41 سنة، على صدور جريدة « الاتحاد الاشتراكي ».. استمرارية ووفاء للمدرسة الإعلامية الاتحادية في الدفاع عن الوطن

لا يسعنا في هذا المقام، سوى الوقوف، إجلالا، لكل من مر في الصحافة الاتحادية ومن ما زال يحمل المشعل ، والتي هي استمرارية من جريدة ” التحرير” و ” المحرر” و” الاتحاد الاشتراكي ” من صحفيين وعاملين وإداريين، والدعاء بالرحمة والمغفرة لكل  من غادرنا إلى دار البقاء، والصحة وطول العمر لمن لا يزال على قيد الحياة .

فألف تحية للجميع، وشكرا لكل القراء …

تحل يومه الثلاثاء 14 ماي 2024 الذكرى الواحدة والأربعون على صدور العدد الأول بتاريخ 14 ماي 1983، العدد الأول من جريدة “الاتحاد الاشتراكي” كيومية، لتعوض جريدة “المحرر” الممنوعة من الصدور، على إثر الإضراب الذي دعت له الكونفدرالية الديمقراطية للشغل في يونيو 1981.

هذا الحدث الإعلامي الذي خلفه صدور جريدة جديدة باسم جديد، صادرة عن حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في تلك الفترة، بعد الإفراج عن عبد الرحيم بوعبيد الكاتب الأول للحزب وعودة الفريق البرلمان جاء بعد أن عرفت الساحة السياسية في بداية الثمانينات، مواجهة ما بين السلطة والمعارضة بشكل قوي إثر الإضراب العام لسنة 1981 أدى إلى قمع الذي مورس ضد كل المخالفين للنظام السياسي القائم، والزج بهم في المعتقلات السرية والعلنية والقمع الممارس ضد الشعب، حيث تم اعتقال القيادة السياسية يتقدمهم عبد الرحيم بوعبيد والقيادة النقابية يتقدمهم نوبير الأموي.

وقد أسندت الجريدة الجديدة إدارتها لمحمد البريني، ومصطفى القرشاوي المسؤول عن التوجيه السياسي للجريدة، بعد خروجه من السجن بتاريخ 19 نونبر 1983،  وعبد الله بوهلال مهمة سكرتير تحرير، حيث لم يتعدى في بداية الصدور سوى عدد قليل جدا من الصحفيين .

كلمة العدد ” الاتحاد الاشتراكي ” امتداد لـ ” المحرر” بقلم عبد الرحيم بوعبيد 

غابت “المحرر” عن ساحة الكفاح اليومي على إثر أمر تعسفي، طيلة ما يقرب من سنتين، وشعر المناضلون الاتحاديون وعموم الجماهير الشعبية بالحرمان من صوت الصباح الذي كان يعبر عن مطامح الجماهير وعن آلامها، وخاصة الطبقة العاملة وصغار التجار والفلاحين والحرفيين وجماهير الطلبة والشباب والمثقفين الثوريين.

فكان حوارا دائما متواصلا بين “المحرر” وقرائها المتزايد عددهم، حواراً يتناول قضايا الطبقات المستغلة وكفاحاتها من أجل الحرية والكرامة، وإبراز مستوى الحياة الذي يزيد انخفاضاً وتدهوراً بقدر ما تتصاعد أسعار المواد الغذائية الأساسية، حواراً يتناول قضايا البطالة المتصاعدة، سنة بعد سنة، حتى أصبح اليوم ضحايا البطالة يعدون بمئات الآلاف من الرجال والنساء، في المدن والبوادي، حواراً أيضاً يجعل في طليعة اهتماماته، الدفاع عن وحدتنا الترابية وتقييم الوضع الخارجي وتقلباته المتوالية والأخطار التي تهدد كيان المغرب، كأمة ذات تراث تاريخي يمتد طوال القرون، تتوق بإمكاناتها البشرية والثقافية والمادية في أن تكون في طليعة الأمم الديمقراطية بأداء الدور المنوط بها في الساحة العربية والإسلامية، والساحة الإفريقية والدولية بصفة عامة. ومن جملة ما قامت به صحيفتنا المناضلة هو العمل يوميا، يداً في يد، مع إخواننا الفلسطينيين المجاهدين، بهدف تعميق وعي جماهيرنا بالقضية المقدسة وبهدف تعبئة كل ما في استطاعتنا أن نعبئه خدمة للشعب الفلسطيني البطل، حتى أصبح شعار ” وإنها لثورة حتى النصر” شعار جماهير الشعب المغربي بأجمعه. واليوم، وبعد بذل كل المساعي، قررت السلطات المسؤولة أن تظل ” المحرر” صامتة إلى أجل لا ندري في أي زمن سينتهي. وهذا قرار، أقل ما يقال عنه، أنه يتسم بالتطاول على حقنا في أن نختار اللسان المعبر عن رأينا، وعن نضالات حزبنا في مختلف الواجهات، في دائرة احترام الدستور والقوانين المتعلقة بحرية التعبير وممارسة حقوق الإنسان. وأمام هذا الوضع، الذي لا يحتاج إلى وصف، قر عزم حزبنا أن نصدر ابتداء من اليوم، وبصورة مؤقتة، “الاتحاد الاشتراكي” لتكون المعبرة بلغتنا النضالية المعهودة، عن كفاحاتنا وكفاحات الجماهير الشعبية.

فجريدة ” الاتحاد الاشتراكي ” سوف تخاطب مناضلي حزبنا وكافة القراء بنفس الخطاب الذي عهدوه في ” المحرر” ، بل ستكون امتداداً لصحيفتنا المجبورة اليوم على الصمت والغياب. وإذا اخترنا أن يحمل اللسان المعبر عن رأينا ومواقفنا اسم منظمتنا، فذلك لأمر واضح لا يخفى على أي مناضل في القواعد وفي الأجهزة المسؤولة، ولا يخفى على الرأي العام: ستكون ” الاتحاد الاشتراكي ” إذن، اللسان المعبر عن مواقف منظمتنا الصامدة، الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.

فمرحباً إذن بجريدة “الاتحاد الاشتراكي” التي تتعهد على أن تسير على منوال “المحرر”، بل سوف يكون من مهامها العمل على أن يرفع الحظر على “المحرر” زميلة “الاتحاد الاشتراكي” في الكفاح.

محمد البريني يعيد صدور الجريدة في قالب روائي ” الطاحونة ”     

يحكي محمد البريني، أول مدير تحمل مسؤولية المدير، خلفا لمحمد اليازغي، بعد صدور جريدة ” الاتحاد الاشتراكي ” معوضة جريدة ” المحرر ” الممنوعة، بعد صدور الجريدة للعدد الأول بتاريخ 14 ماي 1983.

يقول محمد البريني، اتصل بي محمد اليازغي، مدير الجريدة الممنوعة، هاتفيا بمنزلي، يخبرني بالتحضير لصدور الجريدة بعد أن تلقىعبد الرحيم بوعبيد الكاتب الأول للحزب، الضوء الأخضر للعودة إلى قرائها، مع تغيير الاسم  من ” المحرر ” إلى ” الاتحاد الاشتراكي”، وأن أضع تصريحا باسمي لدى المحكمة من أجل إصدار جريدة ناطقة باسم التنظيم، وأكون أنا مديرا للنشر.

يقول محمد البريني، في رواية ” الطاحونة “:  ” حل يوم التقرير في طبيعة جريدة التنظيم الجديدة وخط تحريرها ومهامها، وتاريخ صدورها. كان يوما دافئا من أيام شهر ماي. كانت حركة السير في الشارع الذي يمر أمام المقر عادية. كان صفير القطار يعلو بين الفينة والأخرى، ويخترق نوافذ المكاتب التي عادت لاستقبال جزء من العاملين السابقين في الجريدة الممنوعة. لم تكن تحركات رجال الاستعلامات العامة في محيط المقر مستفزة كما كانت في السابق. اختفى رجال الأمن بالزي الرسمي. كانت الأوضاع تبدو هادئة وتوحي بالاطمئنان. رغم ذلك كان الداخلون إلى المقر والخارجون منه يكثرون من الالتفات ذات اليمين وذات الشمال للتأكد من أنهم غير مراقبين. كان عمال المطبعة منهمكين في تنظيف الآلات، وإصلاحها، واستبدال قطع الغيار التي تآكلت بفعل الرطوبة والتوقف عن الحركة لفترة طويلة تجاوزت العامين. انزوى المحررون في أحد المكاتب وطفقوا يتبادلون أخبار بعضهم البعض، وأخبار زملائهم القدماء، في انتظار افتتاح الاجتماع مع قيادة التنظيم. كانوا مجموعة صغيرة مكونة من أولئك الذين قبلوا العودة للعمل في صحيفة التنظيم. بعضهم كان قد غادر المدينة  والتحق بقريته، حيث انخرط مع أهله في أعمال التجارة أو الفلاحة، منتظرا رفع المنع عن جريدته. وبعضهم عاد لمهنته السابقة وبعضهم غير الحرفة وقطع علاقته بالصحافة. بعضهم ظل عاطلا عن العمل، يعيش في حضن أسرته التي توفر له المأكل والكساء والمسكن وبعضهم اعتقد أن الجريدة لن تعود إلى الصدور، فبحث عن عمل في منبر صحفي آخر، لكنه اصطدم برفض منهجي لأنه كان ينتمي لتنظيم سياسي منافس أو معارض؛ بالنسبة للمنابر المنتمية للأحزاب يشترط أن يكون صحفيوها مناضلين معترفا بهم من طرف الأجهزة القيادية، ولا يقبل ضم صحفي قادم من منبر حزب منافس. بالنسبة لوسائل الإعلام الحكومية لا يوجد مكان لصحفي يحمل أفكارا معارضة أو اشتغل في منبر تصدره منظمة معارضة سواء كانت سياسية أو نقابية أو جمعوية . لذلك كان مشروطا على الصحفيين أن يختاروا الولاء لجهة من الجهات والولاء هو معيار الاختيار قبل المهنية والكفاءة.

حضرت القيادة بكامل أعضائها. لم يغب سوى عبد الرحيم بوعبيد الذي كان

في مهمة وطنية مستعجلة. وحددت موضوع الاجتماع في أمرين اثنين:

الأمر الأول، إطلاعها على آخر الترتيبات المادية والبشرية والتنقية لانطلاق الصدور، وهو ما قمت به بشيء من التفصيل حيث تبين أن الانطلاق العملي بات ممكنا في أي لحظة تقررها القيادة.

صحيح أن الإمكانيات كانت هزيلة وكان طاقم التحرير أضعف مما كان عليه في السابق، ولم يكن يضم سوى الصحفيين الذين تم الاتصال بهم وعبروا عن استعدادهم للعودة إلى خوض غمار العمل الصحفي، وكان عدد هؤلاء (صحفيين ومصححين) لا يتعدى عدد أصابع اليدين. لكن كان لا بد من إصدار الجريدة، حتى بهذا الحجم الضئيل. فلا يمكن الانتظار حتى تتوفر كل الشروط الملائمة. لقد كانت البلاد على أبواب استحقاقات حلت مواعيدها، وكان التنظيم عازما على خوضها، لأنه كان يعول عليها لاستعادة إشعاعه. لذلك كان من اللازم أن تكون أداته الإعلامية حاضرة في المعركة.

الأمر الثاني، المطروح في الاجتماع، هو إبلاغ طاقم التحرير توجيهات التنظيم، وتصوره لما ينبغي أن تكون عليه الجريدة الجديدة. كانت تهم الخط العام للجريدة، ثم مهام المرحلة التي كانت تتسم بقرب الانتخابات.

وفي اجتماع عبد الرحيم بوعبيد مع هيئة التحرير، قال أمامهم، ” تتبعت عملكم ومجهوداتكم بكثير من الاهتمام. ولا أخفيكم أنني كنت قلقا جدا قبل وعند انطلاق الجريدة. لكن سرعان ما شعرت بالاطمئنان. فمنذ الأعداد الأولى لاحظت مدى جديتكم، وتفانيكم وحرصكم على تبليغ صوت منظمتنا التي لم تخرج بعد من المحنة، رغم بعض الانفراج، إلى أوسع الفئات من شعبنا. لذلك أريد أن أنوه بما تقومون به، وأشكركم عليه، كما أريد أن أبلغكم تحيات وتشجيعات القيادة، وأطلب منكم مواصلة العمل بنفس الروح والجدية والحماس…”.

الإعلامي عبد الرزاق معنى السنوسي يحكي عن هذه التجربة

بعد غياب جريدة “المحرر” عن الساحة الإعلامية، قرر الحزب إصدار جريدة باسم: الاتحاد الاشتراكي.

أذكر أنني كنت أشتغل كاتب محام بمكتب النقيب الأستاذ عبد الرحيم بنعبد الجليل.

وبعد إخباري ببعض اللقاءات الأولى التي كانت بمنزل الأخ محمد البريني، قررت أن أغادر مكتب النقيب لألتحق بالجريدة.

حين التحقت بمقر الجريدة في الأسبوع الأول من ماي 1983، وجدت محمد الشافعي ملوك مدير إداريا وماليا، وبعض أعضاء هيئة التحرير أذكر من بينهم:

محمد البريني، عبدالله بوهلال، قانية عبدالله، المهدي الودغيري، عمر المدن، عبد القادر الحيمر، نبزر محمد، أحمد الصبار، عبد الحميد بنداود، إدريس الخوري…

كان الفقيد عبد الرحيم بوعبيد هو من كلف محمد البريني بتحمل مسؤولية إدارة الجريدة. وكان العدد الأول بتاريخ 15 ماي 1983، كتب فيه عبد الرحيم افتتاحية تحت عنوان: الاتحاد الاشتراكي امتدادا للمحرر.

بعد خروج مصطفى القرشاوي من السجن سيلتحق بالجريدة كرئيس للتحرير، وشغل عبدالله بوهلال مهمة سكرتير تحرير.

التحق بالجريدة الشاعر العياشي أبوالشتاء ليشرف على الصفحة الثقافية والفنية وبعدها أشرف على صفحة “على الطريق”، ثم الشاب مصطفى الطنشي الخطاط يخطط بعض العناوين للجريدة، وبعده الخطاط محمد فهمي، ثم المصور أحمد كنز المتعاون الذي يعد من قيدومي المصورين بالمحرر، ومصطفى النعيمي، ومحمد اشيبان، ومنبي وسعودي، ثم التحق الطيب هنودة، وعبد النبي الموساوي، وزوليخا، وفي ما بعد الطاهر الجميعي.

التحق أيضا بالجريدة محمد عليوات الملقب بحمودة فنان ورسام ساخر بالجريدة، ثم نجية بطل، نورالدين مفتاح، عبد الرحيم أريري، يونس مجاهد ، محمد الأشعري، أحمد المديني، محمد باهي، عبد الله رشد، حسن نجمي، لحسن لعسبي، محمد خيرات، العراقي مصطفى، جبران خليل، الهادن الصغير، محمد ليدام، عبد الرزاق لبداوي، عبد الرزاق مصباح، محمد بهجاجي ، أحمد صبري، عبد الحميد جماهري، سعيد عاهد،  فؤاد البهجة، عبد الكريم لمراني، محمد بوعبيد ، خالد مظفر، البلغيثي الرجراجي، أحمد العباسي، المرحوم المختار الزياني، فاطمة الطويل، جمال الملحاني، حميد بنواحمان، سعيد منتسب، عزيز الساطوري، بوغالب العطار، العربي رياض، إدريس البعقيلي، المرحوم يوسف هناني،عماد عادل،عبد الله أوسار، عزيز الحلاج، حفيظة الفارسي، جلال كندالي، محمد الطالبي، عزيز بلبودالي، بديعة الراضي، خالد المختاري، محمود عبد الغني، محمد رامي، عبد الصمد الكباص، مبارك البومسهولي، محمد دهنون، إبراهيم العماري، المصطفى الإدريسي، وحيد مبارك، خديجة مشتري، سهام القرشاوي، المهدي المقدمي..

 

 


الكاتب : مصطفى الإدريسي

  

بتاريخ : 14/05/2024