63 سنة من تاريخ اتحاد كتاب المغرب : المؤتمر 16 ينتخب عبد الحميد عقار رئيسا

اتحاد كتاب المغرب: مؤسسة المستقبل

اختتم المؤتمر السادس عشر لاتحاد كتاب المغرب أشغاله التي انطلقت يوم الجمعة 25 فبراير 2005 وسط اهتمام إعلامي وحضور لعدد من الكتاب والفعاليات والمهتمين بالشأن الثقافي، بانتخاب الأستاذ عبد الحميد عقار رئيسا.
وكانت الجلسة الختامية التي امتدت إلى غاية الساعات الأولى من الصباح، قد عرفت انتخاب 11 عضوا للمكتب المركزي للاتحاد وهم: عبد الحميد عقار (150 صوتا) عبد الرحيم العلام، ادريس الملياني، ثريا ماجدولين، محمد بهجاجي، رشيدة بنمسعود، أحمد شراك ،عبد الفتاح الحجمري ومصطفى النحال.
وكان المؤتمر قد انتخب أيضا أعضاء المجلس الإداري وعددهم 15 من أصل 19 مرشحا.
وقد قدم المؤتمر وثيقة هامة للمؤتمرين ترصد أهم مراحل الاتحاد والمخاضات التي عاشها في إطار انخراطه في بلورة أسئلة الثقافة والسياسة والإبداع في فكرنا المعاصر. مع ضمان استقلاله واستقلاليته، وهو ما أهله للمساهمة في إنتاج الموقف الثقافي الداعم لخيارات سياسية ثقافية محددة، وهي الوثيقة التي رامت التفكير في تجربة الاتحاد بصورة جديدة قصد رسم المعالم الكبرى لآفاقه ووظائفه في مطلع الألفية الثالثة.

1

اختار الاتحاد منذ بداياته في مطالع الستينيات أن يشكل الفضاء المؤسسي القادر على ترجمة إرادة أعضائه. واختار أعضاؤه
أن يكون إطارهم المعبر عن إرادتهم الجمعية في تصريف وترتيب أنشطتهم وأنماط حضورهم الرمزي في المجتمع .وخلال مسيرة الاتحاد تقترب اليوم من نصف قرن من أن نكتشف أن أمام سجل من سجلات الفعل الثقافي الملتزم . إن الاتحاد كما قلنا
اختار بفضل المؤسسين من أعضائه أن يكون فضاء للدفاع عن قيم التاريخ والحرية والمستقبل. وفي مختلف المخاضات التي نشأت وتطورت خلال عقوده الأولى، نقف على صور انخراطه في بلورة أسئلة الثقافة والسياسة والإبداع في فكرنا المعاصر. لقد اختار الاتحاد استقلاله واستقلاليته، وساهم في إنتاج الموقف الثقافي الداعم لخيارات سياسية ثقافية محددة، بل إنه حرص على الالتزام بالقيم التي رأى أنها الأقرب الى آمال وطموحات المغاربة، وهم ينخرطون في المعارك السياسية والثقافية الدائرة بصور متعددة ومختلفة داخل مجتمعهم.
لم يكن هذا الاختيار سهلا. وعندما نتأمل تاريخ الاتحاد نتبين أنماط التفاعل التي أقام مع مختلف الصراعات التي كانت تدور في قلب المجتمع المغربي، ولأننا لا نستطيع بأي حال من الاحوال أن نفصل تاريخ اتحاد كتاب المغرب عن صيرورة مغرب ما بعد الاستقلال في أبعادها السياسية والثقافية. فإنه لا يمكننا أن نفكر في حاضر ومستقبل الاتحاد خارج هذا الإطار المجتمعي العام.(…)

2

رسمت استقلالية الاتحاد صورة معينة لخياراته ومواقفه. وراكم الاتحاد خلال تاريخه جملة من المواقف المعبرة عن مواقفه من مختلف تحولات المشهد الثقافي
والسياسي في مجتمعنا.
ولهذا السبب نستطيع أن نتحدث هنا دون تردد عن الاستقلالية الرامية إلى بناء التصورات والمواقف المساعدة في عملية كسر القيود المكبلة لآمال وطموحات المغاربة في استكمال تحررهم. فقد كان الاتحاد يعلن دائما، سواء في البيان العام لمؤتمراته، أو في مواقفه من التحولات الجارية في بلادنا أو في العالم، عن خيارات سياسية ثقافية معينة، خيارات انحازت لقيم بعينها. لهذا نكتشف فى بياناته ومواثيقه وبرامج عمله، المعطيات الدالة على نوعية المؤسسة الثقافية التاريخية التي بنيت بفضل جهود أعضائه. (…)
ورغم التناقضات الكبيرة والصراعات العنيفة التي تلاحقت في مجتمعنا المعاصر، فقد حرص الاتحاد، طيلة العقود الأربعة التي طوى من تاريخه، أن يكون منخرطا وفاعلا، شاهدا ومنحازا .فلم تكن الثقافة في نظر أعضائه مجرد شكل من الأشكال المعبرة عن كفاءة البشر في التعبير والتعقل وبناء الصور والمفاهيم، بل إنها كانت قبل ذلك وبعده تحدد نمطا من أنماط انخراط الإنسان في فهم واقعه وتطويره نحو الأفضل والأجمل….
إن مانريد إبرازه هنا هو أن استقلالية الاتحاد ليست مسألة نظرية خالصة. إن الاستقلالية – كما تبلور في تلافيف مسيرته المركبةـ عبارة عن فاعلية تاريخية مقرونة برؤية محددة للعمل الثقافي وأدواره الممكنة في التاريخ. لهذا السبب نحن نعتبر أن الأفعال الدالة على استقلاليته تشير بالذات الى صور الجدلية التاريخية التي نسج الاتحاد ملامحها الكبرى مع محيطه التاريخي(…)لهذا السبب اعتبر الاتحاد خلال مسيرته أن للثقافة دورها الفاعل في الحياة والمجتمع. وقد دفع أعضاء الاتحاد ثمن هذا الاختبار في مختلف المعارك التي دارت في المجتمع المغربي في النصف الثاني من القرن العشرين بدرجات من التفاوت والحدة(…)لقد كان الاتحاد في صورته المؤسسية المعبر عنها في المواقف والبيانات العامة المرتبطة بأحداث ومواقف محددة، يقدم التصورات الجامعة لمختلف تيارات الثقافة والابداع في فكرنا. وهو الأمر الذي منحه صفة المؤسسة المنخرطة في قضايا الشأن العام والداعمة لخيارات سياسية محددة، ومنحه أيضا، كما يشهد بذلك الجميع. حضوره الرمزي في المعترك السياسي دون أن يقلص هذا الحضور من درجات التزام أعضائه بفضاءات الإبداع المشرعة على الممكن والمستحيل.

3

ظل الاتحاد طيلة تاريخه حريصا على إنجاز توافقاته في موضوع هياكله، وموضوع مواقفه السياسية والثقافية والتاريخية العامة، مستخدما في ذلك منطق التوازنات الموصولة برصيده التاريخي ومكانته الرمزية، وتعدديته المخصبة لطرق وأساليب عمله، والمخصبة أيضا لرصيده التاريخي الرمزي سواء في المجال الثقافي أو مختلف المجالات. المجتمعية الأخرى التي كانت تندرج ضمن آفاقه في العمل، ولم تخل مختلف مراحل تطور الاتحاد من مآزق وأزمات عمل على تدبيرها بالشكل الذي منحه ولايزال يمنحه امتياز الهيئة القادرة على احتلال مكانة خاصة وسط مجموع هيئات المجتمع المدني المغربي (…)
إذا كان بعض أعضاء الاتحاد‮ ‬يرون أن الاتحاد استنفد الوظيفة التي‮ ‬قام من أجلها‮، ‬وأن عشرات المؤسسات الثقافية والإبداعية قد تشكلت في‮ ‬مجتمعنا (…)‮‬حيث لم‮ ‬يعد هناك أهمية لمؤسسة جامعة من قبيل مؤسسة الاتحاد إلا أن أننا نرى أن هذا الموقف‮ ‬يغفل أن الاتحاد‮ ‬يترجم إرادة الفاعلين فيه‮(…)

وهناك فرق بين أن نقول إن بعض أسئلة الاتحاد قد تجووزت،‮ ‬وبين نهاية دور المؤسسة،‮ ‬وفي‮ ‬هذا السياق‮ ‬يمكننا أن نؤكد فعلا أن كثيرا من أسئلة الاتحاد حصل تجاوزها أو على الاقل تجاوز الصيغ‮ ‬التي‮ ‬كانت تطرح بها‮(…) ‬ ‬لهذا السبب نرى أهمية السعي‮ ‬لتمثل المكاسب المترتبة عن المتغيرات الجارية هنا وهناك بهدف توظيفها في‮ ‬تركيب التصورات والمواقف والبرامج التي‮ ‬نفترض أن الاتحاد معني‮ ‬بها،‮ ‬ليتمكن من مواصلة حضوره النقدي‮ ‬في‮ ‬عالم متغير‮.‬

4

لم‮ ‬يكن بإمكان الاتحاد،‮ ‬وهو الذي‮ ظل سندا لإرادة التغيير في‮ ‬مجتمعنا وثقافتنا، أن يغفل المتغيرات ‮ ‬الحاصلة في‮ ‬مشهدنا السياسي في نهاية القرن الماضي‮ ‬لهذا السبب انخرط بوسائله التاريخية والرمزية المحدودة والمعروفة في‮ ‬بناء ما‮ ‬يساعد على دعم ثقافة التنوير المعززة لمشروع التحديث الثقافي‮ والسياسي‮ ‬في‮ ‬مجتمعنا ولم تكن مبادرات ومواقف الاتحاد في‮ ‬هذا الباب تتجاوز إطاره المؤسسي‮ ‬المحدد‮. ‬ولم‮ ‬يكن‮ ‬يعقل أن‮ ‬يغيب الاتحاد عن إيقاع التحول الذي‮ ‬دشنته حكومة التناوب التوافقي‮ ‬في‮ ‬بلادنا سنة‮ 1998. ‬لهذا السبب عمل الاتحاد على مواصلة جهوده في‮ ‬باب ترسيخ وتوسيع قيم التحديث الثقافي،‮ ‬بل إنه نظرا للتحولات الحاصلة في‮ ‬مشهدنا السياسي‮ ‬والمجتمعي‮ ‬باعتبار أنها تعبر عن جوانب من طموحاته التاريخية في‮ ‬التغيير الهادف إلى بلوغ دولة القانون والمؤسسات دولة الحرية والعدالة. وهي‮ ‬كلها تطلعات عكستها بيانات الاتحاد مواقف العامة طيلة سنوات وعقود انخراطه الفاعل في‮ ‬واقع المجتمع المغربي‮.‬
أثارت بعض مواقف الاتحاد في‮ ‬هذا الباب حفيظة بعض الذين اعتبروا أنه زاغ‮ ‬قليلا عن مبدأ الاستقلالية الذي‮ ‬شكل المبدأ الناظم في‮ ‬مسيرته التاريخية،‮ ‬إلا أننا نرى أن مواقف الاتحاد اتسمت في‮ ‬مجال دعمه للمتغيرات الجارية بمحافظته على مسافة محددة من الاحداث في‮ ‬جريانها العادي‮(…).
يواجه الاتحاد إذن وضعا جديدا في مغرب الألفية الثالثة، وضعا يدعوه الى مزيد من الانخراط في دعم قيم التغيير بهدف إسناد مشروع التحول القائم دون أن يعني هذا الأمر بالذات تخلي الاتحاد عن مبادئه الكبرى أو اكتفاءه بالاسناد اللامشروط لمظاهر التحول الجارية أو المحاصرة.

5

نعتقد أن شعار الاتحاد مؤسسة المستقبل‮ ‬يستوعب من جهة التجربة التاريخية للاتحاد،‮ ‬ويتجه من جهة ثانية لإبراز أهمية الثقافي‮ ‬في‮ ‬التحولات الجارية في‮ ‬مجتمعنا‮ .. ‬لم‮ ‬ينشأ الاتحاد بمحض الصدفة في‮ ‬مطلع العقد السادس من القرن الماضى وخلال السنوات الأولى للاستقلال بكل ما كانت تحمله من تفاعلات وتناقضات‮.. ‬فقد نشأ باعتباره الأفق الثقافي‮ ‬المؤسسي‮ ‬القادر على تدبير مخاضات الثقافة المغربية‮. ‬ورغم أن الهوية الثقافية والسياسية للاتحاد لم تنشأ بصورة تامة في‮ ‬لحظات تشكله الأولى،‮ ‬إلا أن آليات الصراع التي‮ ‬تحدد نمط المؤسسات وتركب تاريخها سرعان ما منحت اتحاد الكتاب صفة المشروع الثقافي‮ ‬الموصول بتاريخ الحركة الوطنية، والمحكوم بأنماط وعيها وكيفيات انشغالها. (…)
إننانعيش اليوم في بلادنا وفي العالم أجمع، كثيرا من صور التحول التي عصفت بسجلات من القيم والمفاهيم والمذاهب، وتتجه لبناء بدائلها في ضوء نتائج وخلاصات هذا التحول، وهنا نتصور أن الاتحاد يمكنه أن يواصل رسالته الجديدة المعنية بتركيب أنماط جديدة في العمل والتدبير الثقافي المؤسسي(…)
واذا كان ميثاق 76 قد رسم للاتحاد في مؤتمره الخامس أفق العمل الثقافي التقدمي خلال عقدي السبعينيات والثمانينات، فإننا نتصور وبكثير من الحس التاريخي النقدي أن أعضاء الاتحاد مطالبون اليوم بتفعيل وتعميق الخطوط العريضة لمشروع التحديث الثقافي الذي عبر عنه ميثاق 2002 المجمع على وثيقته في المؤتمر الخامس عشر.
(…)إننا عندما نتحدث عن الاتحاد باعتباره مؤسسة للمستقبل، لا نتحدث عن اتحاد بعينه بقدر ما نتحدث عن بنية مؤسسة يصنعها الفاعلون بوعيهم التاريخي وبإرادتهم المستقلة والرامية الى مواجهة التحديات الجديدة.


بتاريخ : 11/05/2023