغاة‭ ‬لقصور‭ ‬فينا،‭ ‬أو‭ ‬لأننا‭ ‬جبلنا‭ ‬بطريقة‭ ‬لا‭ ‬تمكننا‭ ‬من‭ ‬التخلص‭ ‬من‭ ‬الخنوع‭ ‬للاستعمار‭ ‬والتدخل‭ ‬الغربي‭”.‬
وحدث‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬متوقعا‭ ‬في‭ ‬11‭ ‬فبراير‭ ‬2011،‭ ‬حين‭ ‬استقال‭ ‬حسني‭ ‬مبارك‭.‬
وتروي‭ ‬منذر‭ “‬ليلة‭ ‬سقوط‭ ‬مبارك،‭ ‬بكيت‭ ‬من‭ ‬الفرح،‭ ‬لم‭ ‬أصدق‭ ‬مدى‭ ‬شجاعة‭ ‬الشعب‭ ‬المصري‭ ‬وجماله،‭ ‬بدا‭ ‬ذلك‭ ‬وكأنه‭ ‬فجر‭ ‬عهد‭ ‬جديد‭”.‬
وتضيف‭ “‬ثم‭ ‬أتت‭ ‬سوريا‭. ‬كنت‭ ‬سعيدة‭ ‬لمصر‭ ‬ومتفاجئة‭ ‬بها،‭ ‬لكنني‭ ‬شعرت‭ ‬بالذهول‭ ‬والنشوة‭ ‬إزاء‭ ‬سوريا‭”.‬
قبل‭ ‬ستة‭ ‬أشهر‭ ‬من‭ ‬اغتياله‭ ‬في‭ ‬اسطنبول‭ ‬في‭ ‬أكتوبر‭ ‬2018،‭ ‬قال‭ ‬الكاتب‭ ‬والمعارض‭ ‬السعودي‭ ‬جمال‭ ‬خاشقجي‭ ‬إن‭ ‬الثورات‭ ‬العربية‭ ‬وضعت‭ ‬حدا‭ ‬بشكل‭ ‬قاطع‭ ‬للرأي‭ ‬السائد‭ ‬بأن‭ ‬العرب‭ ‬والديمقراطية‭ ‬لا‭ ‬يلتقيان‭.‬
وأضاف‭ ‬في‭ ‬مداخلة‭ ‬خلال‭ ‬مؤتمر‭ ‬شارك‭ ‬فيه‭ “‬انتهى‭ ‬الجدل‭ ‬حول‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬الإسلام‭ ‬والديمقراطية‭ ‬بشكل‭ ‬قاطع‭ ‬مع‭ ‬قدوم‭ ‬الربيع‭ ‬العربي‭”.‬
إلى‭ ‬جانب‭ ‬بن‭ ‬علي‭ ‬ومبارك،‭ ‬أطاح‭ ‬الربيع‭ ‬العربي‭ ‬بمعمر‭ ‬القذافي‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭ ‬وعلي‭ ‬عبد‭ ‬الله‭ ‬صالح‭ ‬في‭ ‬اليمن،‭ ‬وفي‭ ‬الموجة‭ ‬الثانية‭ ‬بعمر‭ ‬البشير‭ ‬في‭ ‬السودان‭ ‬العام‭ ‬الماضي،‭ ‬وبلغ‭ ‬مجموع‭ ‬حكم‭ ‬هؤلاء‭ ‬الخمسة‭ ‬146‭ ‬عاما،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬احتساب‭ ‬حكم‭ ‬صالح‭ ‬كرئيس‭ ‬لليمن‭ ‬الشمالي‭ ‬لمدة‭ ‬12‭ ‬عاما‭ ‬قبل‭ ‬توحيد‭ ‬البلاد‭ ‬عام‭ ‬1990‭.‬
لوهلة،‭ ‬بدا‭ ‬وكأنه‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬وقف‭ ‬انهيار‭ ‬الأنظمة‭ ‬الديكتاتورية‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬كما‭ ‬بدا‭ ‬قبل‭ ‬ذلك‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬المس‭ ‬بقادتها‭.‬
ولكن‭ ‬ثمار‭ “‬الربيع‭ ‬العربي‭” ‬المنتظرة‭ ‬لم‭ ‬تزهر‭ ‬كما‭ ‬توقعت‭ ‬الشعوب‭.‬
في‭ ‬2019‭ ‬،‭ ‬عنون‭ ‬الكاتب‭ ‬الأمريكي‭ ‬نوا‭ ‬فيلدمان‭ ‬كتابا‭ ‬حول‭ ‬الموضوع‭ “‬الشتاء‭ ‬العربي‭”‬،‭ ‬وهو‭ ‬مصطلح‭ ‬ظهر‭ ‬هنا‭ ‬وهناك‭ ‬مع‭ ‬عسكرة‭ ‬الثورات‭ ‬وصعود‭ ‬التطرف‭ ‬الديني‭ ‬واندلاع‭ ‬الحروب‭ ‬والنزاعات‭.‬
على‭ ‬غلاف‭ ‬الكتاب‭ ‬الخلفي،‭ ‬كتب‭ ‬الأكاديمي‭ ‬البارز‭ ‬مايكل‭ ‬إغناتيف‭ ‬أن‭ ‬المؤلف‭ ‬يسلط‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ “‬أحد‭ ‬أهم‭ ‬الأحداث‭ ‬في‭ ‬عصرنا‭. ‬الفشل‭ ‬المأسوي‭ ‬للربيع‭ ‬العربي‭”.‬
فباستثناء‭ ‬تونس،‭ ‬لم‭ ‬تملأ‭ ‬أي‭ ‬إصلاحات‭ ‬ديموقراطية‭ ‬الفراغ‭ ‬الذي‭ ‬خلفه‭ ‬سقوط‭ ‬الأنظمة،‭ ‬وعلا‭ ‬صوت‭ ‬العنف‭.‬
في‭ ‬عام‭ ‬2012،‭ ‬انتخب‭ ‬المصريون‭ ‬الإسلامي‭ ‬محمد‭ ‬مرسي‭ ‬رئيسا،‭ ‬لكن‭ ‬أداءه‭ ‬وبرنامجه‭ ‬أثارا‭ ‬معارضة‭ ‬شرسة،‭ ‬فتجددت‭ ‬الاحتجاجات،‭ ‬ما‭ ‬مهد‭ ‬الطريق‭ ‬لانقلاب‭ ‬وزير‭ ‬الدفاع‭ ‬عبد‭ ‬الفتاح‭ ‬السيسي‭ ‬عليه‭ ‬عام‭ ‬2013،‭ ‬ولا‭ ‬يزال‭ ‬السيسي‭ ‬في‭ ‬السلطة،‭ ‬وينظر‭ ‬إلى‭ ‬حكمه‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬أكثر‭ ‬استبدادا‭ ‬من‭ ‬حكم‭ ‬مبارك،‭ ‬وباتت‭ ‬خيبة‭ ‬أمل‭ ‬من‭ ‬خرجوا‭ ‬الى‭ ‬الشوارع‭ ‬والساحات‭ ‬أكثر‭ ‬مرارة،‭ ‬وتحول‭ ‬الأمل‭ ‬الذي‭ ‬عبرت‭ ‬عنه‭ ‬أهداف‭ ‬سويف‭ ‬في‭ ‬فبراير‭ ‬2011‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬يشبه‭ ‬السراب‭ ‬اليوم‭.‬
وتقول‭ ‬لفرانس‭ ‬برس‭ “‬لم‭ ‬أتخيل‭ ‬أبدا‭ ‬أن‭ ‬ابن‭ ‬أختي‭ ‬علاء‭ ‬عبد‭ ‬الفتاح‭ ‬سيكون‭ ‬في‭ ‬السجن‭ ‬اليوم،‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬الفقر‭ ‬سيكون‭ ‬في‭ ‬أعلى‭ ‬مستوياته‭ ‬على‭ ‬الإطلاق‮…‬‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬مصر،‭ ‬لأول‭ ‬مرة‭ ‬في‭ ‬تاريخها،‭ ‬ستصبح‭ ‬أرضا‭ ‬يريد‭ ‬شبابها‭ ‬هجرها‭”.‬
في‭ ‬البحرين،‭ ‬الدولة‭ ‬الوحيدة‭ ‬في‭ ‬الخليج‭ ‬التي‭ ‬شهدت‭ ‬احتجاجات‭ ‬شعبية،‭ ‬تم‭ ‬قمع‭ ‬الانتفاضة‭ ‬بعنف‭ ‬بدعم‭ ‬من‭ ‬المملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية‭ ‬التي‭ ‬استبقت‭ ‬انتقال‭ ‬العدوى‭ ‬الى‭ ‬أرضها‭ ‬بتوزيع‭ ‬مساعدات‭ ‬نقدية‭ ‬ضخمة‭ ‬على‭ ‬سكانها‭.‬
في‭ ‬المغرب،‭ ‬تم‭ ‬احتواء‭ “‬حركة‭ ‬20‭ ‬فبراير‭” ‬2011،‭ ‬ولم‭ ‬تصل‭ ‬التظاهرات‭ ‬إلى‭ ‬الجزائر‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬2019‭.‬
في‭ ‬ليبيا،‭ ‬توزع‭ ‬الثوار‭ ‬بين‭ ‬ميليشيات‭ ‬لا‭ ‬تعد‭ ‬ولا‭ ‬تحصى،‭ ‬وتصارعوا‭ ‬ما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬تفتيت‭ ‬البلاد‭. ‬وتغذي‭ ‬النزاع‭ ‬الدامي‭ ‬تدخلات‭ ‬خارجية‭ ‬على‭ ‬نطاق‭ ‬واسع‮.‬‭ ‬وانزلق‭ ‬اليمن‭ ‬بدوره‭ ‬إلى‭ ‬حرب‭ ‬أهلية‭ ‬مع‭ ‬تأثيرات‭ ‬خارجية‭.‬
في‭ ‬سوريا،‭ ‬لم‭ ‬يأت‭ ‬دور‭ ‬بشار‭ ‬الأسد‭ ‬قط،‭ ‬فقد‭ ‬نجا‭ ‬من‭ ‬العاصفة‭ ‬وبات‭ “‬قطعة‭ ‬الدومينو‭” ‬الوحيدة‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تسقط‭. ‬فقد‭ ‬تحولت‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬في‭ ‬بلاده‭ ‬الى‭ ‬حرب‭ ‬مدمرة،‭ ‬بينما‭ ‬بقي‭ ‬الرئيس‭ ‬السوري‭ ‬ونظامه‭ ‬القمعي‭ ‬في‭ ‬مكانهما‭.‬
بعد‭ ‬أسابيع‭ ‬من‭ ‬خروج‭ ‬أولى‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬الشعبية‭ ‬في‭ ‬مارس‭ ‬2011‭ ‬في‭ ‬سوريا،‭ ‬كتب‭ ‬متظاهرون‭ ‬باللهجة‭ ‬المحكية‭ ‬على‭ ‬أحد‭ ‬جدران‭ ‬مدينة‭ ‬درعا‭ ‬في‭ ‬جنوب‭ ‬البلاد،‭ “‬إجاك‭ ‬الدور‭ ‬يا‭ ‬دكتور‭”.‬
لكن‭ ‬الفتيان‭ ‬الذي‭ ‬تجرأوا‭ ‬على‭ ‬خط‭ ‬هذه‭ ‬العبارة‭ ‬اعتقلوا‭ ‬وتعرضوا‭ ‬لأبشع‭ ‬أنواع‭ ‬التعذيب،‭ ‬ما‭ ‬أثار‭ ‬موجة‭ ‬احتجاجات‭ ‬غاضبة‭ ‬طالبت‭ ‬بالإفراج‭ ‬عنهم،‭ ‬وشكلت‭ ‬شرارة‭ ‬انتفاضة‭ ‬في‭ ‬أنحاء‭ ‬البلاد‭ ‬قمعت‭ ‬بقوة‭ ‬وتحولت‭ ‬إلى‭ ‬نزاع‭ ‬دام‭ ‬قتل‭ ‬فيه‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬380‭ ‬ألف‭ ‬شخص،‭ ‬وتشرد‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬نصف‭ ‬السكان‭.‬
في‭ ‬2018،‭ ‬قال‭ ‬معاوية،‭ ‬رسام‭ ‬الكاريكاتور‭ ‬ضد‭ ‬الأسد‭ ‬في‭ ‬درعا،‭ ‬لوكالة‭ ‬فرانس‭ ‬برس،‭ “‬أفتخر‭ ‬بما‭ ‬قمنا‭ ‬به‭ ‬آنذاك،‭ ‬لكنني‭ ‬لم‭ ‬أتوقع‭ ‬أننا‭ ‬سنصل‭ ‬إلى‭ ‬هنا،‭ ‬أن‭ ‬يدمرنا‭ ‬النظام‭ ‬بهذا‭ ‬الشكل‮…‬‭ ‬كنا‭ ‬نتوقع‭ ‬أن‭ ‬نطيح‭ ‬به‭”.‬
واستغل‭ ‬الجهاديون‭ ‬سلوك‭ ‬النزاع‭ ‬منحى‭ ‬طائفيا‭ ‬وقمعيا‭ ‬وعسكريا،‭ ‬ليستقروا‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬ودول‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭.‬
ويقول‭ ‬روبرت‭ ‬وورث‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ “‬الغضب‭ ‬لأجل‭ ‬النظام‭”‬،‭ “‬لم‭ ‬تحتج‭ ‬فلسفة‭ ‬اللاعنف‭ ‬في‭ ‬التظاهرات‭ ‬إلى‭ ‬وقت‭ ‬طويل‭ ‬لتختفي‭ ‬في‭ ‬ساحات‭ ‬القتال‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭ ‬وسوريا‭ ‬واليمن‭”.‬
ويضيف‭ ‬أن‭ “‬الجهاديين‭ ‬راقبوا‭ ‬انهيار‭ ‬الدولة‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬الثلاث‭”‬،‭ ‬وبلغ‭ ‬صعودهم‭ ‬أوجه‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬2014‭ ‬حين‭ ‬أعلن‭ ‬أبو‭ ‬بكر‭ ‬البغدادي‭ ‬الذي‭ ‬قتل‭ ‬في‭ ‬نوفمبر‭ ‬2019،‭ ‬قيام‭ “‬الخلافة‭ ‬الإسلامية‭” ‬في‭ ‬مناطق‭ ‬فاقت‭ ‬مساحة‭ ‬بريطانيا‭ ‬وامتدت‭ ‬بين‭ ‬العراق‭ ‬وسوريا‭.‬
وأثار‭ ‬تنظيم‭ ‬الدولة‭ ‬الإسلامية‭ ‬ذعر‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬خصوصا‭ ‬لناحية‭ ‬قدرته‭ ‬على‭ ‬تجنيد‭ ‬آلاف‭ ‬المقاتلين‭ ‬من‭ ‬أوروبا‭ ‬ومناطق‭ ‬أخرى،‭ ‬وأطفأ‭ ‬شعلة‭ ‬حماسة‭ ‬تلك‭ ‬الدول‭ ‬تجاه‭ ‬مطالب‭ ‬الديموقراطية‭ ‬في‭ ‬دول‭ “‬الربيع‭ ‬العربي‭”. ‬وانصب‭ ‬الاهتمام‭ ‬بعد‭ ‬2014‭ ‬على‭ ‬قتال‭ ‬التنظيم‭ ‬المتطرف،‭ ‬وغض‭ ‬الغرب‭ ‬الطرف‭ ‬عن‭ ‬ممارسات‭ ‬الأنظمة‭ ‬الاستبدادية‭ ‬التي‭ ‬قدمت‭ ‬نفسها‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬الحصن‭ ‬الأخير‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬الجهاديين‭.‬
لم‭ ‬يتوقع‭ ‬الغرب،‭ ‬وعلى‭ ‬رأسه‭ ‬إدارة‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬السابق‭ ‬باراك‭ ‬أوباما،‭ ‬اندلاع‭ ‬الثورات‭ ‬العربية،‭ ‬وسارع‭ ‬إلى‭ ‬إعلان‭ ‬دعمه‭ ‬للمتظاهرين‭ ‬الذين‭ ‬اجتاحوا‭ ‬الشوارع،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الدعم‭ ‬لم‭ ‬يتحول‭ ‬إلى‭ ‬تدخل‭ ‬مباشر‭ ‬لصالح‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬المنادية‭ ‬بالتغيير،‭ ‬وكان‭ ‬تدخله‭ ‬العسكري‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭ ‬مثيرا‭ ‬للجدل‭.‬
ويكتب‭ ‬نوا‭ ‬فيلدمان‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ “‬الشتاء‭ ‬العربي‭”‬،‭ “‬كان‭ ‬الهدف‭ ‬السياسي‭ ‬الأساسي‭ ‬للربيع‭ ‬العربي‭ ‬‮(…)‬‭ ‬إبراز‭ ‬أشخاص‭ ‬يتكلمون‭ ‬العربية،‭ ‬ويتصرفون‭ ‬‮(…)‬‭ ‬بشكل‭ ‬مستقل‭ ‬تماما‭ ‬في‭ ‬صناعة‭ ‬تاريخهم‭ ‬والتاريخ‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭”.‬
لكن‭ ‬بعد‭ ‬عقد‭ ‬على‭ ‬اندلاعها،‭ ‬ينظر‭ ‬بالأحرى‭ ‬إلى‭ ‬ثورات‭ ‬الربيع‭ ‬العربي‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬فشلت‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬مرادها،‭ ‬فقد‭ ‬د‭ ‬مرت‭ ‬سوريا،‭ ‬ووقعت‭ ‬فيها‭ ‬أسوأ‭ ‬كارثة‭ ‬نزوح‭ ‬إنسانية‭ ‬منذ‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية،‭ ‬في‭ ‬اليمن،‭ ‬يموت‭ ‬الأطفال‭ ‬من‭ ‬الجوع،‭ ‬وتحولت‭ ‬ليبيا‭ ‬الى‭ ‬دولة‭ ‬اللاقانون،‭ ‬وإلى‭ ‬ساحة‭ ‬لصراعات‭ ‬الميليشيات‭ ‬وداعميها‭ ‬الدوليين‭.‬
أما‭ ‬الأصوات‭ ‬المطالبة‭ ‬بالديموقراطية‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬فلم‭ ‬يبق‭ ‬لها‭ ‬أي‭ ‬صدى‭.‬

فماذا‭ ‬تبقى‭ ‬من‭ ‬ثورات‭
‬الربيع‭ ‬العربي؟

تعتبر‭ ‬أهداف‭ ‬سويف‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬المبكر‭ ‬تحديد‭ ‬إرث‭ ‬تلك‭ ‬الثورات‭ ‬التي‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬في‭ ‬طور‭ ‬التنفيذ،‭ ‬وتقول‭ “‬الظروف‭ ‬التي‭ ‬عاشت‭ ‬الشعوب‭ ‬في‭ ‬ظلها‭ ‬منذ‭ ‬منتصف‭ ‬السبعينيات،‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬الثورة‭. ‬كان‭ ‬أمرا‭ ‬حتميا‭ ‬ولا‭ ‬يزال‭ ‬كذلك‭”.‬
وترفض‭ ‬سويف،‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬ناشطين‭ ‬آخرين،‭ ‬ربط‭ ‬صعود‭ ‬الإسلام‭ ‬الراديكالي‭ ‬بالثورات،‭ ‬بل‭ ‬ترى‭ ‬فيه‭ “‬ثورات‭ ‬مضادة‭” ‬غذت‭ ‬كل‭ ‬أنواع‭ ‬الحرمان‭ ‬والفقر‭ ‬التي‭ ‬يقتات‭ ‬عليها‭ ‬الجهاديون‭.‬
كما‭ ‬ترفض‭ ‬مقولة‭ ‬إن‭ ‬مصر‭ ‬عادت‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬العام‭ ‬2011،‭ ‬بل‭ ‬تعتبر‭ ‬أن‭ ‬الناس‭ ‬اليوم‭ ‬باتوا‭ ‬أكثر‭ “‬وعيا‭ ‬ويقظة‭” ‬لما‭ ‬يدور‭ ‬حولهم‭.‬
وتوضح‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬اليوم‭ “‬ثورة‭ ‬اجتماعية‭ ‬أحرزت‭ ‬تقدما‭ ‬كبيرا‭ ‬في‭ ‬قضايا‭ ‬عدة،‭ ‬مثل‭ ‬حقوق‭ ‬المرأة‭ ‬وحقوق‭ ‬المثليين‭”‬،‭ ‬مشيرة‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬ذاته‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ “‬الطريق‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬طويلا‭ ‬أمامهم‭”.‬
بعد‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬اندلاع‭ ‬الموجة‭ ‬الأولى،‭ ‬خرجت‭ ‬العام‭ ‬الماضي‭ ‬تظاهرات‭ ‬حاشدة‭ ‬في‭ ‬السودان‭ ‬والجزائر‭ ‬والعراق‭ ‬ولبنان،‭ ‬رفعت‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬بعض‭ ‬الشعارات‭ ‬ذاتها‭ ‬التي‭ ‬ر‭ ‬فعت‭ ‬قبل‭ ‬عشر‭ ‬سنوات‭ ‬وبينها‭ “‬الشعب‭ ‬يريد‭ ‬إسقاط‭ ‬النظام‭”‬،‭ ‬ما‭ ‬أعاد‭ ‬إلى‭ ‬الذاكرة‭ ‬الثورات‭ ‬الأولى‭ ‬وأكد‭ ‬أن‭ ‬تأثيرها‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬قائما‭ ‬بين‭ ‬الشباب‭ ‬العربي‭.‬
ويقول‭ ‬الأستاذ‭ ‬في‭ ‬كلية‭ ‬الدراسات‭ ‬الشرقية‭ ‬والإفريقية‭ ‬التابعة‭ ‬لجامعة‭ ‬لندن‭ ‬أرشين‭ ‬أديب‭ ‬مقدم‭ ‬إن‭ ‬المطالب‭ ‬الرئيسية‭ ‬للتظاهرات‭ ‬ستعود‭ ‬وتخرج‭ ‬إلى‭ ‬العلن‭ “‬في‭ ‬أقرب‭ ‬فرصة‭ ‬وكأنها‭ ‬تسونامي‭ ‬سياسي‭”.‬
ويضيف‭ ‬صاحب‭ ‬كتاب‭ “‬الثورات‭ ‬العربية‭ ‬والثورة‭ ‬الإيرانية‮:‬‭ ‬القوة‭ ‬والمقاومة‭ ‬اليوم‭”‬،‭ “‬شعوب‭ ‬المنطقة‭ ‬وضعت‭ ‬معيارا‭ ‬جديدا‭ ‬للسياسة‭ ‬والحوكمة‭ ‬التي‭ ‬تطالب‭ ‬بها،‭ ‬ومنذ‭ ‬ذلك‭ ‬الحين،‭ ‬تقاس‭ ‬كل‭ ‬السياسات‭ ‬بحسب‭ ‬تلك‭ ‬المطالب‭”.‬
ويرى‭ ‬أن‭ “‬أي‭ ‬دولة‭ ‬لا‭ ‬تدرك‭ ‬هذه‭ ‬الحقيقة‭ ‬الجديدة‭ ‬يكون‭ ‬مصيرها‭ ‬الدخول‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭”.‬
ويظهر‭ ‬التاريخ‭ ‬أن‭ ‬الثورات‭ ‬تحتاج‭ ‬عادة‭ ‬إلى‭ ‬سنوات‭ ‬طويلة،‭ ‬غالبا‭ ‬ما‭ ‬تكون‭ ‬صعبة،‭ ‬لبلوغ‭ ‬نتائجها،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬السهل‭ ‬العودة‭ ‬عن‭ ‬التغييرات‭ ‬التي‭ ‬تطرأ‭ ‬على‭ ‬أشخاص‭ ‬شاركوا‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الثورات‭ ‬أو‭ ‬كانوا‭ ‬شهودا‭ ‬عليها‭.‬
وتقر‭ ‬لينا‭ ‬منذر‭ ‬أنه‭ ‬بغض‭ ‬النظر‭ ‬عما‭ ‬ينتظرها،‭ ‬فإن‭ ‬الطريقة‭ ‬التي‭ ‬تنظر‭ ‬بها‭ ‬الشعوب‭ ‬إلى‭ ‬قادتها‭ ‬أو‭ ‬إلى‭ ‬العالم‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬إلى‭ ‬نفسها،‭ ‬قد‭ ‬تغيرت‭ ‬إلى‭ ‬الأبد،
وتقول‭ “‬عشنا‭ ‬فترة‭ ‬طويلة‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬حاول‭ ‬أن‭ ‬يغرس‭ ‬فينا‭ ‬فكرة‭ ‬أن‭ ‬الفكر‭ ‬المجتمعي‭ ‬مشكوك‭ ‬بأمره،‭ ‬بل‭ ‬أن‭ ‬الفردية‭ ‬هي‭ ‬مرادف‭ ‬للحرية،‭ ‬لكن‭ ‬هذا‭ ‬ليس‭ ‬صحيحا‭ ‬،‭ ‬الكرامة‭ ‬هي‭ ‬مرادف‭ ‬الحرية‭”.‬
وتضيف‭ ‬منذر‭ “‬هذا‭ ‬ما‭ ‬علمنا‭ ‬إياه‭ ‬الربيع‭ ‬العربي،‭ ‬في‭ ‬أيامه‭ ‬الأولى‭ ‬المثالية‮.‬‭ ‬‮(…)‬‭ ‬ندفن‭ ‬الدرس‭ ‬أو‭ ‬نبني‭ ‬عليه،‭ ‬هو‭ ‬أمر‭ ‬يبقى‭ ‬أن‭ ‬ننظر‭ ‬فيه‮…‬‭ ‬لكن‭ ‬لا‭ ‬أتمنى‭ ‬بتاتا‭ ‬أن‭ ‬أعود‭ ‬إلى‭ ‬الأيام‭ ‬السابقة‭”.‬
خلال‭ ‬السنوات‭ ‬الماضية،‭ ‬كان‭ ‬دائما‭ ‬ينظر‭ ‬إلى‭ “‬ثورة‭ ‬الياسمين‭” ‬في‭ ‬تونس‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬الثورة‭ ‬التي‭ ‬يجب‭ ‬الاحتذاء‭ ‬بها‭.‬
فقد‭ ‬تم‭ ‬تفادي‭ ‬إراقة‭ ‬الدماء‭ ‬في‭ ‬تونس،‭ ‬وابتعد‭ ‬السياسيون‭ ‬كما‭ ‬المواطنون‭ ‬عن‭ ‬أي‭ ‬عمل‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬أن‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬تقسيم‭ ‬البلد‭. ‬حتى‭ ‬أن‭ ‬حزب‭ ‬النهضة‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬محسوبا‭ ‬على‭ ‬جماعة‭ ‬الإخوان‭ ‬المسلمين،‭ ‬اختار‭ ‬الانتقال‭ ‬السلس‭ ‬لصالح‭ ‬التوافقية‭ ‬في‭ ‬الحكم‭.‬
ويعتبر‭ ‬نوا‭ ‬فريدمان‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ “‬بالمقارنة‭ ‬مع‭ ‬الفشل‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬والكارثة‭ ‬في‭ ‬سوريا،‭ ‬تبدو‭ ‬تونس‭ ‬وكأنها‭ ‬العلامة‭ ‬الفارقة‭ ‬في‭ ‬الظاهرة‭ ‬الإقليمية‭”.‬
ورغم‭ ‬أن‭ ‬الدولة‭ ‬الصغيرة‭ ‬في‭ ‬شمال‭ ‬إفريقيا‭ ‬بقيت‭ ‬أفضل‭ ‬حالا‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الأخرى،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬مكاسب‭ ‬ثورة‭ ‬2010‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬غير‭ ‬ظاهرة‭.‬
في‭ ‬مدينة‭ ‬سيدي‭ ‬بوزيد‭ ‬في‭ ‬وسط‭ ‬البلاد‭ ‬حيث‭ ‬كانت‭ ‬الشرارة‭ ‬الأولى‭ ‬التي‭ ‬أطلقت‭ ‬التظاهرات،‭ ‬يقول‭ ‬أشرف‭ ‬عجمي‭ (‬21عاما‭ ) ‬إن‭ “‬شعار‭ ‬الثورة‭ ‬كان‭ ‬‮+‬عمل،‭ ‬حرية‭ ‬وكرامة‭ ‬وطنية‮+‬،‭ ‬لكننا‭ ‬لم‭ ‬نر‭ ‬أيا‭ ‬منها‭”.‬


الكاتب : وكالات

  

بتاريخ : 26/11/2020