صدر عن منشورات المتوسط-إيطاليا كتابٌ فلسفيٌّ جديد، لـلفرنسيين إيريك دو روبرسي ودومينيك لوبوهان، وهو بعنوان «اثنا عشر سؤالاً موجَّهاً لجان بوفري حول مارتن هايدغر»، وترجمه عن الفرنسية المفكِّر والمترجم المغربي عبد السلام بنعبد العالي.
تميز الفيلسوف الفرنسي جان بوفري بعلاقته الوثيقة مع هايدغر، لعل أكثر دلالاتها شهرة الرّسالة التي وجهَّـها إليه الفيلسوف الألماني، والتي نُشرت ف يما بعد تحت عنوان: «رسالة في النزعة الإنسانية».
في سنة 1974 وجّه شاعران شابَّان إلى جان بوفري اثني عشر سؤالاً في ما يخصّ هايدغر. نُشرت الأجوبة في السّنة نفسها في العدد الخامس من مجلة »لي بيل ليتر«، قبل أن تُنشر منقّحة في ما بعد في كتاب خاصّ. وقد اطّلع هايدغر نفسه على هذه الأسئلة وعلى الأجوبة التي ردّ بها المفكِّر الفرنسي، فراسلَ الشاعريْن بصددها، كما راسل صديقه جان بوفري معلّقاً على إجاباته.
يقول هايدغر في رسالته لـ بوفري: «أشكركَ جزيل الشكر على أجوبتكَ الاثنَي عشر على الاثنَي عشر سؤالاً التي طرحها عليك الصديقان اللذان هما أصغَر سنَّاً من دون شكٍّ. وقد تلقَّيتُ من جانبهما نسخة من النصِّ مع اقتباس من قصيدة لستيفان جورج، لم يكن لي علم بها حتَّى ذلك الوقت. وقد شكرتُهما في بضعة أسطر باعثاً إليهما صورة لي. في بداية مقدِّمتهما، أعطيا عن ج. ب. لمحة هي من الدقَّة النّادرة بحيث لا يسعني إلَّا الترحيب بها. مَنْ هما صاحبا الأسئلة اللذان لم أسمع بهما، ولا قرأتُ عن اسميْهما حتَّى الآن؟
وأنتَ أيضاً، عند تحريركَ لأجوبتكَ كان يلزم أن يسعفكَ تأمُّل مثمر وذهن يَقِظ. كلامكَ ذو ألق حيوي، شديد الحزم، يصدر عن ذهن مفعم بالحيوية، حريص على الملامسة الدّائمة لِمَا هو جوهري، إلى حدِّ أن كلَّ قارئ سيكون ممتنَّاً لهذه المساعدة التي تقدِّمها للفكر عندما يظلُّ مقتفياً الأثر».
وفي رسالته لصاحبَي الأسئلة، كتبَ هايدغر: «أثْمن هديّة يمكن أن تُقَدَّم إلى مَنْ يُعمِل فكره، هي أسئلة جوهرية، تحثُّه على تأمُّل متجدِّد. وقد قدَّمتُما نظير هذه الهديّة إلى جان بوفري، الذي تجمعني به صداقةٌ طويلة العهد، إذ طرحتُما عليه هذه الأسئلة الاثنَي عشر.
أشكركما على ذلك، وأُوجِّه إليكما تحيّة ودٍّ».
الكتاب جاء في 88 صفحة من القطع الوسط، واثني عشر سؤالاً واثني عشر جواباً، ورسالتيْن وملحقيْن.
من الكتاب نقرأ :
… «بدل أن نؤَوِّل التِّقْنِيَّة على غِرَار ماركس ومَنْ نحا منحاه، انطلاقاً من العلاقة بين النّظر والبراكسيس، كتطبيق للأوَّل، اللهمَّ إن لم يجد النّظر في التطبيق الشيءَ المتقدِّمَ عليه، فإنَّ ما يسعى هايدغر إلى تسليط الأضواء عليه هو هاته العلاقة ذاتها، وذلك بتحديد مكانتها في التِّقْنِيَّة مقدَّماً من حيث إنها تصون ماهيَّتها التي لم يُفكّر فيها بعد. ها أنتم تلاحظون أنّها الطريقة المتَّبعة ذاتها في «الوجود والزمان» التي تذهب إلى أن تكشف في الزمان مجالَ الوجود أو المجال السابق للوجود، فها هنا أيضاً هندسة وتعيين للأمكنة وتحديد للفضاءات. لكنْ، مثلما أن الزّمان كـ «أُفُق» للوجود ليس هو الزّمان كتتالي اللّحظات، فإن التِّقْنِيَّة كمجال لعلاقة النّظر بالبراكسيس لا تُلائِم في ماهيَّتها المعنى المتداول للتِّقْنِيَّة الذي يكفي تحديدها على أنها العلم المطبَّق« …
ولد الفيلسوف الفرنسيّ جان بوفري Jean Beaufret يوم 22 مايو 1907 في أوزانس، من أبوين يشتغلان بالتدريس، وتوفّي يوم 07 أوغست 1982 في باريس. دخل المدرسة العليا سنة 1928 وانتدب أستاذاً مبرّزاً سنة 1933 بعد أن قضى سبعة أشهر في برلين أيّام هتلر. سُجن بوفري سنة 1939، لكنّه تمكّن من الهرب من القطار الذي كان سينقله إلى المعسكرات الألمانية. وبدأ يُدرِّس في المنطقة المحرّرة، في غرونوبل تحديداً، في الوقت ذاته الذي كان فيه منخرطاً في المقاومة. بعد التّحرير، التحق بثانوية هنري الرابع في باريس في سبتمبر 1946. وقد ظلّ مدرِّساً بالأقسام العليا طيلة حياته المهنية من غير أن يتمكّن من التّدريس في الجامعة. من أهمّ مؤلّفاته: قصيدة برمنيدس، مدخل إلى فلسفات الوجود، حوار مع هايدغر (4 أجزاء).