371 مليون قطعة سلاح علني تخترق شوارع أمريكا علنا

سنة 2014 سجلت 600 ألف جريمة بالسلاح الناري

 

بلغ سكان الولايات المتحدة عام 2014 حوالي 319 مليون شخص، وبلغ عدد قطع السلاح لدى الأفراد ورجال الشرطة في الولايات المتحدة 371 مليون قطعة. ارتكبت 14249 جريمة قتل في الولايات المتحدة خلال عام 2014 من بينها 9675 بواسطة الأسلحة النارية أي 68 بالمئة من هذه الجرائم. ووقعت 5.9 مليون جريمة عنف في الولايات المتحدة خلال 2014 عشرة بالمئة منها أي حوالي 600 ألف جريمة، كان الجناة يحملون أسلحة بشكل ظاهر عند ارتكابها. 56 بالمئة من جرائم الاعتداء و 30 بالمئة من السرقات و39 بالمئة من جرائم الاغتصاب و 65 من جرائم القتل التي تم إبلاغ الشرطة عنها عام 2014 ارتكبها أشخاص معروفون لدى السلطات القضائية الأمريكية. 31 بالمئة من الأسر الأمريكية كان لديها سلاح في المنزل عام 2014 وهي أدنى نسبة منذ 40 عاما. وفي عام 2011 سقط 33 ألف شخص ضحية جرائم بواسطة السلاح الناري أي بمعدل 268 شخصا في اليوم الواحد. وبلغ معدل ضحايا السلاح في نفس العام أكثر من عشرة أشخاص من بين كل 100 ألف أمريكي، كما أنتج في الولايات المتحدة 5.5 مليون قطعة سلاح فردي وبيع 95 بالمئة منها في السوق الأمريكية، 20 في المئة من مالكي السلاح في الولايات المتحدة يملكون 65 في المئة من الأسلحة الفردية حيث لا يجري التدقيق في السجل العدلي للأشخاص الذين يشترون السلاح من الأفراد.
هي عشرة خصائص لانتشار السلاح في واحدة من أكثر دول العالم استعمالا للسلاح الناري في الداخل والخارج، وهي ربما تجد تفسيرها في عقلية « الكوبوي» والمحارب راعي البقر الذي يكون دوما على استعداد.
و أقر الدستور الأميركي قانون حيازة السلاح  باعتبار ذلك حقا للمواطنين، لتصبح الولايات المتحدة الدولة الصناعية الوحيدة في العالم التي تسمح لمواطنيها بحمل السلاح في ألشوارع وهو أمر متجذر في الثقافة الأمريكية ويندرج هذا القانون في إطار احترام الحرية الفردية، وتعتبر محاولات الحد من الحصول على تلك الأسلحة من المقترحات التي تفقد المرشحين أصوات ألناخبين لكن تزايد أحداث العنف الدامية التي تخلفها حوادث إطلاق النار بشكل فردي داخل المجتمع الأمريكي أدى إلى ارتفاع حدة الأصوات المطالبة بمراجعة التشريعات الخاصة بحيازة الأسلحة.

الجذور تاريخية

في دجنبر الأول 1791 تم اعتماد عشر مواد سميت «وثيقة الحقوق» أضيفت إلى الدستور الأمريكي صاغها جيمس ماديسون المعروف باسم «أبو الدستور» وهي تحمي حق التعبير عن الرأي، وحرية الصحافة، وحق التظاهر. ويستمد الدستور الأمريكي مادة «الحق في التسلح « من القانون الإنجليزي الذي يؤكد أن هذا الحق من الحقوق الطبيعية، وتحمي المادة الثانية من الدستور حق الفرد في امتلاك سلاح لأغراض مشروعة، وهي الدفاع عن النفس داخل المنزل. ويرجع الدافع الأساسي لتأييد هذا القانون حين إصداره إلى القلق الشديد من استبداد الحكومة بالسياسة، خصوصا بعد الحرب الأهلية الأمريكية، واعتبار حمل السلاح الشخصي الحق الأهم لحماية الحقوق الأخرى التي تم اعتمادها في إطار مواد سميت «العشر» . وينص القانون الأمريكي على أن عملية شراء سلاح بشكل قانوني تستلزم تحري مكتب التحقيقات الفدرالي عن بيانات سجل السوابق الجنائية للمشتري.
وتختلف القوانين المتعلقة ببيع الأسلحة من ولاية أمريكية لأخرى، ففي ولاية مثل تكساس مثلا يستطيع الفرد حمل السلاح من دون ترخيص لأن القانون يبيح له ذلك. وعلى الرغم من ذلك هناك الكثير من الطرق للالتفاف على تلك الإجراءات، حيث يمكن شراء الأسلحة والذخيرة عبر مواقع الإنترنت التي تعد سوقا ضخمة بأسعار متدنية، إضافة إلى انتشار تهريب الأسلحة عبر الحدود المكسيكية وعصابات المخدرات المسلحة.
وتدافع مجموعات ضغط أمريكية قوية عن حق امتلاك السلاح الذي يقرره الدستور في مواجهة أي تعديلات قانونية، وتشكل الرابطة الوطنية للأسلحة (أن آر أي) -ومقرها ولاية فرجينيا الشمالية- أقوى تلك المجموعات التي نجحت خلال سنوات طويلة في منع تقييد تجارة الأسلحة. لكن تسارع وتيرة الحوادث المأساوية بسبب استعمال الأسلحة الفردية -والتي ينتج عنها سقوط حوالي عشرة آلاف قتيل أمريكي سنويا- أدى إلى تزايد المطالبات بتشديد القوانين المتعلقة ببيع الأسلحة في البلاد. وكان نص قد أقر في 1993 في الكونغرس ويحمل اسم «قانون برادلي» فرض التدقيق بالسوابق الإجرامية والعقلية قبل بيع أي سلاح، لكن 40% من مبيعات الأسلحة لا يشملها القانون لأنها تجري بين أفراد على مواقع إلكترونية متخصصة تقوم بدور وساطة بين شخصين، ولا يطال القانون سوى التجار الذين يملكون تصريحا بهذه التجارة.

ثغرات

وهناك ثغرات في السجل العدلي الفدرالي للأفراد، فقد اكتشفت جمعية «رؤساء بلديات ضد الأسلحة غير المشروعة» أن ملايين الملفات حول أشخاص مختلين عقليا لم تحول إلى مكتب التحقيقات الفدرالي (أف بي آي).
وأصدر الكونغرس قانونا وقعه الرئيس السابق بيل كلينتون عام 1994 يحظر التصنيع والاستخدام المدني للأسلحة النارية نصف الآلية (الأسلحة الهجومية) لمدة عشر سنوات، وتم تحديد 19 نوعا من الأسلحة النارية وتصنيف مختلف البنادق نصف الآلية والمسدسات والبنادق بأنها أسلحة هجومية، وانتهى ذلك الحظر في سبتمبر 2004، وصدرت دعاوى تطالب بتجديد الحظر.
كما أن المحكمة العليا الأمريكية أصدرت عامي 2008 و2010 قرارا تاريخيا أكدت فيه أن المادة الثانية للدستور تحمي حق الفرد في امتلاك سلاح ناري من دون أن يكون شخصا عسكريا أو مرتبطا بالجيش، في وقت أشارت فيه إحصاءات مكتب التحقيقات الفدرالي إلى أن طلبات الحصول على أسلحة نارية وصلت عام 2012 إلى 16 مليون طلب.
في المقابل، انتقد الرئيس الأمريكي باراك أوباما حرية تملك الأسلحة من خلال دعوته إلى إصدار قوانين تضع شروطا صارمة لبيعها، لكن مجلس الشيوخ رفض في أبريل 2013 مشروع قانون بشأن توسيع التحريات والحصول على السجل العدلي لكل من يرغب في شراء قطعة سلاح عبر الإنترنت أو المعارض.

أسلحة وجرائم

يشير الخبراء إلى أن هناك أكثر من ثلاثمئة مليون قطعة سلاح فردية في الولايات المتحدة، وأن أكثر الأسلحة المستخدمة في حوادث القتل هي البنادق نصف الآلية من طراز»AR-15» والنسخة المعدلة منها طراز «M-16» وطراز»M-4» المتميز بإطلاق النار بسرعات عالية متعددة الجولات، إضافة إلى بنادق من طرازي «AR-15S»، و»غلوك 10 ملم» و»سينغ سوير9 ملم.» ويعد إطلاق النار عام 2012 في مدرسة ابتدائية بمدينة نيوتاون في ولاية كونيتكت – والذي خلف مقتل 27 شخصا من بينهم عشرون طفلا- ثاني أسوأ حادث يقع في مدرسة بتاريخ أمريكا بعد مجزرة فرجينيا تيك عام 2007 حين أقدم الطالب الكوري الجنوبي سونغ هيو شو على قتل 32 شخصا وإصابة 17 آخرين قبل أن ينتحر. وقتل شاب -يدعى جيمس هولمز (24 عاما)- 12 شخصا وأصاب 58 آخرين بإطلاق النار خلال عرض آخر فيلم في مدينة أورورا بولاية كولورادو في يوليوز 2012، وفي أكتوبر  2015 أدى إطلاق نار في كلية جامعية بمدينة روزبيرغ في ولاية أوريغون إلى قتل 13 شخصا وإصابة حوالي عشرين آخرين.

وراء انتشار الأسلحة لوبي كبير ونافذ

ظهرت هذه الجمعية سنة 1871، ما يجعلها من بين أولى جمعيات المجتمع المدني التي تدافع عن حق امتلاك السلاح في الولايات المتحدة، وتمتلك هذه الجمعية نفوذًا كبيرًا يمكنها من التأثير على توجهات أصحاب القرار، حيث لا تتردد في إغداق ملايين الدولارات على أعضاء الكونجرس الأمريكي لضمان دعمهم لحقوق امتلاك السلاح في الولايات المتحدة، ومواجهة كل مشاريع القوانين التي يمكن أن تفرض قيودًا على هذه الحقوق. يترأس آلا ندي كور جمعية البندقية الوطنية في الولايات المتحدة منذ سنة 2015، ويتمتع رجل الأعمال الجمهوري بشبكة واسعة من العلاقات، التي دفعت أكثر من 5 ملايين شخص للانضمام إلى الجمعية التي تعتبر أكبر جمعية أمريكية، ومن بينهم شخصيات سياسية مشهورة في الولايات المتحدة، مثل شوط نوريس ووبي جولدبرغ، وبلغت ميزانية هذه الجمعية 350 مليون دولار في سنة 2013، وهو ما يعني ارتفاعًا كبيرًا مقارنة بالأعوام الماضية، بفضل تطور قيمة التبرعات الفردية.
وتأثرت قيمة التبرعات في السنوات الأخيرة، بالادعاءات التي تدور حول نيّة باراك أوباما، منذ سنوات، فرض قيود على حقوق تجارة الأسلحة وامتلاكها، وقد تزامنت فترة إعادة انتخاب الرئيس الأمريكي في سنة 2012، مع تنفيذ هجوم على مدرسة ساندي هوك، الذي أدى إلى مقتل 20 طفلاً و6 أشخاص آخرين، وأدت هذه الأحداث المأساوية إلى نتائج عكسية، فقد سيطر الخوف على أغلبية الأمريكيين من رغبة الحكومة الفيدرالية في السيطرة على عملية التجارة بالأسلحة، ما أدى إلى التأثير على مواقف العديد من الأمريكيين الذين أصبحوا أكثر تفهمًا لحقوق ملكية الأسلحة، وضرورة الدفاع عن هذا الحق الدستوري.
وتمتلك الجمعية نفوذًا كبيرًا في الكونجرس الأمريكي من خلال التأثير على السلطة التشريعية الفيدرالية في الولايات المتحدة الأمريكية وفي نهاية سنة 2015، عملت مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي على اقتراح مشروع قانون يهدف إلى حظر بيع الأسلحة الفردية على المواطنين خلال تنقلهم من وإلى الولايات المتحدة الأمريكية.
وقد نقلت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية في ذلك الوقت، حقيقة الضغوطات التي مارسها أحد أبرز قادة جمعية «بندقية الولايات المتحدة»، كريس كوكس، إلى جانب مجموعة كبيرة من لوبيات الضغط من أجل دفع أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين للتخلي عن هذه الإجراءات، وقد ذكرت الصحيفة أن كوكس تبادل عشرات الرسائل الإلكترونية والاتصالات الهاتفية بطريقة مكثفة خلال وقت قياسي، كما عملت الجمعية على الدخول في اتصالات مباشرة مع قاعدتها الشعبية الواسعة التي تتكون من عدد كبير من الشيوخ للوقوف في وجه هذا القانون. توصلت هذه الاتصالات المكثفة التي قامت بها لوبيات السلاح في الولايات المتحدة إلى رفض مجلس الشيوخ الأمريكي، بالأغلبية، قرار الحدّ من حريات امتلاك الأسلحة الفردية والمتاجرة بها، وفي المقابل، أثبت سبر للآراء قامت بها إحدى المنظمات الأمريكية خلال تلك الفترة أن أكثر من 90% من الأمريكيين الذين وقع استجوابهم يساندون إقرار حريات إضافية على عملية شراء الأسلحة. وفي شهر يونيو، أعاد النواب الديمقراطيون اقتراح قوانين مماثلة تحد من حرية امتلاك الأسلحة الفردية بعد أحداث أورلاندو التي ذهب ضحيتها قرابة 49 شخصًا، لكن النتيجة لم تختلف كثيرًا، فقد واجه النواب الجمهوريون هذه القوانين بالرفض.

جماعات الضغط، وتمويل الانتخابات: المال والعزف على أوتار الحرب

تستثمر جمعية البندقية الأمريكية وجماعات أخرى ملايين الدولارات سنويًا من أجل ممارسة القوة الناعمة للضغط على أصحاب القرار، وقد ارتفعت نفقات جمعية البندقية الأمريكية بصفة تدريجية منذ انتخاب باراك أوباما في سنة 2009، بعد أن حافظت على نفس النسق لأكثر من 11 سنة، وفقًا لما ذكره مركز السياسة المتجاوبة، وهو مركز غير ربحي وغير حزبي يعمل على مراقبة نفقات الأسلحة الفردية في الولايات المتحدة الأمريكية. وشهدت سنتا 2009 و2013 تطورًا كبيرًا في حجم النفقات بلغت أرقامًا قياسية بعد تجاوزها قيمة 500 ألف دولار، وقد تزامنت هذه الفترات مع انتخاب باراك أوباما رئيسًا للولايات المتحدة في سنة 2009، ثم إعادة انتخابه مرة ثانية في سنة 2013، وفي سنة 2015، أنفقت جمعية البندقية الأمريكية قرابة 3.6 مليون دولار على نشاطات الضغط. جمعية البندقية الأمريكية ليست الجمعية الأمريكية الوحيدة التي تعمل على الدفاع عن حقوق امتلاك الأسلحة في الولايات المتحدة الأمريكية، والتأثير في عملية اتخاذ القرار السياسي في الكونجرس، إن منظمتي حقوق الأسلحة الفردية أو رياضات الرماية الوطنية، من بين المنظمات الأقل شعبية في الولايات المتحدة، لكنها لا تقل تأثيرًا عن بقية المنظمات الأخرى، خاصة في ما يتعلق بحجم الاستثمارات التي تخصصها للضغط على خيارات أصحاب القرار. إن ادعاءات دونالد ترامب التي يتهم فيها خصمه هيلاري كلينتون بالسعي إلى تعديل الدستور الأمريكي للمرة الثانية في تاريخه، يعتبر أمرًا مستبعدًا حتى في حال وصولها إلى البيت الأبيض في شهر نوفمبر، لأن إقرار تعديل مماثل يقتضي المصادقة عليه من طرف ثلاثة أرباع مجالس الولايات، وهو ما لا يمكن أن يتحقق على ضوء الموازنات السياسية الحالية في الولايات المتحدة الأمريكية.


الكاتب : اعداد محمد الطالبي

  

بتاريخ : 06/10/2017