100 يوم… عـلـى يـوم!

ما تم نشره بجريدة الاتحاد الاشتراكي بخصوص 100 يوم من عمر الحكومة قبل ظهور رئيسها ولقائه مع وسائل الإعلام، يوم الأربعاء الماضي، نعيد نشره اليوم، لكون ما جاء في هذا المقال (عبد الحميد جماهري «100 يوم…على يوم «) من أفكار قبل ظهور عزيز أخنوش ولقائه مع الإعلام تبقى هي نفسها بعد ظهوره…

 

عرف الشروع في تمرين المائة يوم من أيام الحكومات الجديدة ولادته مع أزمة 1929، وشئنا أم أبينا فإن الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت، الذي يعود له الفضل في اجتراح هذا التقليد، أعاده حتما في النهاية، حيث أراده كشفا عن قوته كقائد للجهاز التنفيذي الفدرالي في الخروج من الأزمة الكبرى التي ضربت أمريكا ومن ورائها العالم تلك السنة، وأراد من خلالها أن يغتنم مائة يوم لوضع الإطار العام للخروج منها…
هناك بعض التقاطع مع وجود فوارق في الزمن والهدف والطبيعة، لقد كان العالم في السنتين الأخيرتين يعيش الأشباح نفسها والمناخ نفسه كما في بداية القرن العشرين، وكثيرون قارنوا بين الوضع الذي خلقته كورونا والوضع الذي واجهه العالم سياسيا واقتصاديا ومعيشيا مع الأزمة، الذي نقصته فقط المخاوف الصحية.
وقتها، يكون الرئيس الأمريكي قد وضع بدون قصد منه القواعد التي يمكن أن تحاكم على ضوئها الحكومات الجديدة.
شروط يكون المحدد فيها القدرة على تنشيط الدورات الوطنية كلها، تشريعيا وتنفيذيا، ووضع مشاريع قوانين وقرارات تسعف في الخروج من الأزمة، وفي التجاوز السريع لإسقطاتها.
ومن ذلك مشاريع قوانين ومشاريع تقوي من حظوظ الحل ومن قوة رئيس الحكومة …
لقد كان لفرانكلين روزفلت أزمة هي أزمة1929، وضع لها خطة «نيوديل» وكان لها جهاز اختبر قوته…
نحن أيضا لنا أزمة هي أزمة الجائحة ولنا خطة هي النموذج التنموي الجديد وعلينا أن نجد قوة تنفيذية للخروج من هذا الوضع بقوة وبدون تردد وبوضوح، في سياق المقارنة استطاع روزفلت أن ينتج 76 مشروع قانون في 100 يوم مع إطلاق 15 مشروعا ذا أهمية قصوى، بعضها ما زال ساريا إلى حد الساعة .
مناسبة 100 يوم، هي مناسبة لتمحيص الإشارات، ثم لتقييم أولي لقراراتها، وأيضا مناسبة لتفصيل القول في فرض سلطة رئيس الحكومة وقوة إدارته.
رئاسة الحكومة تحظى، بلا شك، بمقومات أغلبية مقلصة قد لا تفرض عليه «جيمناستيك»معقد في تدبير التوازنات، ولم تعترضها لحد الساعة أية هزات من طبيعة زعزعة توافقاتها اللهم إلا بعض المطبات التي خلقها بعض الوزراء منهم حديث وزير العدل حول العفو عن محكومي الريف، وهي إن كانت سياسيا محل تصفيق حقوقي، فقد بينت التسرع غير المنتج في قضية معلوم مسارها ومساطرها.
الأغلبية مقلصة لكنها ليست بالضرورة متماسكة في تقدير 100 يوم…
التزام عمودي وأفقي لا يمكن القفز عليه يبعث حتى الخوف من نزعة هيمنة..قد تكون نقطة قوة لدى الحكومة ونجاعتها ونقطة ضعف في الديموقراطية التشاركية، حيث المعارضة اليوم ليس لها وجودها القوي الذي يشغله حزب الأغلبية في المكاتب مثلا.
بالنسبة للخطوات، سننتظر رئيس الحكومة يوم الأربعاء ولقاءه مع الإعلام حول ما تم في هذا التمرين المئوي، إلى ذلك، يمكن أن نقول إن نقط القوة، لا في ما يخص القوانين ولا ما يخص القرارات الإيجابية، سابقة عليه، سواء تعلق الأمر بالدولة الاجتماعية أو التلقيح المتقدم أو في ما يتعلق بالطاقة، والواضح أن نقطة الضعف القصوى هي الأسعار … في الوقود والطاقات أو في مواد التغذية، الأرقام في هذا الجانب لا تقدم الشعور الممض الذي يعيش به المواطنون أو تقدم ما يجب أن تعطيه…
وفي السياق ذاته، هناك نقاش آخر طبيعته اقتصادية ويتعلق بنسبة التضخم وفي علاقته بارتفاع الأسعار، والتضارب بينها وبين مندوبية الإحصاء وبنك المغرب.
ارتفاع أسعار الطاقة بالنسبة لبنك المغرب هو سبب ارتفاع التضخم بالمغرب بنسبة %1,7، أما المندوبية السامية للتخطيط فهي ترى أن ارتفاع التضخم سببه زيادة أسعار المواد الغذائية بـ %1,1والمواد غير الغذائية بـ %2,2.
في الوقت الذي كانت فيه وزيرة المالية تردد على مسامع الأمة ونوابها بأن التضخم في المغرب لن يكون مفزعا وأن نسبته العامة لن تتجاوز %1,2، كانت مؤسسات الحكامة المالية والخاصة بالإحصائيات تعطي أرقاما أخرى.
ومن مستملحات الحصيلة الأولى قضية الوزيرة العمدة وما قدمته من صور عن الاستعجال والتسرع والتخبط منذ الأسبوع الأول للحكومة، إضافة إلى سحب القانون الجنائي…
الحكومة عليها أن تسأل نفسها في يومها المائة عن كل ما يتعلق بالتدبير الصحي لجائحة كوفيد والتدبير العام المرافق لها في التنقل والسياحة، وغير ذلك من الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية.
وهنا لا يمكن أن تغفل الحصيلة السلبية للتسريع بجواز التلقيح الذي لم يعد أحد يتحدث عنه، لا سلبا ولا إيجابا.
مع «أوميكرون» لم تبادر إلى حد الآن بقرارات استعجالية في ما يخص أطباء التخدير ولا الأسرَّة وتوفير ما يكفي منها لحالات انتشار واسع للفيروس الجديد.. في الصحة هناك الحلول السهلة في ما يبدو، والتي ميزت حتى قرارات الإغلاق، نحن نعرف تاريخ بدايتها ولكن لا فكرة عن تأريخ إنهائها…
لقد دخلت الحكومة على ظرفية مناسبة ظهرت من خلال خطاب الملك لافتتاح البرلمان، ولعل أهم مؤشرات الظروف الإيجابية ما ورد في الخطاب:
– نسبة نمو تفوق 5.5 في المائة سنة 2021، وهي نسبة لم تتحقق منذ سنوات، وتعد من بين الأعلى، على الصعيدين الجهوي والقاري.
– نمو القطاع الفلاحي بنسبة %17
كما حققت الصادرات ارتفاعا ملحوظا، في عدد من القطاعات، كصناعة السيارات، والنسيج، والصناعات الإلكترونية والكهربائية.
– ارتفاع الاستثمارات الأجنبية المباشرة، بما يقارب 16 في المائة.
زيادة تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج، بحوالي 46 في المائة.
– احتياطات مريحة من العملة الصعبة، تمثل سبعة أشهر من الواردات.
– التحكم في نسبة التضخم، في حدود 1 في المائة.
ولعل هذه المعطيات هي التي قد تصلح لأن تكون مجددا ميزانا لقياس الحصيلة الأولية، فهل حافظت الحكومة على هذه المؤشرات الإيجابية أم فرطت فيها؟


الكاتب : عبد الحميد جماهري

  

بتاريخ : 22/01/2022