من المنطقة الحدودية الشرقية الكاتب الأول إدريس لشكر: حان الوقت لمراجعة رهان فتح الحدود من أجل تنمية المنطقة الشرقية والتوجه نحو النسيج الداخلي

«بداية أتجه بالشكر لكل الذين أتوا من مختلف أحزابنا الوطنية ليعيشوا معنا هاته المحطة ولتأكيد دعمهم ومساندتهم لحزب عمل إلى جانبهم كأحزاب وطنية، فتحية لهم جميعا على حضورهم لمهرجاننا ومؤتمرنا هذا، تحياتي كذلك لكل المؤتمرات والمؤتمرين وتحية كذلك للجنة التحضيرية.
أتيحت لي الفرصة للاطلاع على نتائج اللجنة التحضيرية ومشروع الوثيقة التي أعددتم، والتي توزعونها حول الإقليم وحول الجهة، ويمكنني القول، بكل مسؤولية، إنني رأيت تلك الوثيقة تمشي على الأرض، ورأيت معاناة المنطقة الشرقية وأنا في طريقي إلى وجدة، فمنذ أن خرجنا من الرباط إلى حدود فاس، ونحن نحس بدينامية اقتصادية ودينامية اجتماعية، لكن مباشرة بعد ذلك أصبحت تظهر صحارى قاحلة، فتساءلت أين غابت التنمية عن هذه المنطقة العزيزة علينا جميعا؟
وفي جولة على شاطئ السعيدية رأيت الأسلاك الشائكة بيننا وبين جيراننا، وشعرت بألم كبير، وتساءلت هل قدرنا في هاتين الدولتين الجارتين أن نولي الظهر لبعضنا البعض ؟ وإذا كان هناك من يعاني من هذا الوضع – نقولها بكل مسؤولية – فهي المناطق الحدودية سواء من جهتنا أو من جهتهم، وهذا هو السياق الذي قرأت من خلاله ما خلصت إليه اللجنة التحضيرية. فنحن كمغاربة دفعنا الثمن غاليا لاقتناعنا بالشعار الذي رفعه الإخوة بأن وجدة عاصمة مغاربية وأن التنمية يجب أن تكون تنمية للمناطق الحدودية، وبالتالي كل الاستراتيجيات وكل المخططات وكل البنيات الأساسية التي أقيمت كانت على هذا الأساس، وعليه فإن أي قرار أهوج للقيادة الجزائرية بإغلاق الحدود يدفع ثمنه الذي استثمر وأنجز البنيات على أساس أننا نعمل من أجل مستقبل مشترك .
أعتقد أننا راهنا أكثر من جيراننا على الوحدة المغاربية، وكنا صادقين ومخلصين، وتربينا كأطفال وكشباب على الوحدة المغاربية، تربينا على أننا إخوة وكان وفاؤنا لهذه التربية، هذا الوفاء لهذه التربية لم يكن من عدم بل من قادة حركتنا الوطنية، قادتنا السياسيين والنقابيين، من المقاومين من رجالات حركة التحرير الوطنية الذين ربونا على هذه القيم، قيم الوحدة والوفاء للجار وأعطونا دروسا عبر التاريخ.
الاحتلال العثماني توقف هنا في وجدة، أوقفه أبناء الشرق، لما استعمرت الجزائر لمدة قرن كان المغاربة الدرع المساند والداعم لكل الثوار الجزائريين، ونتذكر أنه عندما انطلقت الثورة المسلحة في الجزائر من أجل التحرير كان أكبر داعم لها وأكبر مساند لها هم «وجادة»، وجادة تصاهروا معهم وشاركوا معهم الأبناء وفتحوا لهم بيوتهم، ووجادة فعلوا الشيء الكثير مع الجزائر كما كل إخوانهم في الشرق .
وكل الملوك المغاربة حرصوا على أن يؤكدوا لجيراننا ذلك الدعم، وأن يؤكدوا لهم حسن نيتنا، وأن يؤكدوا لهم مساندتنا، وجلالة الملك محمد السادس في كل خطبه كان مصرا على أن يؤكد لجيراننا الجزائريين اليد الممدودة، وكان مصرا رغم المؤامرات ورغم الدسائس التي يقومون بها، على التأكيد أن برامجنا التنموية وكل مخططاتنا تستهدف التنمية المشتركة للمناطق الحدودية . أعتبر أنه حان الوقت للتداول في هذا الأمر، فما تقوم به الدولة ونلتزم به رسميا، دفعنا ثمنه نحن في الجانب المغربي .
آن الأوان أن نتوجه لحكومتنا لنراجع اختياراتنا، ونراجع مخططاتنا ونراجع برامج عملنا. لأن الرهان على تنمية المناطق الحدودية لا يمكن أن يتم إلا من خلال النسيج الداخلي.
وأنا قادم تساءلت: لماذا لم أر مبادلات بين المنطقة الشرقية وأقرب منطقة لها وهي جهة فاس مكناس، ولماذا نحس بأن هناك شبه قطيعة ؟ كان من الضروري أن نعي بأن المخطط الذي يمكن أن يقوي هذه المنطقة ويخلق فيها اقتصادا قويا هو الذي يقوي المطارات، وهو الذي يقوي الموانئ، وهو الذي يقيم البنيات التحتية. لقد رجعت للمخططات التنموية لهذه الجهة، ووجدت بأن المخطط التنموي 2023/2027 خصصت له 13 مليار درهم على الرغم من أن الوضعية صعبة وتتطلب مجهودا مضاعفا، ولا أفهم كيف أن هذه المنطقة الصامدة، «وصل فيها السكين للعظم»، لا تستفيد من المخططات التنموية الناجعة . هذه مناطق حباها الله بما يمكن أن يجعلها جديرة باستراتيجية سياحية كبرى: هناك مشروعان سياحيان، أحدهما في الناظور مارتشيكا والثاني في السعيدية، فما هو المآل؟ فهل تعلمون أن مشروع السعيدية لا يدفع مقابل الخدمات الجماعية (جمع النفايات، الماء، الكهرباء…) فما بالك أن يصبح رافعة اقتصادية ورافعة للتنمية. ونحن عندما نتحدث في قضايا البلاد نتحدث فيها بكل وضوح من أي موقع كنا : فالذي في الأغلبية يقوم بدوره، والذي في المعارضة يجب أن يفتح له المجال ليقوم بدوره في التوضيح والاقتراح .
إخواني أخواتي، إن الأرقام تجعلني أسائل هذه الحكومة : هل هذه الوضعية تقبل أن تظل رئاسة مجلس الجهة فارغة كل هذه المدة الزمنية، وقد اقترب الأجل القانوني من نهايته؟ لا يمكن، والوضعية تستدعي الاستعجال في هيكلة هذه الجهة وملء الفراغ الموجود لنبدأ في الاشتغال للمستقبل، في إطار النقاش السياسي والحوار السياسي . حين تحدثنا عن التغول فهذا لا يعني أننا نطلق الكلام على عواهنه، نحن واعون أنه يستحيل أن نقول عن بلادنا بأن كل شيء فيها أسود، أبدا، فما راكمناه وما حققناه يقوي المناعة الذاتية والإيجابيات الموجودة . لا نريد في خطابنا الاتحادي أن نكون مختلفين حول استراتيجيات الدولة، نحن مع استراتيجية الحماية الاجتماعية، ونحن مع الدعم المباشر، ونحن مع مخططات التغطية الصحية العامة . فهذه مطالبنا . ومن المفارقة أنه إذا أحضرت شخصا أجنبيا سيقول «لماذا صوتم يمينا والشعارات التي ترفعها هذه الحكومة كلها شعارات يسارية؟» لماذا؟ فهل أصواتكم ذهبت سدى ؟ عندما نرى صناديق الاقتراع ولمن تم التصويت ؟ فأحزاب الأغلبية رفعت كلها أو أغلبها شعارات تدعو إلى أن التعليم والصحة ليسا أولوية ولا يجب أن يكون من الكلفة العامة… فكيف تم هذا التصويت الكبير للشعب المغربي ليمين أفرز شعارات يسارية جعلت حتى رئيس الحكومة يتوجه لنا في مجلس النواب وهو يناقش الحصيلة ويقول لنا : ما بكم تعارضون برنامجكم أيها الاشتراكيون الديموقراطيون؟ والجواب : نحن لا نعارض الاستراتيجيات بل نعارض التنفيذ والطريقة التي تدبر بها الأمور والتي تسبب للبلاد مزيدا من الهدر الزمني . إن الدين النصيحة، ولهذا ننصح الحكومة كي لا ترفع الهدر الزمني لأننا متأكدون أن هذه البرامج إذا خلصت النيات واشتغلنا بالمعقول لاشك ستجعل من بلادنا نموذجا لا مثيل له.
أخواتي إخواني، كما قلت لكم، هناك تفاوت بين الجهات في ما يخص المجهود المالي المبذول يجعل جهة الشرق في أسفل الترتيب، الشيء الذي يؤثر سلبا على الأنشطة الاقتصادية، فقطاع صيد الأسماك ليس فيه تطوير ولا تنمية بل هناك تراجع، وها أنتم ترون بأن أغلب مراكب الصيد بهذه المنطقة تحولت جنوبا حيث إمكانيات الاشتغال أكثر في المحيط الأطلسي.
أما في التجارة فوجدة ومحيطها كانا من الأوائل في المغرب من حيث الدينامية التي يعرفها هذا القطاع، صحيح كان هناك تهريب معيشي، وهناك التجارة غير المهيكلة، ولكن هذا كله يدفع إلى التساؤل، لقد تجولت في الأزقة وآلمني أنه ليس هناك متجر ولا مقهى ولا نشاط خدماتي يخلق أملا في النفس ويخلق آفاقا في أنه سيكون لهذه الأقاليم الشرقية مكسب.
وفي السعيدية أيضا تساءلت: لماذا مدن الشمال تعرف نشاطا مهما وكيف أن المنازل مغلقة بدون بيعها ؟ فهل تعرفون بأن العقارات مازالت تنتظر التراخيص وأحيانا الجماعات لا تيسر هذا الأمر، وأن العقود تتم وتنتظر لسنين، ونحن لا نفهم لماذا يتم وضع العراقيل في وجه الاستثمار. هذا استثمار كبير من «فاديسا» وفيه رأسمال وطني ويضم المؤسسات العمومية الوطنية، فإلى متى سيكلف الخزينة في الوقت الذي يمكن أن يمثل قاعدة حقيقية للتنمية الاقتصادية في هذه المنطقة؟ ونفس الشيء بالنسبة لمارتشيكا بالناظور، فالمجلس الإداري لم يجتمع منذ مدة، فأين ذهبت كل تلك الاستثمارات ؟ وفي النشاط السياحي الحقيقي في هذه المناطق، لو وفرنا النقل بكل أشكاله؛ القطارات، الطائرات، الموانئ، لوفرنا لباقي ساكنة المغرب فرصة للتنمية السياحية، وأمام هذه الأوضاع أليس من حقنا على الحكومة أن يترأس رئيسها اجتماعا خاصا بالجهة، واستدعاء تنسيق قطاعي وزاري بين مجموعة من القطاعات على رأسها التجهيز والنقل، رأينا ميزانية الطرقات، فخارج «الرومبوانات» وتزيينها، لا يوجد في ميزانية 13 مليار درهم أي مجهود من أجل التطوير، نفس الشيء بالنسبة للسياحة !؟ يجب الوقوف على المشاريع المتوقفة، ونفس الشيء ينطبق على التجارة، فإلى متى سنجعل الناس في انتظار الذي يأتي ولا يأتي؟
لذلك ندعو الحكومة إلى التفكير في المخططات التنموية التي يجب أن تستفيد منها باقي جهات المملكة، وأن تكون معها علاقة وتنسيق وتجارة، وكذا تقوية التعاون معها والانفتاح عليها في العلم وفي المعرفة وفي الثقافة وفي الموسيقى، فلا يمكن أن يكون هناك نشاط سياحي في غياب الترفيه، وفي غياب النشاط الثقافي، وفي غياب الموسيقى، وفي غياب الحرية، وفي غياب الانفتاح!
فلسطين
أخواتي، إخواني
السياقات الدولية، التي نعيشها اليوم، لاشك أن على رأسها ما يؤلمنا صبحا وعشية، ونحن نتابع أخبار ما يجري في فلسطين، وكل المآسي وكل المعاناة التي نشعر بها ونحن نرى إخواننا الفلسطينيين الذين يعانون حقيقة من تقتيل أطفالهم ونسائهم ومن هدم لبيوتهم، وبالرغم من حجم الدمار والإبادة فإن الوضعية اليوم بالنسبة للقضية الفلسطينية أحسن من وضعيتها قبل سنوات سابقة، ففي كل المؤتمرات الدولية والقارية، أصبحت قضايا جزئية بسيطة في إيران أو تركيا أو أوكرانيا ذات أولوية، ولم نعد نجد القضية الفلسطينية في جدول أعمال المنظمات القارية والدولية، غير أن ما حدث في 7 أكتوبر زادنا صعوبة، حيث وجدنا رأيا عاما دوليا كله ضدنا وداعم لإسرائيل، سياسيا وعسكريا، ولربما زاد من غطرسة اليمين الفاشستي وعلى رأسه نتنياهو، والذي خيل إليه بأنه حان الوقت لضرب غزة والهجوم على الضفة الغربية والاعتقالات، ووسط دعم عالمي كبير، ورأيتم حتى أصدقاءنا الفرنسيين، الثورة الفرنسية، ودعاة الحرية والأنوار، والذين كانوا يحملون معنا نفس القيم، رأيناهم في القنوات الفرنسية كيف كانوا مساندين لإسرائيل وداعمين لها.
واليوم، يمكن القول إن هوس نتنياهو بتغيير خريطة المنطقة وإنهاء هذه القضية من أصلها خلق أوضاعا جديدة. أولا على مستوى الرأي العام الدولي أصبحنا نرى كيف أن القضية الفلسطينية دخلت وجدان الشباب والطلبة والفاعلين والقوى المحبة للسلام في أرجاء المعمور، رأينا جيراننا كبيدرو سانشيز في إسبانيا وآخرين ودعمهم الواضح للقضية، رأينا داخل الأممية الاشتراكية أن إمكانية الحل موجودة عندما يتوصل الطرفان إلى أنه لا حل إلا بدولتين، وإيقاف إطلاق النار فورا. هذه التحولات في الرأي العام الدولي جعلتنا نبحث في الرأي العام الداخلي ونرى اليوم نتنياهو في عزلة حقيقية داخل إسرائيل، وحتى الذين قتل أبناؤهم في 7 أكتوبر عندما يروا المآل وأين وصل مسلسل الحقد والكراهية يطالبون، اليوم، كقوى محبة للسلام، بانتخابات جديدة، وبتغيير الوضعية، لأنه يجب أن يكون هناك فاعل آخر يلعب دوره في ما يتعلق بمخطط السلام.
لذلك نعتقد أنه على القادة العرب وعلى القيادة الفلسطينية عدم اختزال الأمر في غزة وفي مطلب العودة إلى ما قبل 7 أكتوبر، لأن هذا يضرب القضية الفلسطينية في الصميم، فالعودة إلى ما قبل 7 أكتوبر لا تحل المشكلة، المشكلة هي مشكلة الشعب الفلسطيني وحقه في إقامة دولته المستقلة في حدود 67، ولذلك يجب أن نشتغل سواء كدولة أو كحكومة أو كأحزاب ونقابات على هذا الهدف .
ونحن في الاتحاد الاشتراكي مرتاحون للتوجهات الرسمية في هذا الإطار، بقي أمر واحد، وهم اليهود المغاربة في إسرائيل، هم مليون ناخب تقريبا، وهذه كتلة ناخبة حقيقية، لكن يذهب تصويتها ، مع كامل الأسف، إلى اليمين الفاشستي. لابد من الاشتغال على هذه الفئة بتذكيرهم بمواقف المغرب أيام محمد الخامس، وكيف حماهم عندما طلبتهم النازية، وبتذكيرهم بمواقف الحسن الثاني وكيف دافع عنهم ضد أي ظلم أو عداء، وبتذكيرهم كذلك بمواقف محمد السادس، وكيف كنا الدعم الوحيد الذي مر عبر البر، أما العالم كله فكان يرمي المساعدات في البحر…
إذن، بتدبير الملفات بالعقل يمكن للإنسان أن يصل إلى أهدافه، ولذلك ندعو إلى خلق رأي عام داخل إسرائيل مساند للسلام، وقد زارني رئيس الكتلة العربية داخل الكنيست التي تضم 15 برلمانيا عربيا، يطالبون بالدولتين، ويدينون نتنياهو داخلها، ويحاربون ويقاومون داخل المؤسسات الإسرائيلية، وقد كانت لهم هذه الدعوة الموجهة إلى المغاربة : رجاء إن ملوك المغرب عندهم سمعة جيدة في أوساط اليهود المغاربة الذين ذهبوا إلى إسرائيل، رجاء أن تعينونا عليهم، وأن تشتغلوا من أجل أن يكونوا كتلة وقوة تعمل لأجل السلام ومحبة للسلام، لأنه إذا تحرك الرأي العام الداخلي في إسرائيل، لاشك سنفرض إنهاء هذا الحكم الفاشستي، ويمكن أن نجد القيادة التي يمكن أن تحاور غدا من أجل سلام عادل قائم على حل الدولتين.
وطنيا، أما بخصوص القضية الوطنية فالانتصارات تتحدث عن نفسها، والدعم الدولي للحكم الذاتي مستمر ومتزايد أمام استمرار وتزايد عزلة الجزائر.


بتاريخ : 03/06/2024