حين رد القائد الاتحادي عبد الرحيم بوعبيد على الهواري بومدين: إذا أردتم التحريض على الانفصال، فلكم ذلك.. لأننا سنسير إلى النهاية !

في وثيقة  تاريخية هامة، كان قد قدمها الزعيم الاتحادي الكبلير عبد الرحيم بوعبيد بقاعة سينما (Vox) بمدينة وجدة، مساء يوم السبت 21 يونيو 1975، رد بقوة على ما صرح به الرئيس الجزائري بخصوص قضية الصحراء، فيما يلي هذا الرد بتصرف:
“لقد صدر تصريح السيد هواري بومدين يوم 19 يونيو 1975، وقد آثَرْتُ تقسيمه إلى سِتِّ نِقاطٍ. ولذلك، سأعرض كل نقطة على حِدَةٍ وأُدْلي برأيي فيها. وإني آمُلُ أن يطلع الشعب الجزائري ورجال الثورة الجزائرية على الحقيقةِ كُلِّ الحقيقة؛ لأن الصحراء الغربية التي توجد تحت السيطرة الاستعمارية الإسبانية موضوع ليس لنا فيه أي نزاع مع الشعب الجزائري ولا مع الحكومة الجزائرية، إِذْ إنه نزاع بيننا وبين الاستعمار الإسباني والأطماع الإمبريالية.
وسأعرض النِّقاطَ السِّتَّ كالآتي:
(1) لا خلاف بيننا وبينكم حول مستقبل البناء المغاربي ووجوب الوحدة والتضامن، إلا أن دلالات مصطلحات الوحدة والتضامن والتعاون والبناء المغاربي تتطلب تدقيقا صحيحا.
(2) مما جاء في التصريح الجزائري أن قضية الصحراء مشكلٌ “خارجٌ عن إرادتهم.”! فمعنى ذلك أنهم لم يقصدوه، أو كأن هذا النزاع جاء وحده من تلقاء نفسه !
إِنَّنا نقول: نعم، لم يكن هناك أَوَّلَ الأمر أي نزاع. فقد كان إخواننا في الثورة الجزائرية وفي جبهة التحرير الوطني على اطلاعٍ على قضايا المغرب، وضِمْنَهَا مشاكل المغرب مع الاستعمار الإسباني. لقد كانوا يعرفون معرفة مؤكدة أننا نطالب بالساقية الحمراء ووادي الذهب؛ بل إنهم أكدوا لنا غير ما مرة تضامنهم الكامل معنا.
كما أن إخواننا في الثورة الجزائرية وفي جبهة التحرير الوطني يعرفون أن المغرب فَضَّلَ، في السنوات الأولى من الاستقلال، عدم مواجهة إسبانيا بما كان الأمرُ يَلْزَمُهُ.
لماذا؟
لقد كان إخواننا الجزائريون يقولون لنا دائما: “هَدْنوا السُّوقْ شْوِيَّهْ مع إسبانيا”، لأن مناضلي جبهة التحرير الوطني كانوا يتمتعون بحرية التنقل في إسبانيا وفي منطقة الحماية الإسبانية في شمال المغرب.
فَلِذلك، إذا كانت قضيتنا قد تأخرت فلأنها تأخرت من أجل الجزائر. ومن ثَمَّ، لا يمكننا أن نقبل الادعاء بأن هذا النزاع قائم بغير إرادة الحاكمين في الجزائر !
(3) احتضنت الجزائر في مارس 1973 حركة انفصالية يتزعمها أحدهم باسم مستعار (موحا الرگيبي) أو (Edouard Moha)، وهي (حركة تحرير الأراضي تحت السيطرة الإسبانية) أو (حركة مقاومة الرجال الزرق) (MOREHOB)، ومولتها ودعمتها إعلاميا.
ولما تراجعت هذه الحركة عن مواقفها الانفصالية، وأكدت أنه لا مستقبل للصحراء الغربية إلا بالاندماج في الشعب المغربي، أرادت الخروج من الوصاية الجزائرية فالتجأت إلى بروكسيل وكانت هناك نهايتها.
ففي هذا السياق، احتضنت الجزائر حركة جديدة تساير وصايتها هي (البوليساريو)، واتخذت لها عاصمة مدينة تندوف المغربية. وبالإضافة إلى الدعم السياسي والمالي واللوجيستيكي والإعلامي المطلق، فقد انخرط في المخطط الانفصالي مرتزقةٌ مُوَجَّهينَ ومُمَوَّلينَ. ومن هؤلاء المسمى (أحمد بابا مسكه)(1935-2016)، الذي كان أول سفير لموريتانيا في الأمم المتحدة وحكم عليه بالسجن في بلاده بسبب الارتشاء، ثم أصبح مرتزقا من المرتزقة بدرجة ناطقٍ رسمي باسم (البوليساريو) ومكلفٍ بصلة الوصل بين الجزائر و(البوليساريو).
(4)- مما جاء في تصريح هواري بومدين أن الثورة الجزائرية كان دورها حاسما في تحرير المغرب الكبير بأجمعه وفي تحرير إفريقيا، ووردت الإشارة إلى مليون ونصف المليون شهيد في الجزائر.
إننا عندما نذكر بأن الثورة الجزائرية انطلقت أساسا وقبل كل شيء من المغرب، فإننا لا ندعي قَطْعا أن المغرب قام بتحرير الجزائر نيابة عن الشعب الجزائري. فنحن لم نَقُلْ ذلك ولم نَدَّع ذلك، ولكن التاريخ يشهد بكل ما يعني ثورة التحرير الجزائرية. ولذلك، سأكتفي بذكر المثال البسيط الآتي:
رست يوم 29 مارس 1955 بساحل (رأس الماء) (رأس كبدانة أو Cap de l’Eau) الباخرة (دينا) قادمة من ميناء الإسكندرية، وهي محملة بأكثر من 13 طنا من السلاح والعتاد، موجه إلى جيش التحرير المغربي وجيش التحرير الجزائري. وقد نُقلت الحمولة كيسا كيسا إلى شاطئ (رأس الماء) على ظهور رجال جيش التحرير المغربي؛ بل إنهم حملوا على ظهورهم أيضا ركاب الباخرة، ومن ضمنهم السيد هواري بومدين الذي حمله على كتفيه إلى البر، المناضل المغربي سعيد بونعيلات (1920-2017).
إِنَّا لا نَمُنُّ على أَحَدٍ عندما نُذَكِّرُ بهذه الحقائق التاريخية المعروفة، ولكننا نؤكدها فقط.
وماذا صُنِعَ بذلك السلاح والعتاد؟
لقد تقاسمه جيش التحرير المغربي وجيش التحرير الجزائري.
وماذا كان نصيب جيش التحرير الجزائري؟
لقد آثَرْنا جيش التحرير الجزائري على أنفسنا وأعطيناه الحظ الأوفر، ونقل رجال جيش التحرير المغربي السلاح والعتاد إلى الولاية الخامسة لجيش التحرير الجزائري في الغرب الجزائري.
وأنتم أهل وجدة لا يمكنكم إلا أن تتذكروا كيف أكرمتم إخواننا في ثورة التحرير الجزائرية، وكيف وَفَّرَ لهم المغرب الحرية المطلقة في التنقل والاستفادة من العون بالسلاح والعتاد والمواد الأولية. إنكم تتذكرون ذلك، ولكن
البعض ربما نَسِيَهُ!
ومما جاء في تصريح السيد هواري بومدين أن حرب التحرير لو امتدت بالإضافة للجزائر إلى المغرب وتونس لما طالت سبعةَ أعوامٍ ونصف العام!
(5) صرح السيد هواري بومدين بأن الجزائر تريد تقرير المصير عن طريق الاستفتاء في الصحراء، وأنها هي التي حركت وعجلت مسلسل تصفية الاستعمار في الصحراء الغربية.
إنه ادعاء قد لا يستحق الرد عليه لأن المغاربة هم الذين حركوا قضية الصحراء سنوات 1953 و1954، بل وحتى 1958. فقد كان هناك جيش التحرير في الجنوب، وسقط ضحايا من أجلها، ثم عرضت القضية على المحافل الدولية.
فأي مبرر يكمن في الادعاء بأنهم هم الذين حركوا قضية الصحراء، عَدا تحريك جماعة الانفصاليين بذريعة الكفاح من أجل تقرير المصير.
ورفعا للالتباس فإني أشير إلى ما يلي:
ـ يحصل تقرير المصير عندما يريد شعب أن يندمج طواعية مع شعب آخ.
ـ يحصل تقرير المصير إذا كانت أرضٌ محتلة في الأصل ترجع إلى أرض مُحَررة. ومن ثَمَّ، فإن تقرير المصير لا يتحقق حتما ودائما بالاستقلال عن طريق الاستفتاء. مثلا، إذا كانت هناك أرضٌ أو شعبٌ ماضيهِ هي الحدود الموروثة عن الاستعمار، فإن مصيره هو الاستقلال إذا كان جزءٌ من ذلك الشعب في الأراضي المحررة، بينما الجزء الآخر في الأراضي المحتلة.
فما قيمة نهاية الاستعمار وما قيمة تقرير المصير، إذا كان ما تحت الاحتلال لا يُلْحَق بما هو مُحَررٌ؟
ويضاف إلى كل ذلك أن السيد هواري بومدين تحدث عن (أهل الصحراء الغربية)، وهذا يعني أن هناك صحراء غربية وصحراء شرقية وصحراء وسطى. فأهل الصحراء من سلالة واحدة، ومتجانسون فيما بينهم، وأُسَرُهُمْ واحدة، واقتصادهم واحد، وثقافتهم واحدة.
فلماذا ننظم الاستفتاء في الساقية الحمراء ووادي الذهب، ولا ننظمه في تندوف و(تْواتْ)؟
(6)- مما جاء في آخر تصريح السيد هواري بومدين أن الجزائر لا تزال مصممة على تشييد المغرب العربي، أي مغرب الفلاحين والعمال ومغرب الشعوب !إننا متفقون كل الاتفاق على ذلك؛ بل إن هدفنا كان دائما هو تشييد المغرب العربي على أسس ديموقراطية صحيحة، ولكن أين نحن اليوم من كل ذلك إذا احتكمنا إلى الواقع والممارسة وإلى تصرفات القادة الجزائريين؟
إن مما نبتغيه أن نعطي للكلام مدلوله الحقيقي، لأن الاتفاقيات الرسمية ذات بُعْدٍ دولي أيضا. فالاتفاقيات بين الحكومة المغربية والحكومة الجزائرية اعترف بها المغرب كما اعترفت بها الدول العربية، ولذلك نقول للجزائر كلاما بسيطا في ما يتعلق بقضية الصحراء:
إذا أردتم التحريض على الانفصال، فلكم ذلك إن بقي هناك مغزى لروابط التضامن في المستقبل، لأننا سنسير إلى النهاية.
فنحن لا نطلب منكم مساندة في قضية الصحراء المغربية؛ ولكننا نطلب منكم الحياد فقط، وأن تتركوا المجال للشعب المغربي ليفعل ما يجب أن يقوم به ليحرر بلاده بيده، مثلما فعل ذلك لأجزاء أخرى من ترابه وبدون مساعدة تأتي من الخارج.

 


بتاريخ : 06/11/2024