63 سنة من تاريخ اتحاد كتاب المغرب» -15- الورقة الثقافية للمؤتمر العاشر

الانتصار للمشروع الحداثي، والإنصات لتحولات المشهد الثقافي 1

حرص اتحاد كتاب المغرب منذ تأسيسه، على أن يظل فضاء للحوار الثقافي الأكثر حداثة والأكثر تاريخية، مُعَززا ومدعمًا جبهة الفكر النقدي في الثقافة المغربية، كما عمل على تأطير مختلف أشكال النشاط الثقافي والفني، رغم شح الموارد المالية، وانعدام الوسائل والأدوات المساعدة.
ورغم كل هذه الإكراهات ظل متشبثا بمشروعه الثقافي الحداثي، المنتصر للإنسان، حقوقيا وإبداعيا من خلال التنصيص على ذلك في أوراقه الثقافية المقدمة لمؤتمراته السابقة، آخذا بعين الاعتبارات تحولات المشهد الثقافي المغربي والعالمي، وكذا علاقاته المتعددة بالتحولات السياسية الجارية في بلادنا، وهو الوعي الذي نفتقده اليوم في هذه المؤسسة التي لم تواكب الثورة الرقمية، وما تولد عنها من نظرة جديدة لدور الثقافة في التنمية الإنسانية الشاملة. وبالتالي العجز عن الإعداد لمؤسسة ثقافية قادرة على حمل تبعات أفق مؤسسي جديد لم يعرفه الاتحاد عندما كان يمارس نشاطه في الماضي بوسائل محدودة، وبأساليب لا علاقة لها بما أصبح اليوم مطلوبا، في زمن تنوعت فيه أساليب وطرق الفعل الثقافي التفاعلي في بنية المجتمع.
وإذ ننشر ملخصا للورقة الثقافية المقدمة للمؤتمر العاشر في يناير 1989، فلتبيان كيف كان اتحاد الكتاب يواكب تحولات المشهد الثقافي والاجتماعي أيضا، ويقدم بدائله وتصوراته لتجاوز المعيقات، والانخراط في أسئلة المجتمع الملحة.

نحو أفق
فكري منفتح

لامست الورقة الثقافية المقدمة للمؤتمر العاشر، المسألة الثقافية في المغرب كمظهر ومجال للصراع وتباين مكوناتها، وتباين وجهات النظر بصدد المتغيرات، معتبرة أنه «تباين يعكس في ثنائيته هاته، وفي شكله ومضمونه طبيعة التناقضات التي تحكم العلاقات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية مما ينزع عن الممارسة الثقافية كل حياد مزعوم، ويبرزها باعتبارها مجالا للمواجهة بين جبهتين»، وهو ما جعل الاتحاد وقتها ينخرط في مقاومة التوجه الثقافي الرسمي «الذي لا يعمل إلا على تكريس التبيعة وقيمها وطمس مقومات الشخصية الوطنية». ومن هنا وقفت الورقة على أن الاتحاد مطلوب منه ضرورة تعمیق استراتيجية للفعل ورد الفعل بهذا الصدد. ومن مقومات هذه الاستراتيجية، طرحت الورقة:
– «العمل بميثاق الاتحاد باعتباره منطلقا دائما وعميقا للحوار الديمقراطي ولتكتل كل الفعاليات الثقافية الوطنية والتقدمية، يتعلق الأمر بضرورة تعميق استراتيجية محكومة ببعد وطني تقدمي فعال يستجيب لأفق النهوض بالمواطن المغربي في أبعاده الخصوصية والكونية.»
– انتبهت الورقة مبكرا إلى علاقة الثقافة بالتنمية وما يمكن أن تشكله من
«مجال استثمار اقتصادي نوعي وواضح، تطبعه قيم سباق وتنافس من شأنها متى وظفت بالتزام وأفق وطنيين أن تساهم إلى هذا الحد أو ذلك في إغناء الممارسة الثقافية»، وذلك في شبه استقلال كلي عن المؤسسات الرسمية.
شكلت مسألة التعدد اللغوي وموقع اللغة العربية، باعتبارها «وعاء الإبداع الأدبي والفكري، وأرضية وجودنا الثقافي» أولوية في الورقة، واقترحت الورقة أن يتم التعامل مع الفرنكفونية ضمن أفق فكري منفتح، ينظر إلى التعريب باعتباره ضرورة وطنية تندرج في صلب اختيارنا الثقافي المعبر عن هويتنا الوطنية والقومية، بعيدا عن « الانغلاق أمام الثقافات واللغات الاجنبية فهي روافد إنسانية هامة وضرورية.»
– أثارت الورقة أيضا الوضعية الاعتبارية للكاتب، متوقفة عند وضعية الهشاشة الاقتصادية لأغلب الكتاب وشروط الابداع التي تعاني تضييقا في مناخ تغيب فيه حرية التفكير والرأي والتعبير. وأشارت الورقة الى «أن اتساع الإنتاج الفكري والأدبي والفني وما يعرفه المغرب من تراكم وتزايد في أشكال وصيغ الكتابة والتأليف، يفرض التفكير والعمل على ضمان حقوق المؤلف وإعطائها ماتستحق من العناية بما يصون للكاتب المغربي جهده وإبداعه إغناء للثقافة وتطويرا لإنتاج الرأي».
-أكدت ورقة المؤتمر العاشر على أنه رغم كل المتغيرات الحاصلة في المجتمع، يظل عمل الاتحاد محكوما في تصوره للعمل الثقافي بمجموعة من المبادئ يتضمنها میثاقه وتفرضها ممارسته، وهي المبادئ التي اكتسبها وحافظ عليها طيلة تجربته الطليعية. وفي مقدمة ذلك الحرص على دمقرطة الثقافة في إطار دمقرطة المجتمع ككل بحيث تصبح الثقافة ملكا للجميع، وليست مجرد ترف محدود المدى والفعالية»، مؤكدة أن هذه الدمقرطة «لن تتحقق خارج مشروع تنموي وطني نابع من الاختيارات الحقيقية للشعب المغربي بمختلف فئاته وطبقاته وتطلعه نحو التحرر والديمقراطية الفعليين: مشروع يربط الثقافة والتعليم بالتنمية، ويجعل الهدف من كل ذلك الانسان أولا وأخيرا.
ومن تلك المبادئ أيضا الحرص على مبدأ الاستقلال في التفكير والممارسة الذين يطبعان خصوصية اتحاد كتاب المغرب، ويجعلانه وفيا لدوره التاريخي في إغناء التراكم المعرفي والثقافي والإبداعي ويدعمان موقعه داخل الصراع الاجتماعي.


بتاريخ : 08/04/2023