إحصاء رسمي يصحح التقديرات السابقة ويوقف إعفاءات استيراد الأغنام
القطيع الوطني يقفز من ناقص 38 ٪ إلى وفرة قياسية تناهز 33 مليون رأس
دعم حكومي جديد بـ11 مليار درهم لإعادة تشكيل القطيع.. هل يستفيد منه الفلاح الصغير؟
كشفت الإحصائيات الأخيرة التي أعلنت عنها وزارة الفلاحة، بناء على إحصاء وطني قامت به هذه الأخيرة بإشراف من وزارة الداخلية، عن ارتفاع لافت في أعداد رؤوس الماشية بالمغرب، حيث بلغ القطيع الوطني أكثر من 32.8 مليون رأس، تتصدرها الأغنام بأزيد من 23.1 مليون رأس، متبوعة بالماعز بـ7.4 ملايين، والأبقار بـ2.09 مليون، ثم الإبل بـ106 آلاف رأس. وتأتي هذه الأرقام لتصحيح المعطيات السابقة التي أعلنت عنها وزارة الفلاحة في فبراير الماضي، والتي تحدثت حينها عن تراجع القطيع بنسبة 38 في المائة مقارنة بسنة 2016، وهو ما أثار تساؤلات عديدة وأثار مخاوف من انعكاسات هذا التراجع على الأمن الغذائي وأسعار اللحوم في السوق الوطنية.
ومع صدور النتائج الجديدة، التي تم تجميعها ميدانيا خلال الفترة الممتدة من 26 يونيو إلى 11 غشت 2025، بدا واضحا أن المعطيات السابقة لم تكن تعكس الواقع بدقة، وهو ما قد يفسر قرار نقل مهمة الإشراف على عملية الإحصاء من مصالح وزارة الفلاحة إلى وزارة الداخلية، في إطار توجيهات ملكية أكدت على ضرورة إعداد قاعدة بيانات دقيقة وموضوعية حول القطيع الوطني، تمكن من اتخاذ قرارات مستندة إلى معطيات محينة وذات مصداقية. وقد عزز هذا الإحصاء، الذي خضع لمعايير أكثر صرامة، الثقة في الأرقام الجديدة، التي باتت تشكل مرجعية معتمدة في رسم السياسات العمومية المتعلقة بالقطاع الفلاحي وتربية الماشية.
وإذا كان ارتفاع عدد الأغنام إلى أزيد من 23 مليون رأس يعد تطورا لافتا في ظرف زمني قصير، فإن هذا التحول لم ينعكس بعد على أسعار اللحوم في السوق، حيث لا يزال سعر لحم الغنم يتراوح بين 90 درهما في المجازر البلدية و110 دراهم في الأسواق، وهو ما يثير تساؤلات حول أداء منظومة التوزيع والتسويق، وفي قراءة للمعطيات، أشار عدد من المهنيين في تصريحات لجريدة «الاتحاد الاشتراكي» إلى أن الوفرة الحالية، حسب منطق السوق، كان من المفترض أن تؤدي إلى تراجع أسعار لحوم الغنم إلى مستويات تقل عن 60 درهما للكيلوغرام، لكن شيئا من ذلك لم يحدث، ما يطرح إشكالية غياب الانعكاس الفوري للوفرة العددية على مستوى الأسعار. ويرجح العديد من المهنيين أن تكون هناك اختلالات في مسالك التوزيع أو تركز للعرض في يد فاعلين محدودين، ما يعطل آليات المنافسة ويحول دون انتقال أثر الوفرة إلى المستهلك النهائي. ففي مجازر الدار البيضاء لا يتم ذبح كل الماشية التي تصل في اليوم ذاته، بل غالبا ما يترك جزء كبير للذبح في اليوم الموالي وهو ما يؤثر على الأسعار بشكل مباشر.
وفي هذا السياق، قررت الحكومة، بناء على نتائج الإحصاء الجديد، إلغاء العمل بالإعفاءات الجمركية والضريبية على واردات الأغنام والماعز، إضافة إلى استيراد الحليب المجفف، ابتداء من نهاية شتنبر المقبل. ويؤشر هذا القرار إلى قناعة الجهات الوصية بأن القطيع الوطني، كما تم إحصاؤه، بات قادرا على تغطية الحاجيات الأساسية، دون الحاجة إلى استيراد مكلف من الخارج، خاصة وأن هذه الإعفاءات كانت تكلف خزينة الدولة دعما ماليا مباشرا يفوق المليارات.
وفي المقابل، تم الإبقاء على الإعفاءات المتعلقة باستيراد الأبقار، بالنظر إلى تراجع أعدادها، والتي لم تتجاوز 2.09 مليون رأس، مقارنة بمعدلات معتادة تتراوح بين 3 و3.2 ملايين رأس، وهو ما يعكس الحاجة إلى مزيد من الوقت والمجهودات لإعادة تشكيل هذا الجزء من القطيع، المتأثر بجملة من العوامل، أبرزها تداعيات الجفاف وتوقف السقي بالمدارات الفلاحية، إلى جانب الانعكاسات السلبية لجائحة كورونا.
وفي إطار تنفيذ التوجيهات الملكية لإعادة تكوين القطيع الوطني بشكل مستدام، رصدت الحكومة غلافا ماليا بقيمة 11 مليار درهم، مخصص لدعم مربي الماشية بشكل مباشر، من خلال تمويل الأعلاف، والحفاظ على الإناث الموجهة للتوالد، وتخفيف عبء المديونية، وتنظيم حملات التلقيح والتأطير التقني. وحرصت الوزارة الوصية على أن يُحتسب هذا الدعم وفق معايير مضبوطة، انطلاقا من أعداد الماشية المحصية محليا، والتي تحمل حلقات ترقيم، بما يضمن توجيه الدعم إلى مستحقيه الفعليين.
وبخصوص واردات الماشية، فقد سجلت المعطيات الرسمية لمكتب الصرف تراجعا حادا خلال شهري ماي ويونيو 2025، مقارنة بأشهر مارس وأبريل التي شهدت ارتفاعا قياسيا في حجم وقيمة الواردات. إذ لم تتجاوز الواردات خلال شهر ماي 66 طنا بقيمة 81.5 مليون درهم، بينما بلغت في يونيو نحو 653 طنا بقيمة 54 مليون درهم، مقابل أكثر من 50.5 ألف طن في أبريل بقيمة فاقت 2.3 مليار درهم. هذا التراجع غير المفسر رسميا، ينسجم مع المؤشرات التي ظهرت بعد الإحصاء الوطني، والتي قد تكون دفعت إلى تقليص الحاجة للاستيراد تزامنا مع ارتفاع العرض المحلي.