لم يتمكن قطاع الصحة من التعافي من أمراض مزمنة أصابت جسده بالرغم من كل ما بذل من جهود لتطوير وتجويد المنظومة الصحية، وآخرها كل الإصلاحات المرافقة لتنزيل الورش الملكي للحماية الاجتماعية، خاصة في الشق المتعلق بتعميم التغطية الصحية، إذ أن عددا مهما من المواطنين لا يزالون خارج دائرة الاستفادة من التأمين عن الصحة، لأسباب مجهولة، خاصة في ظل عدم استقرار المؤشر، وذلك ضدا عن السقف الذي تم تحديده لبلوغه، عدديا وزمنيا.
وحتى من يستفيدون من التغطية الصحية فإن الثقل المالي الذي يبقى على عاتقهم يرهقهم ويجعل ولوجهم إلى الصحة تعتريه العديد من الإكراهات والصعوبات، والتي يزيد من حدة تفاقمها وضع المستشفى العمومي، الذي يعاني من الخصاص الكبير في الموارد البشرية وضعف البنيات وتزايد الاحتجاجات.
التعريفة المرجعية .. التجاهل المستمر
رغم أن اتفاقية التعريفة المرجعية الوطنية تم توقيعها في 2006، وتم التأكيد على ضرورة مراجعتها كل ثلاث سنوات، إلا أن العمل بها لا يزال ساري المفعول إلى غاية اليوم، مما أدى إلى استمرار إثقال كاهل المرضى خلال السنة التي نودعها كذلك بثقل المصاريف الطبية، إذ ظل المواطن يتحمل نسبة قد تصل إلى حد 60 في المئة من مصاريف كل ملف مرضي.
هذه الاتفاقية التي تعود إلى زمن مضى، والتي يتم على أساسها احتساب المصاريف المسترجعة، والتي من بين تتضمنه تحديد تسعيرة الفحص عند الطبيب العام في 80 درهما، وعند الطبيب الاختصاصي في 150 درهما، وغيرها من التسعيرات نظير الخدمات الصحية المختلفة التي لا وجود لها على أرضا الواقع اليوم، تؤدي بشكل أو بآخر إلى اتساع رقعة الأمراض وإلى ارتفاع مضاعفاتها وحتى كلفتها المادية، التي تتحملها الصناديق الاجتماعية لاحقا، بسبب التشخيص المتأخر وغياب رؤية فعلية لتطوير الجانب الوقائي، الذي يكون مساعدا على تحديد الأمراض مبكرا واتخاذ ما يلزم من تدابير علاجية للحيلولة دون تطورها مع ما قد يترتب عن ذلك من تداعيات.
الأدوية .. استمرار الخصاص
شكلت سنة 2024 عنوانا على الخصاص الكبير في مجموعة كبيرة من الأدوية، خاصة الحيوية منها، والتي قد يؤدي غيابها إلى مضاعفات صحية وخيمة على المرضى، وذلك رغم التوجيهات التي تدعو للحفاظ على الأمن الدوائي من جهة، ولاتخاذ ما يلزم من تدابير وإجراءات لتحقيق السيادة الدوائية من جهة ثانية، التي تبيّنت أهميتها القصوى خاصة بعد أن عرفت بلادنا، كما هو الحال لسائر جدول العالم، الجائحة الوبائية لفيروس كوفيد 19.
وعاني العديد من المرضى خلال سنة 2024 معاناة شديدة للبحث عن الدواء، خاصة مرضى السرطان الذين ضاقت بهم الأرض وهم يطوفون الصيدليات بحثا عن أدوية تخفف من معاناتهم وتساعد على تقدم علاجهم، دون أن يجدوها، مما اضطر الكثيرين لنشر طلبات مساعدة وطرق كل الأبواب بحثا عن علبة دواء يتم استقدامها من خارج المغرب.
نفس الأمر عرفه طب الأطفال، بعد أن تبين على أن لائحة أساسية من الأدوية الخاصة بالخدّج والرضع هي مفتقدة، والتي من شأن توفرها إنقاذ أرواحهم، مما جعل الجمعية المغربية لطب الأطفال تدق ناقوس الخطر وتنبّه للوضع من خلال مراسلة تم توجيهها للوزارة الوصية على القطاع، تستعرض الأدوية المفتقدة التي تخص علاج الصرع والتي تدخل في مجال الإنعاش وغيرها من المجالات الطبية الأخرى.
ويطالب الأطباء علاقة بإشكالية الأدوية، بتحيين اللائحة الخاصة بها التي لم تعرف أي تغيير منذ 2012 والحال أن منظمة الصحة العالمية عملت على تحيينها في 2021، وبالتالي وجب إخراج لائحة الأدوية الخاصة بالأطفال والبالغين تعزيزا للصحة العامة.
شيخوخة مجتمع
أكدت أرقام ومعطيات نتائج الإحصاء العام للسكان والسكنى 2024، ما ظلت المؤشرات الرقمية تشير إليه من توجه نحو شيخوخة المجتمع، وهو المعطى الذي بات يفرض نفسه بقوة، ويبيّن الحاجة إلى اتخاذ العديد من التدابير من أجل تكفل أفضل بهذه الفئة التي يتزايد عدد المنتسبين إليها، والتي تأتي على رأسها الاحتياجات الصحية والاجتماعية.
ويعرف مجال التكفل الطبي بالمسنين خصاصا كبيرا، سواء على مستوى الموارد البشرية الكفؤة والمختصة أو على مستوى البنيات التحتية، من مرافق صحية واستشفائية، نظرا لأن هذه الفئة في هذه المرحلة العمرية هي أكثر تعرضا للأمراض العضوية منها والنفسية، والتي تفتقد كذلك لمرافق بحسّ إنساني وبعد اجتماعي، يمكن أن تحتضنهم وأن تقدم لهم الخدمات المختلفة، حتى لا تكون هذه الفترة العمرية بمثابة مرحلة انتظار يطبعها اليأس والوحدة إلى حين حلول موعد الفراق مع الدنيا.
سنة التملص الحكومي من الالتزامات في قطاع الصحة
عاش قطاع الصحة العمومي خلال السنة الفارطة 2024 غليانا كبيرا وشهد احتقانا اتسعت رقعته لتشمل كل الفئات الصحية، من أطباء وممرضين وتقنيين للصحة، ولم يسلم منه الأطباء الداخليون والمقيمون كذلك، مما أدى إلى أزمة كبيرة، دفعت إلى خوض مجموعة من الأشكال الاحتجاجية التي توزعت ما بين المسيرات والوقفات والإضرابات، الأمر الذي تسبب في شلّ المرافق الصحية والمؤسسات الاستشفائية وعطّل خدماتها وحرم المرضى من حقهم في الصحة.
احتجاجات تسببت فيها الحكومة الحالية التي أدى تعنّتها وصمّ آذانها إلى هدم جسر الثقة الذي سعى عدد من الفرقاء الاجتماعيين لتأسيسه وتقوية دعائمه، وعلى رأسهم مكونات التنسيق النقابي، التي عملت ما في وسعها لتوفير مناخ سليم للعمل من خلال الحرص على الجلوس إلى طاولة الحوار، لكن ورغم ما تم التوصل إليه من خلاصات بعد جلسات ماراطونية، تجاهل رئيس الحكومة في فبراير تنزيل ما تم الاتفاق عليه، وبعد أشهر من المماطلة تم توقيع التوصل إلى اتفاق يوليوز الذي شهد هو الآخر نفس المآل، وما زاد في اتساع دائرة الاحتقان إغلاق وزير الصحة والحماية الاجتماعية الجديد أبواب الوزارة في وجه الشركاء الاجتماعيين رافضا كل حوار، مما أدى إلى الإعلان عن استقبال السنة الجديدة بمزيد الاحتجاجات!