50 سنة مرت على رحيل أم كلثوم التي استحقت لقب سيدة الطرب العربي

يحل يوم الإثنين 3 فبراير 2025 الذكرى الـ50 لرحيل سيدة الطرب العربي كوكب الشرق أم كلثوم، التي كانت سيدة زمانها بلا منازع كمبدعة ومطربة وهرم من أهرامات الأغنية العربية.
غنت وأطربت وشنفت الأسماع داخل مصر وخارجها بمطولاتها الرائعة التي لن تبلى ولن تمحوها الأزمنة. برزت في وقت كانت أرض الكنانة تعج بالأساطين والنجوم الذين خلدوا أرصدة فنية في مجالات الغناء والسينما والمسرح ومختلف الفنون.
لم يكن لها صوت واحد فقط، بل أصوات ذات طبقات مختلفة بمواصفات تنفرد بها. وقد تم تأليف كتاب بعنوان «أم كلثوم معجزة صوت» لمؤلفته رتيبة الحفني. غنت ما هو عاطفي ورومانسي ووطني وديني وروحي. غنت للشعب وأدت الأدوار والمواويل والطقطوقة والقصيدة الفصيحة والعامية. غنت لشعراء كبار مثل أحمد شوقي وبيرم التونسي وأحمد شفيق كامل وأحمد رامي وإبراهيم ناجي ومرسي جميل عزيز والهادي آدم وغيرهم. ولحن لها موسيقيون من العيار الثقيل مثل رياض السنباطي والشيخ زكريا أحمد ومحمد القصبجي وسيد مكاوي ومحمد عبد الوهاب وبليغ حمدي ومحمد الموجي.
حول تاريخ ميلادها، هناك تضارب بين ثلاث تواريخ: 1898 و1900 و1904.
وُلدت في قرية طماي الزهايرة، ومنذ صباها كانت ترافق والدها إبراهيم البلتاجي، الذي كان منشدا دينيًا، وكانت تؤدي القصائد الدينية والروحية. وفي إحدى المناسبات، حضر الشيخ محمد أبو العلا، المشهور ببراعته في الغناء والتلحين، فانبهر بصوت أم كلثوم وطريقة إنشادها، ونجح في إقناع والدها بأن تلتحق بالقاهرة نظرا لموهبتها.
كانت بدايتها مع الأغاني الدينية، واستمرت مسيرتها برفقة والدها حتى اختارت الاستقرار في القاهرة عام 1923. وكان أبو العلا يسند لها بعض القصائد، وكان أداؤها لقطعة «الصب تفضحه عيونه» للشاعر أحمد رامي بمثابة بداية قوية في تعاملها معه ومع أبو العلا. وتواصلت الحلقات الفنية حيث دخل على الخط الموسيقار الكبير محمد القصبجي بعدما سبق أن تعاملت مع أحد الأساطين، وهو داوود حسني، في أداء الأدوار.
أداؤها للمونولوج الغنائي «لو كنت أسامح وأنسى الأسية»، الذي تعاملت فيه مع الثنائي رامي والقصبجي، مكنها من التفوق. ونظرا لهذا التألق الذي بلغته، قامت بتجريب التلحين، لكنها لم تلق النجاح المطلوب، تلتها محاولة أخرى باءت بالفشل أيضا.
كان الشيخ زكريا أحمد يراقب هذه الموهبة ويعمل على صقلها من خلال قصائد كان يرغب في تلحينها.
في أواسط الثلاثينيات، دخلت غمار التمثيل في مجموعة أفلام مثل «نشيد الأمل» و»عايدة» و»وداد». هذا الأخير هو الذي اختارته مجموعة من رياضيي مدينة الدار البيضاء لإطلاقه على فريق نادي الوداد الرياضي سنة 1937. وبرز الشيخ زكريا في تلحين العديد من أغاني أم كلثوم من شعر بيرم التونسي، موازاة مع استمرار تعاملها مع الثنائي رامي والسنباطي. هذا الأخير لحن لها العديد من الروائع التي سنعود إليها. ليظهر منافس للسنباطي وهو محمد الموجي.
مع مطلع الستينيات، حصل بعض الفتور في العلاقة بين السنباطي وأم كلثوم نتيجة بعض الخلافات، ليأتي دور موسيقار شاب آخر هو بليغ حمدي، فجاء التجديد الموسيقي بإدخال آلات جديدة، وكان تلحينه لمجموعة من القطع نقطة تحول في مسيرتها.
الحياة الفنية في مصر عرفت تأخر الموسيقار محمد عبد الوهاب عن التعامل مع أم كلثوم، حيث كانت المنافسة بينهما على أشدها. وفي سنة 1964، تدخل الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر لإصلاح ذات البين، وكانت الثمرة لقاءً بين الهرمين، فلحن لها العديد من القطع.
في أواسط الستينيات، شهدت العلاقة تصالحا بين أم كلثوم والسنباطي، أثمر تلحين رائعة «الأطلال» التي تعد من بين أحسن ما غنت.
سنة 1968 قامت بزيارة للمغرب، حيث عاشت قصة مع القطعة الدينية «يا رسول الله خذ بيدي» التي لحنها عازف القانون صالح الشرقي. أعجبت بها أيما إعجاب وتأثرت بها، مشدوهة بكلماتها ولحنها. وفي حفل رسمي، شاركت المجموعة الموسيقية في أدائها في جو من الخشوع، حيث ظلت تردد «يا رسول الله أغثنا… أدركنا…»، وقد سجلت هذه الأغنية فيما بعد بصوتها. وهكذا أدت لأول مرة أغنية مغربية في سابقة في تاريخها الفني، وأول مرة تغني مع جوق غير الجوق المصري.
خلال مسارها الحافل، أدت العديد من الروائع، نذكر بعضها:
1»على بلدي المحبوب»، «إن كنت أسامح»، «مصر تتحدث عن نفسها»، «الرباعيات»، «سهران لوحدي»، «النيل»، «ذكريات هجرتك»، «أقبل الليل»، «دليلي احتار»، «عودت عيني على رؤياك»، «من أجل عينيك»، «قصة الأمس» من ألحان رياض السنباطي.
2. «أهل الهوى»، «الأولى في الغرام»، «أنا في انتظارك»، «الهوى غلاب» من ألحان الشيخ زكريا.
3. «للصبر حدود»، «اسأل روحك» من ألحان محمد الموجي.
4. «حب إيه»، «ظلمنا الحب»، «ألف ليلة وليلة»، «بعيد عنك»، «فات الميعاد» من ألحان بليغ حمدي.
5. «أنت الحب»، «أمل حياتي»، «دارت الأيام»، «هذه ليلتي»، «فكروني»، «أنت عمري»، «على باب مصر»، «غدًا ألقاك» من ألحان محمد عبد الوهاب.
6. «يا مسهرني» من ألحان سيد مكاوي.
الأغاني الدينية كانت حاضرة بقوة، منها: «ولد الهدى»، «سلوا قلبي»، «الرضا والنور»، «حقك أنت المنى والطلب»، «القلب يعشق كل جميل»، «يا ليلة العيد» التي ارتبطت بالأعياد الدينية، و»يا رسول الله خذ بيدي».
ومن أغانيها التي لاقت إعجابًا كبيرًا: «هذه ليلتي»، وهذه بعض أبياتها:
«هذه ليلتي وحلم حياتي
بين ماضٍ من الزمان وآتِ
الهوى أنت كله والأماني
فاملأ الكأس بالغرام وهاتِ
بعد حين يبدل الحب دارًا
والعصافير تهجر الأوكار
وديار كانت قديمًا ديارًا
سنراها كما نراها قفارًا
سوف تلهو بما الحياة وتسخر
فتعالَ أحبك الآن أكثر
والمساء الذي تهاوى إلينا
ثم أصغي والحب في مقلتينا…
لسؤالٍ عن الهوى وجوابٍ
وحديثٍ يذوب فى شفتينا
قد أطال الوقوف حين دعاني
ليلمّ الأشواق عن أجفاني….»
هذه القطعة من شعر جورج جرداق، وألحان محمد عبد الوهاب.
رحلت أم كلثوم إلى دار الخلود يوم 3 فبراير 1975، رحمها الله.


الكاتب : علي أوراري

  

بتاريخ : 04/02/2025