12 مليار درهم للمقاولات الصغرى مهددة بالتبخر كما حدث مع 13 مليار درهم للمواشي

الحكومة تختار توزيع الدعم على الشركات التي تروج 100 مليون إلى 2 مليار سنتيم

 

 

أثارت مصادقة المجلس الحكومي، یوم الخمیس 10 أبریل 2025، على المرسوم رقم 2.35.342 القاضي بخصيص 12 مليار درهم لدعم المقاولات الصغيرة جدا والصغرى والمتوسطة، في إطار الميثاق الجديد للاستثمار، جدلا واسعا في أوساط المهنيين، بعدما عبّرت الكونفدرالية المغربية للمقاولات الصغيرة جدا والصغرى والمتوسطة عن قلقها من انحراف هذا الدعم عن أهدافه الأصلية، محذرة من تكرار سيناريوهات سابقة تم خلالها توجيه موارد مالية ضخمة إلى جهات غير مستحقة.
وبحسب الكونفدرالية، فإن الصيغة المعتمدة في تصنيف المقاولات المؤهلة للاستفادة من هذا البرنامج، والتي تعتمد على رقم معاملات يتراوح بين مليون و200 مليون درهم، تفتح المجال أمام مقاولات تابعة لمجموعات اقتصادية كبرى للاستفادة من الدعم، بينما يتم إقصاء المقاولات الصغيرة جدا، التي تعد الحلقة الأضعف في سلسلة الإنتاج الوطني، والتي تواجه صعوبات حقيقية منذ جائحة كورونا ومرورا بسنوات الجفاف وتدهور القدرة الشرائية وارتفاع تكاليف الإنتاج.
رئيس الكونفدرالية، عبد الله الفركي، نبّه في تصريح لصحيفة «الاتحاد الاشتراكي» إلى أن ما يحدث يعيد إلى الأذهان ما جرى مع برنامج دعم استيراد المواشي، الذي رُصد له غلاف مالي بلغ 13 مليار درهم، لكنه لم يبلغ مستحقيه الحقيقيين. كما تساءل عن مآل نسبة 20 في المئة من ميزانية الاستثمار العمومي – المقدرة بـ340 مليار درهم – والتي ينص القانون على تخصيصها لفائدة المقاولات الصغيرة، دون أن يتم تفعيل المراسيم التطبيقية الخاصة بذلك.
رئيس الكونفدرالية المغربية للمقاولات الصغيرة جدا والصغرى والمتوسطة، أشار إلى أن عدد المقاولات التي أعلنت إفلاسها قد شهد تزايدا كبيرا في السنوات الأخيرة. حيث بلغ عدد هذه المقاولات في سنة 2022 نحو 25 ألف مقاولة، وفي عام 2023 ارتفع العدد إلى 33 ألف مقاولة، بينما تجاوز العدد 40 ألف مقاولة في عام 2024، وإذا استمر الوضع على ما هو عليه دون تدخلات عاجلة، فإن الرقم قد يتخطى 50 ألف مقاولة في عام 2025.
وأضاف الفركي أن 99% من هذه المقاولات هي مقاولات صغيرة جدا، وهي الفئة التي تم إقصاؤها من الاستفادة من الدعم المخصص في إطار الميثاق الجديد للاستثمار، الذي يقدر بـ12 مليار درهم. وأكد أن هذه المقاولات الصغيرة جدا، التي تمثل عصب الاقتصاد المغربي، تواجه تحديات جسيمة، من أبرزها الصعوبات في التمويل، وارتفاع تكاليف الإنتاج، فضلاً عن التحديات التي فرضتها جائحة كورونا على السوق المحلي. الكونفدرالية ترى في هذه المقاربة استمرارا لمنطق احتكار الدعم العمومي من طرف فئات بعينها، وهو ما يضرب في العمق مبدأ تكافؤ الفرص، ويقوض الثقة بين الفاعلين الاقتصاديين والدولة. وفي هذا السياق، دعت الهيئة إلى مراجعة شاملة للمعايير المعتمدة، وضمان تمثيلها داخل اللجان الجهوية للاستثمار، مع إرساء آليات رقابة صارمة تحول دون الالتفاف على روح البرامج الحكومية.
وتجدر الإشارة في هذا السياق، إلى ملاحظات المجلس الأعلى للحسابات، الذي أكد في تقريره الأخير إلى «الغياب التام للنصوص المتعلقة بالأنظمة الخاصة بدعم المقاولات الصغيرة جدًا والصغرى والمتوسطة»، مشددًا على أن هذه الفئة تشكل 93 ٪ من النسيج الاقتصادي والإنتاجي للمغرب. كما سجل التقرير أن المجهود المالي للاستثمار العمومي انتقل من 52.3 مليار درهم في 2015 إلى 119.2 مليار درهم في 2023، دون أن ينعكس ذلك بشكل حقيقي على دعم المقاولات الصغيرة التي تظل مهمشة.
وتشير أرقام البنك الدولي إلى أن 77.3 في المئة من اليد العاملة باتت تشتغل في القطاع غير المهيكل، وهو ما يُعزى بشكل مباشر إلى إفلاس المقاولات الصغيرة وانتقال أصحابها إلى أنشطة غير رسمية. كما ارتفعت نسبة البطالة في المغرب إلى 13.7 في المئة، وسط تحذيرات من بلوغها عتبة 14 في المئة في غياب تدخلات عاجلة لدعم الاستثمار الصغير والمتوسط. في ظل هذا الوضع، تبدو الحاجة ملحة إلى إعادة توجيه بوصلة الدعم العمومي نحو المقاولات التي تشكل فعلا خزانا للتشغيل، وسندا للاستقرار الاجتماعي. فغياب حكامة فعالة، واستمرار منطق الإقصاء والتمييز، لا يؤدي فقط إلى فشل السياسات العمومية، بل يضعف دينامية النمو، ويفقد الاقتصاد الوطني إحدى أهم ركائزه.
وإذا لم تتحرك الحكومة لإعادة النظر في طرق توزيع الدعم، مع ضمان الشفافية والعدالة، فإن خطر تحول 12 مليار درهم إلى مكسب جديد لفائدة الشركات الكبرى سيكون قائما، ويعيد إنتاج نفس الأخطاء التي أضعفت الثقة في التدبير العمومي، وعمّقت الفوارق داخل النسيج المقاولاتي المغربي.


الكاتب : n عماد عادل

  

بتاريخ : 12/04/2025