صدرت دعوات من داخل الحكومة الإسرائيلية لإخراج حزب الله من جنوب لبنان ودفعه إلى ما وراء نهر الليطاني، ولكن الاستراتيجية الإسرائيلية الحالية لا تزال غير واضحة. غير أن واشنطن عبرت عن تفضيل حل دبلوماسي يبقي حزب الله وترسانته الصاروخية بعيدا عن الحدود
نقلت صحيفة «هآرتس» عن جيش الاحتلال الإسرائيلي أن «الضربات المخطط لها في لبنان من المتوقع أن تكون أكبر من ضربات الأحد وستستمر لفترة طويلة».
شنت طائرات الاحتلال الإسرائيلي، أمس الاثنين، عشرات الغارات على مناطق عديدة جنوب لبنان وشرقه، وسط تحذيرات أطلقها الاحتلال لسكان الجنوب للمرة الاولى منذ بدء المواجهات، مما أسفر عن 100 قتيل وأكثر من 400 جريح، في حصيلة غير مسبوقة في يوم واحد منذ بدء التصعيد بين حزب الله وإسرائيل قبل نحو عام.
وحددت وزارة الصحة اللبنانية، في بيان لها، «حصيلة غارات العدو الإسرائيلي المتمادية على البلدات والقرى الجنوبية منذ صباح الاثنين في»مئة شهيد وأكثر من أربعمئة جريح، ومن بين الشهداء والجرحى أطفال ونساء ومسعفون».
وأفادت وكالة الأنباء اللبنانية الرسمية بشن الطائرات الحربية الإسرائيلية، في تمام الساعة السادسة صباحا، أكثر من 80 غارة جوية خلال نصف ساعة، استهدفت المناطق والأودية الواقعة بين بلدتي أنصار والزرارية في محافظة النبطية جنوب البلاد.
ومن المناطق أيضا التي استهدفها القصف: أطراف بلدات وعبا – جبشيت، الشرقية – النميرية، أطراف كفرتبنيت – النبطية الفوقا، دير الزهراني – رومين – عزة، أطراف حومين الفوقا، أطراف النبطية الفوقا – حي الجامعات، محيط أوتوستراد كفررمان – الميدنة، أطراف يحمر الشقيف- أرنون، مرتفعات إقليم التفاح وجبل الريحان وأطراف بلدة سجد، محيط معبر كفرتبنيت سابقا.
وفي الوقت نفسه شن جيش الاحتلال عند السادسة والنصف صباحا، سلسلة غارات كثيفة استهدفت منطقة البقاع وطال القصف منطقة شمسطار وبوداي والنبي شيت ومحيط بعلبك، شرق البلاد. كما أنه شن غارات عدة على محيط منطقة زبود في البقاع الشمالي، وجرود الهرمل، وجبل صافي في البقاع الغربي (شرق لبنان)، وفق الوكالة.
ولأول مرة، أصدر جيش لاحتلال، دانيال هاغاري تحذيراً واسع النطاق للبنانيين في الجنوب، بالابتعاد ومغادرة مناطق زعم أن حزب الله يطلق منها صواريخ تجاه شمال فلسطين المحتلة. في المقابل قالت الوكالة الوطنية اللبنانية إن» مواطنين في بيروت وعدد من المناطق، تلقوا رسائل هاتفية تحذيرية عبر الشبكة الثابتة، مصدرها العدو الاسرائيلي، تطلب منهم إخلاء أماكن وجودهم سريعا».
إلى ذلك، دعا المرجع الشيعي الأعلى في العراق آية الله علي السيستاني الاثنين إلى «بذل كل جهد ممكن لوقف العدوان» على لبنان، وذلك مع تكثيف إسرائيل غاراتها الجوية التي تقول إنها تطال أهدافا لحزب الله في جنوب البلاد وشرقها.
وقال السيستاني في بيان على موقعه الإلكتروني «في هذه الأيام العصيبة التي يمر بها الشعب اللبناني الكريم حيث يتعرض بصورة متزايدة للعدوان الإسرائيلي الغاشم وبأساليب متوحشة (…) تعب ر المرجعية الدينية العليا عن تضامنها مع أعزتها اللبنانيين الكرام ومواساتها لهم في معاناتهم الكبيرة».
وطالب رجل الدين الذي يعتبره كذلك ملايين من الشيعة حول العالم أعلى مرجعية دينية لهم، «ببذل كل جهد ممكن لوقف هذا العدوان الهمجي المستمر وحماية الشعب اللبناني من آثاره المدمرة».
ودعا كذلك «المؤمنين إلى القيام بما يساهم في تخفيف معانات» اللبنانيين «وتأمين احتياجاتهم الإنسانية».
من جهته، ندد رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي بما وصفه بـ»المخطط التدميري» لاسرائيل على وقع غارات كثيفة تشنها الإثنين على جنوب البلاد وشرقها، تزامنا مع دعوتها السكان للابتعاد عن مواقع حزب الله.
وقال ميقاتي في كلمة على هامش جلسة للحكومة «العدوان الاسرائيلي المتمادي على لبنان حرب إبادة بكل ما للكلمة من معنى ومخطط تدميري يهدف الى تدمير القرى والبلدات»، مجددا دعوة «الأمم المتحدة ومجلس الأمن والدول الفاعلة الى… ردع العدوان» الإسرائيلي.
هجمات ما قبل الحرب؟
خلال الأسبوع الماضي، تصاعدت الحرب بين حزب لله و»إسرائيل» عقب تفجيرات لأجهزة اتصالات بأنحاء لبنان يومي الثلاثاء والأربعاء ما أوقع 37 شهيدا وأكثر من 3 آلاف و250 جريحا.
إلى جانب غارة جوية استهدفت الجمعة، الضاحية الجنوبية لبيروت خلفت أكثر من 50 شهيدا بينهم أطفال ونساء والقيادي البارز في حزب الله إبراهيم عقيل، و68 جريحا وفق إحصائية غير نهائية أعلنتها وزارة الصحة.
والأحد هدّدت «إسرائيل» وحزب الله بتصعيد هجماتهما عبر الحدود رغم الدعوات الدولية المتكررة لكلا الجانبين للتهدئة وتجنّب حرب شاملة.
وقال رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو: «وجّهنا في الأيام الأخيرة سلسلة ضربات لحزب الله لم يكن يتوقّعها أبدا».
من جهته، أكد نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم أن الحزب دخل في «مرحلة جديدة» من القتال مع «إسرائيل».
وقبيل انعقاد الجمعية العامة السنوية، حذّر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش من خطر تحوّل لبنان إلى «غزة أخرى»، وقال إنه «من الواضح أنّ الطرفين لا يبديان اهتماما بوقف لإطلاق النار» في غزة.
وقصف الجيش الإسرائيلي، أول أمس الأحد، 16 بلدة في جنوب لبنان، مما أدى إلى استشهاد شخصين وإصابة 3، حسب وزارة الصحة اللبنانية. فيما قصف «حزب الله»، في اليوم نفسه، مواقع عسكرية في شمال إسرائيل بعشرات الصواريخ، بينها صواريخ «فادي 1» و»فادي 2» التي استخدمها للمرة الأولى منذ 8 أكتوبر الماضي.
وكان لبنانيون قد تلقوا، يوم الخميس الماضي، رسائل تحذيرية إسرائيلية عبر هواتفهم المحمولة تطالبهم بإخلاء أماكن تواجدهم فورا، ضمن مؤشرات على احتمال شن هجمات أوسع ضمن المواجهة مع «حزب الله».
وقال وزير الإعلام اللبناني زياد مكاري إن عددا كبيرا من المواطنين في بيروت والمناطق تلقوا رسائل هاتفية عشوائية موحدة عبر الشبكة الأرضية، تدعو المجيب إلى إخلاء مكان وجوده.
وأضاف عبر منشور له في منصة «إكس»: «كان مكتبي أيضا في وزارة الإعلام أحد الذين تلقوا الرسالة».
واعتبر مكاري أن هذا نوع من الحرب النفسية وقال: «هذا الأسلوب ليس غريبا على العدو الإسرائيلي الذي يتوسّل كل السبل في حربه النفسية، وهو لا يقدم ولا يؤخر في شيء».
وأوضح مكاري أن العمل في وزارة الإعلام مستمر وطبيعي، «وجميع العاملين منصرفون إلى مهماتهم اليومية التي تفوق أي رسائل أهمية في هذا الظرف الدقيق».
مشاهد مرعبة من الهجوم
منذ بدء التصعيد على الحدود مع اسرائيل، اعتاد ايلي رميح سماع دوي القصف في بلدته في جنوب لبنان، لكنه يقول إنه عاش رعبا غير مسبوق ليل الخميس، عندما ضرب الجيش الإسرائيلي بشكل متزامن مئات الأهداف التابعة لحزب الله.
ويوضح رميح)45 عاما( وهو صاحب متجر ألبسة في بلدة مرجعيون، القريبة من الحدود مع اسرائيل، «كنا في المنزل وخلد الأطفال الى النوم. كان كل شيء عاديا الى أن بدأت الغارات ليلا»، مضيفا «أحصيت أكثر من خمسين غارة وكدت أن أفقد صوابي». ويضيف «كان المشهد مرعبا ولا يشبه ما عشناه منذ بدء التصعيد. أصوات لم نسمع لها مثيلا».
وأظهرت صور ومقاطع فيديو التقطها مراسلو فرانس برس في مناطق عدة في جنوب لبنان ليل الخميس كتل نار ضخمة اندلعت بعد غارات جوية كثيفة طالت محيط بلدات عدة وأحدثت دويا هائلا تردد صداه في المناطق الحدودية وتلك المجاورة لها.
وأعلن الجيش الإسرائيلي في بيان شن غارات جوية على «المئات من منصات إطلاق الصواريخ» التابعة لحزب الله، قال إنها كانت مجهزة للإطلاق باتجاه إسرائيل، إضافة إلى «نحو 100 قاذفة ومواقع بنى تحتية إضافية للإرهاب».
يصف رميح حالة الهلع التي اعترته بعد عشرات الغارات المتلاحقة التي أحدثت دويا هائلا عصف بأرجاء منزله الواقع على تلة مشرفة على نقاط طالها القصف.
ويقول «حملت أطفالي وتوجهنا الى منزل أحد أصدقائنا داخل البلدة . كنا في حالة رعب وخوف».
على غرار كثر من سكان جنوب لبنان، المقيمين في مناطق قريبة من الحدود لكنها بقيت بمنأى الى حد كبير عن الضربات الإسرائيلية، يعيش رميح منذ 11 شهرا على إيقاع التصعيد المستمر بين حزب الله واسرائيل.
ويقول بيأس يغلب على نبرة صوته «بتنا نعيش في قلق دائم، سواء قبل تفجير أجهزة الاتصال أو بعدها. نعيش خوفا من توسع الحرب، لا نعرف الى أين سنذهب وبات الأمل بعيدا جدا عنا في لبنان». منذ بدء الحرب في غزة، يستهدف حزب الله مواقع عسكرية وتجمعات جنود اسرائيليين ويقول إن هجماته تأتي «إسنادا» لحليفته حركة حماس» وترد اسرائيل بقصف ما تصفه بأهداف و»بنى عسكرية» تابعة للحزب».
ارتفع منسوب التوتر هذا الأسبوع مع تفجير أجهزة اتصالات يستخدمها عناصر حزب الله، بشكل متزامن في مناطق عدة وعلى دفعتين، ما أسفر عن مقتل 37 شخصا غالبيتهم من عناصر الحزب وإصابة نحو ثلاثة آلاف آخرين»
وتوعد الأمين العام للحزب حسن نصرالله الخميس اسرائيل، التي حملها مسؤولية التفجيرات، بـ»حساب عسير» واصفا ما جرى بأنه «ضربة كبيرة» غير مسبوقة منذ تأسيس حزبه عام 1982.
وفاقم تفجير أجهزة الاتصالات مخاوف اللبنانيين من حرب واسعة.
للوهلة الأولى، ظنت نهى عبدو (62 سنة)، ربة المنزل المقيمة مع عائلتها في مرجعيون، أن وتيرة الغارات الكثيفة مقدمة لاتساع نطاق التصعيد.
وتقول لفرانس برس «لم نعرف ماذا يحصل، كنا نسمع صوت الطيران وإطلاق الصواريخ من دون توقف».
وتشرح «خفت كثيرا، خصوصا على أحفادي. كنا ننقلهم من غرفة إلى أخرى». قبل أن تضيف بتأثر ارتسم على ملامح وجهها «الحرب مخيفة».
في بلدة زوطر الشرقية، الواقعة على بعد أقل من عشرة كيلومترات عن أقرب نقطة حدودية مع اسرائيل، يروي سكان تفاصيل الليلة «المرعبة» بعدما استهدفت اسرائيل مواقع عدة قريبة بالغارات»
وتوضح زينة حرب (30 عاما) المدر سة التي لم تترك بلدتها منذ بدء التصعيد رغم قربها من مناطق الاشتباك «كانت الغارات غريبة لناحية الكثافة والألوان أو الدخان الذي انبعث منها وغطى أجواء المنطقة بأكملها»
وتقول حاولنا أن نستجمع قوتنا ونصبر ونتحمل هذه العاصفة من القصف والرعب».
منذ 11 شهرا، شهدت زينة حرب موجات عدة من التصعيد بين حزب الله وإسرائيل.
توضح «نحاول أن نحافظ على أعصابنا رغم القلق الكبير الذي عشناه مع توارد الأخبار والتحذير من انفجار الهواتف وتداول الشائعات، الذي خلق لدينا حالة من الهلع، فاقمها القصف الهمجي ليلا».
وبعدما تصمت لبرهة، تضيف «أتمنى الا تتوسع الحرب وأن تنتهي بأسرع وقت، رغم قلقنا الدائم من أن تتدحرج الأمور وتخرج عن السيطرة».
لماذا ينصب التركيز
على الحدود مع لبنان؟
منذ اندلاع الحرب في غزة قبل عام تقريبا، تتبادل إسرائيل وحزب الله حليف حركة حماس بشكل شبه يومي القصف عبر الحدود الذي أوقع مئات القتلى في لبنان، معظمهم من مقاتلي حزب الله، فيما ق تل العشرات في إسرائيل، عدا عن نزوح عشرات الآلاف على الجانبين.
وأكد رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو ومسؤولون إسرائيليون آخرون الحاجة إلى تأمين الشمال حتى يتمكن السكان من العودة إلى ديارهم.
وقال نتانياهو خلال رحلة قام بها إلى الشمال «سنستخدم كل الوسائل اللازمة لإعادة الأمن إلى حدودنا الشمالية وإعادة مواطنينا إلى ديارهم بأمان».
لكن من غير المرجح أن يعود السلام إلى الشمال في الأمد القريب، كما قال كاليف بن دور، المحلل السابق في وزارة الخارجية الإسرائيلية.
وأضاف بن دور أن إسرائيل والولايات المتحدة كانتا تأملان بأن يؤدي وقف إطلاق النار في غزة إلى هدوء في الشمال، لكن «فرص وقف إطلاق النار في غزة تتضاءل» خصوصا أن «معظم الأهداف العسكرية الإسرائيلية في غزة تحققت». وهذا برأيه يترك لإسرائيل مجالا لإعادة نشر وحدات الجيش».
وقال كوبي مايكل، المحلل في معهد دراسات الأمن القومي ومركز مسغاف البحثي إن الجيش لديه الآن مزيد من المرونة لنقل قواته إلى الجبهة الشمالية»
وأوضح لوكالة فرانس برس أن الجيش «قادر على إدارة الموقف بعدد أقل من القوات، وبالتالي يمكننا نقل التركيز إلى الشمال».
وأضاف أنه «لا يمكن القبول بفكرة أن إسرائيل لا تستطيع فرض سيادتها على الأجزاء الشمالية من البلاد».
صدرت دعوات من داخل الحكومة الإسرائيلية لإخراج حزب الله من جنوب لبنان ودفعه إلى ما وراء نهر الليطاني، ولكن الاستراتيجية الإسرائيلية الحالية لا تزال غير واضحة».
لكن الولايات المتحدة، عبرت من خلال مبعوثها آموس هوكستين، عن تفضيل حل دبلوماسي يبقي حزب الله وترسانته الصاروخية بعيدا عن الحدود.
وقال بن دور إن الولايات المتحدة وفرنسا وحكومة لبنان لا تملك نفوذا كافيا على حزب الله لدفعه بعيدا عن الحدود، عملا بقرار الأمم المتحدة الذي يدعو إلى انسحابه من جنوب نهر الليطاني.
ورأى مايكل أن الأهداف العسكرية الإسرائيلية تتمثل في إخراج مسلحي حزب الله من المنطقة الواقعة بين الليطاني والحدود ومنع عودتهم.
وقارن الوضع باحتلال إسرائيل لجنوب لبنان مدة ثمانية عشر عاما حتى عام 2000، قائلا إنه يتوقع شكلا مختلفا من «السيطرة العسكرية على جنوب لبنان» هذه المرة. وفي غياب حل دبلوماسي، توقع اجتياحا بريا. و قال « إن إبعاد حزب الله عن الحدود يحظى بتأييد واسع بين الإسرائيليين»، لكنه أقر بأن حكومة نتانياهو «لا تحظى بالثقة وهذا قد يجعل من الصعب عليها القيام بعملية عسكرية كبرى».
من جانبه، قال مايكل «إن الجمهور الإسرائيلي يؤيد بشكل كامل شن حرب شاملة ضد حزب الله».
وأظهر استطلاع للرأي أجراه معهد دراسات الأمن القومي في غشت أن 44 بالمئة من الإسرائيليين يؤيدون شن عملية عسكرية واسعة النطاق في لبنان، وترتفع النسبة إلى 52 « بين الإسرائيليين اليهود».
وفي الوقت نفسه، فضل 23 بالمئة عملا عسكريا محدودا، و21 بالمئة ردا محدودا، لتجنب التصعيد، وفق الاستطلاع الذي نشر الثلاثاء.