5 أسئلة للمحلل النفسي والكاتب المغربي جليل بناني

الدروس الممكنة التي يجب استخلاصها من جائحة كورونا

 

دعا المحلل النفسي والكاتب المغربي جليل بناني إلى ضرورة استخلاص كل الدروس الممكنة من هذه الأزمة، الناتجة عن جائحة فيروس كورونا، الذي تضرب اليوم العالم بأسره، على الأصعدة الصحية والبيئية والأنظمة الاقتصادية وطبيعة الأوبئة.
وقال المحلل المغربي، في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء، “يجب تخيل آفاق ومشاريع، وتنفيذ القرارات التي تم اتخاذها خلال فترة الحجر الصحي. الحالة النفسية لديها قدرة كبيرة على التكيف ولكن وقت تغير العقليات هو وقت طويل”.
وبخصوص فترة ما بعد الحجر الصحي، شدد مؤلف كتاب “محلل نفساني في المدينة”، على أن “الإعلان عن المواعيد النهائية دائما ما يكون مصدر ارتياح”، في حين أن “عدم اليقين يثير المخاوف، الفوضى والمخاوف والاكتئاب. الكائنات البشرية تحتاج إلى رؤية الأفق”.
وعن الأثر النفسي للوضع الحالي، أشار السيد بناني إلى أن “الغالبية العظمى من المغاربة استعدوا لهذا الوضع”، فالغموض والخوف من الإصابة بالمرض القاتل، أيقظت مشاعر غريزة الحياة، ودفعت المواطنين إلى الالتزام بالضرورة الأولوية والتي هي حماية أنفسهم.
وفي معرض حديثه عن شهر رمضان الفضيل، الذي تزامن هذه السنة مع حالة الطوارئ الصحية والحجر، لاحظ المحلل النفسي أن العديد من المغاربة يعتبرون هذا الحجر فرصة لممارسة العبادات الدينية بشكل كامل باتباع تعليمات القرآن الكريم والأحاديث النبوية، ودون الحاجة للاجتماع، فيما “يعيش آخرون هذه الحالة كحرمان من الجو الجماعي ويستشعرون الحاجة إلى حضور الجماعة، ويواسون أنفسهم بذكيرها أن الأمر يتعلق بمجرد مرحلة عابرة”.
وبخصوص عادة الخروج بعد الإفطار، لاحظ الاختصاصي أنه بالنسبة للشباب، الذين اعتادوا على الخروج لتغيير الأجواء والاحتفاء والتدخين ولقاء الأصدقاء، يمكن أن يكون الحجر في الوسط العائلي مصدرا للتوتر والصدام، معتبرا أنه بدءا من سن المراهقة تظهر على الشباب رغبة في إثبات الذات والاستقلالية والتحرر، وهي الأمور التي تعد شبه مستحيلة خلال هذه الفترة.
وللتخفيف من الأثر النفسي، اعتبر المحلل النفسي المغربي أن هذه الجائحة كشفت شخصية الأفراد ومستوياتهم المعرفية ومدى نضجهم وتماسكهم من هشاشتهم النفسية. لقد ضخمت ما كان قائما من قبل أو قل أظهرت ما كان مستترا، داعيا إلى تجنب الشجار واحترام ما أمكن أوقات وفضاءات حرية الآخرين، وعدم التسرع باتخاذ قرارات شخصية وطلب الاستشارة من طرف المختصين في مجال الصحة.
من جانبهم، يضيف السيد بناني، على الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات نفسية أن يبقوا على اتصال قريب بمعالجيهم، لا سيما وأن الوسائل التكنولوجية تسمح بإجراء فحوصات عن بعد، والاستماع لمشاغل ومخاوف الناس من الإصابة بالفيروس
وخلص إلى عدم انتظار أن ينهار الإنسان تحت ضغط المشاعر والقلق وحالات الكآبة لطلب المساعدة.
و في ما يلي خمسة أسئلة موجهة للمحلل النفسي والكاتب المغربي بخصوص مختلف التحديات ذات الصبغة النفسية التي يواجهها معظم المغاربة خلال شهر رمضان الفضيل، والذي يتزامن هذا العام مع الظرفية الخاصة للحجر الصحي المفروض بسبب جائحة فيروس كورونا المستجد الذي يضرب العالم بأسره.

1- هذا العام، بدأ رمضان الذي يعني في العادة العبادات الجماعية والتجمعات تحت وطأة الحجر الصحي. كيف تنظرون إلى الأثر النفسي لهذا الوضع على المجتمع المغربي ؟
استعد المغاربة، في غالبيتهم، لهذا الوضع. منع التجمعات الدينية خلال رمضان، الذي يعد وضعا غير مسبوق، جاء في إطار استمرارية إغلاق المساجد الذي انطلق منذ بدء الحجر الصحي. على المستوى النفسي، أيقظت مشاعر الغموض والخوف من الإصابة والوعي بالخطر القاتل غريزة الحياة ودفعت المواطنين إلى الالتزام بالضرورة الأولوية والتي هي حماية أنفسهم.
وتختلف الأوضاع من أسرة إلى أخرى، ومن وسط اجتماعي إلى آخر، ومن شخصية إلى أخرى. الشراسة التي وقع بها الوباء وضعت الأكثر حساسية في حالة من الدهشة والخوف اللتين تميزان حالات الإجهاد الناجم عن الصدمات. كثير من المؤمنين يرون في هذا الحجر فرصة لممارسة العبادات الدينية بشكل كامل باتباع تعليمات القرآن الكريم والأحاديث النبوية ودون الحاجة للاجتماع. آخرون يعيشون هذه الحالة كحرمان من الجو الجماعي ويستشعرون الحاجة إلى حضور الجماعة ويواسون أنفسهم بتذكريها أن الأمر يتعلق بمجرد مرحلة عابرة. وهناك طبعا من لم يكونوا يشاركون من قبل في الصلوات الجماعية ومن ثم فلا ينشغلون إلا بالحجر في حد ذاته.

2- في العادة يلتقي الناس في المساء لتقاسم لحظات سعيدة والإفطار معا، وهو الأمر الذي صار متعذرا اليوم. ما هو أثر ذلك على الأشخاص الذين يمضون فترة الحجر وحيدين ؟
السعادة تختلف من إنسان لآخر. في العادة، تسمح الخرجات الأسرية أو مع الأصدقاء بتجديد الروابط الاجتماعية والدخول في معاملات في الأماكن العمومية. البعض قرروا قضاء رمضان مع أسرهم بسبب حظر التنقل الذي لا يسمح لهم بالعودة إلى منازلهم بعد الإفطار. ويمكنهم بالتالي البقاء قريبين من آبائهم وأمهاتهم خاصة المتقدمين في السن. بالنسبة لمن لا يحتملون العزلة ويعيشون لوحدهم، الوضع يكون غير محتملا والانتظار طويل جدا. بالنسبة للشباب الذين اعتادوا على الخروج لتغيير الأجواء والاحتفاء والتدخين ولقاء الأصدقاء يمكن أن يكون الحجر في الوسط العائلي مصدرا للتوتر والصدام. بدءا من سن المراهقة تظهر على الشباب رغبة في إثبات الذات والاستقلالية والتحرر وهي الأمور التي تعد شبه مستحيلة حاليا. هناك أيضا أعراض الإقلاع أو الانقطاع بالنسبة للأشخاص الذين يدمنون على المخدرات، علما أن كل ما يجري خارج البيت سيصبح مكشوفا أمام أنظار الآباء.

3- ما هي الحلول التي تقترحونها للتخفيف من الآثار النفسية المرتبطة بهذا الوضع خلال رمضان ؟
بخصوص الشق النفسي، فقد كشفت الجائحة شخصية الأفراد ومستوياتهم المعرفية ومدى نضجهم وتماسكهم من هشاشتهم النفسية. لقد ضخمت ما كان قائما من قبل أو قل أظهرت ما كان مستترا. من كانوا يعيشون رمضان بلا مشاكل لا يزالون يحافظون على طابع الهدوء نفسه خلال هذه الفترة. من كانت تظهر عليهم علامات القلق والتمرد والغضب يمكن أن تزداد وتظهر بتجليات مختلفة: اضطرابات نفسية جسمانية، وزيادة الفحوصات الطبية، والأرق والشجارات العائلة ومحاولات الانتحار.. في أفضل الحالات، في حال ظلت الأعراض تحت السيطرة، يمكن أن تعاود الظهور في وقت لاحق. أمام هذه المخاطر تتمثل الخطوات الوقائية في تجنب الشجار واحترام ما أمكن أوقات وفضاءات حرية الآخرين، وعدم التسرع باتخاذ قرارات شخصية وطلب الاستشارة من طرف المختصين في الصحة.

4- بماذا تنصحون الأشخاص الذين يخضعون لمواكبة من طرف مختصين والذين يعانون من اضطرابات نفسية ؟
من الضروري أن يبقى الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات نفسية على اتصال قريب بمعالجيهم. ولحسن الحظ، تسمح الوسائل التكنولوجية بإجراء فحوصات عن بعد والاستماع لمشاغل ومخاوف الناس من الإصابة بالفيروس. لا يجب إذا انتظار أن ينهار الإنسان تحت ضغط المشاعر والقلق وحالات الكآبة لطلب المساعدة. لا يجب التردد في طلب المعلومات والاستشارة واللذين سيكونان أكثر ملاءمة إن كانا قادمين من طرف المعالجين الذين يعرفون مرضاهم.

5- كيف يمكن الاستعداد منذ الآن لما بعد الحجر الصحي ؟
إعلان الآجال الزمنية يكون دائما مصدرا للارتياح. الغموض يغذي المخاوف والاضطراب والقلق والكآبة. البشر في حاجة إلى رؤية أفق أمامهم، إلى التفكير في القادم. يجب تصور آفاق ومشاريع وتنفيذ القرارات المتخذة خلال فترة الحجر. تمتلك النفس قدرات كبرى على التأقلم لكن زمن تغيير القناعات زمن طويل. القبول الفكري بفكرة ما لا يكفي لوحده، إذ لا بد من زمن لاستدماج الأفكار الجديدة حتى تتمكن التغيرات من الثبات والاستمرار. يجب أخذ كافة العبر الممكنة من هذه الأزمة على كافة المستويات الصحية والبيئية والاقتصادية والوبائية. الوعي بالماضي يسمح باستيعاب المستقبل بشكل أفضل.


الكاتب : إعداد : سعد بوزرو

  

بتاريخ : 04/05/2020