كشف عنها محمد عبد النباوي الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية
رقم ثقيل كشف عنه في الرباط خلال المناظرة الوطنية الأولى حول «تدبير منازعات الدولة والوقاية منها»، إذ بلغ عدد القضايا التي تكون الدولة طرفا فيها سنويا حوالي 60 ألفا، كلفت خزينة المملكة 3.5 مليار درهم سنة 2023 فقط، حسب ما أعلنه محمد عبد النباوي، الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية.
رقمٌ يبعث على القلق ويعكس خللا مزمنا في منظومة تدبير النزاعات، لم يعد ممكنا تجاوزه بمنطق التدخل بعد نشوء الأزمة.
عبد النباوي، الذي تحدث بالنيابة عنه منير المنتصر بالله، لفت إلى أن الغالبية الساحقة من هذه النزاعات ترتبط بمسؤوليات الدولة، وتنفيذ العقود، والإدارة الترابية، وقضايا الاستثمار والشغل، لكن المعضلة لا تكمن فقط في كثرة الملفات، بل في توقيت إحالتها، إذ لا تصل ثلثاها إلى الوكالة القضائية إلا في مراحل متأخرة، ما يجهض إمكانيات الحلول الاستباقية، ويحمل الدولة كلفة مالية غير ضرورية.
وكشف الرئيس المنتدب أن 70% من المنازعات العقارية والإدارية ناتجة عن عدم تطابق القرارات الإدارية مع النصوص القانونية، وهو ما يفضح ضعفا في التنسيق بين الأجهزة الإدارية، واختلالا في آليات التخطيط والمواكبة القانونية. لذلك لم يتردد في اعتبار أن تدبير المنازعات لم يعد ترفا تقنيا، بل أصبح ضرورة دستورية ملحة ترتبط مباشرة بجاذبية الاستثمار ونزاهة التسيير العمومي.
هذه الوضعية دفعت المجلس الأعلى للسلطة القضائية إلى مباشرة رؤية استراتيجية جديدة، تهدف إلى تجويد العمل القضائي في المادة الإدارية، بتعزيز التخصص القضائي، وتكوين القضاة، وتسريع آجال البت، دون المساس بضمانات المحاكمة العادلة. كما تم إحداث منصات رقمية، مثل “مواكبة” ومراكز نداء قانونية، لتقديم الرأي القانوني قبل وقوع النزاع، في محاولة للانتقال من منطق الدفاع إلى منطق الوقاية.
مشروع المخطط الاستراتيجي للوكالة القضائية للمملكة 2024-2028 يجسد هذا التحول، من خلال خلية لليقظة القانونية، وتوحيد الرؤية بين القطاعات الحكومية، وتفعيل قنوات التواصل مع القضاء، وهي خطوات وصفها عبد النباوي بالجريئة، لكنها تظل دون جدوى إن لم ترفق بثقافة التوقع القانوني، واحترام المساطر، وتحمل المسؤولية في القرار الإداري.
ولأن الأرقام لا تكذب، فإن كل درهم يهدر في نزاع كان يمكن تفاديه، هو درهم مسلوب من قطاع الصحة أو التعليم أو البنية التحتية. لذلك، يرى عبد النباوي أن ترشيد منازعات الدولة ليس فقط آلية لحماية المال العام، بل أحد مفاتيح استقرار الاستثمار، وضمانة من ضمانات دولة الحق والقانون.