سياق التحولات 1/2
ظل «الملحق الثقافي» لجريدة الاتحاد الاشتراكي، مواكبا لانشغالات ومحطات اتحاد كتاب المغرب التنظيمية منذ تأسيسيه، إيمانا منه بدور الثقافة ودور اتحاد الكتاب في التغيير، لذا ظلت محطة المؤتمرات مناسبة لفتح النقاش وتخصيبه حول واقع وآفاق هذه المنظمة ، وسبل الدفع بأفقها الى أقصاه خدمة للثقافة المغربية وإشعاعها جهويا وعالميا.
هكذا وفي أجواء التحضير للمؤتمر الثالث عشر يومي 26و27 أكتوبر بالرباط .
خصص الملحق الثقافي عدده ليوم الجمعة 25 اكتوبر لمساهمات الكتاب والمفكرين النقدية من أجل إغناء النقاش حول القضايا الثقافية الهامة في سياق التحولات، وهي السياقات التي توقفت عندها ورقة الدكتور عثمان بن عليلا المنشورة .
تحتل هيئة اتحاد كتاب المغرب موقعا متميزا في مسار الثقافة والأدب في المغرب الحديث والمعاصر إلى حد أن تطابقا دالا قد يفرض نفسه في هذا الصدد: فتاريخ هذه الهيئة المتجذر والممتد من نهاية الخمسينات ومطلع الستينات إلى الآن، بما عرفه من خط تطور مستقيم أحيانا ومتعرج بل وانعطافي أحيانا أخرى، بالإضافة إلى تراكم أدبيات 12 مؤتمرا (تقارير، أوراق ، توصيات… )هذا كله يوفر للباحث المهتم برصد الصيرورة الثقافية في تفاعلها مع باقي صيرورات التحول و الآخر في المغرب الحديث والمعاصر «مادة» للتحليل والاستنتاج . وما نقترحه بالضبط في هذا المقال هو تقديم نوع من الإطار العام لهذا الرصد.
أول فكرة داعية إلى إنشاء هيئة اتحادية للكتاب المغاربة تعود -حسب علمي – إلى مطلع الثلاثينات لما نشر الزعيم الوطني عبد الخالق الطريس مقالا بمجلة «السلام» التطوانية (ع 7 س 1 أبريل 3491) تحت عنوان «عصبة واحدة لينظموا احترافهم ويذيعوا إنتاجهم ويرفعوا سمعة أمتهم الفكرية ويتصلوا بالخارج شرقيه وغربيه ليروجوا نبوغ المغرب بين الربوع ويكسبوا عطف الغير على ما في وطننا من حركة وما بين قوامنا من طموح. وعليه فهذه الدعوة وردت في عز انطلاق الحركة الوطنية المغربية التي هي في أصلها امتزج داخلها ماهو سياسي بما هو ثقافي حيث نلاحظ صاحب هذه الدعوة نفسه يشير في مقاله المذكور إلى «طائفة الكتاب والمفكرين و الذين يشغلون الآن المركز الأساسي في النهضة المغربية. كما نسجل من جهتنا أن بعضا من رواد العمل الوطني السياسي هم أيضا شعراء (علال الفاسي ) ومسرحيون (عبد الخالق الطريسي ) وقصاصون ( عبد الله إبراهيم)… بالإضافة إلى ما نلاحظه في نصوص الحركة – الوطنية نفسها الأولى من تداخل المطلب السياسي الخاص (الاصلاحات مع المطلب النهضوي الثقافي العام. ومن هنا، ومع نشأة الأحزاب الوطنية في 1936، انطرحت، وبحدة، مسألة علاقة السياسي بالثقافي متمحورة حول موقفين.
الأول : متشبث بتسييس الثقافة والأدب كما ورد صراحة في افتتاحية العدد الأول من جريدة «الاطلس» . (لسان الحزب الوطني) كالتالي: وعليه فلا ترجح لجنة الصحافة، للنشر مما قد يرد من طرف الكتاب المتطوعين إلا ما كان مستوفيا لشروط لا مناص للأحزاب السياسية من فرضها 1937/02/12)
الثاني: دعا بكل وضوح إلى ضرورة الفصل بين السياسي الحزبي والثقافي الأدبي باعتبار أن لكل واحد منهما مجاله الخاص على حد ما نقرأ في افتتاحية العدد الأول من ملحق جريدة «المغرب» للثقافة والأدب كالتالي.. ولذلك فهيأة تحرير هذا الملحق تفسح مجاله لجميع المثقفين وترجوهم أن يعتبروه ميدانا للثقافة المغربية في أهم صورها وهي ترحب بكل المجهودات لخدمة تلك الثقافة خدمة صادقة وهي لا تتردد في نشر كل مفيد لايتصل بأحد الموضوعات السياسية المغربية الداخلية فتلك ناحية يجب أن تكون لها صحفها أو يجب أن تكون لها صحف (1938/9/17).
والواقع إنه بالتأمل جيدا في مضمون الموقفين نجدهما يستندان الى التمييز بين الكتابة السياسية الحزبية الخاصة والكتابة الثقافية العامة وبالتالي طرح السؤال حول مضمون «الكتابة» ذاتها وأيضا من هو الكاتب؟
سنة 1938 نشر عبد الله ابراهيم في «ملحق جريدة المغرب للثقافة مقالا بعنوان الثقافة المغربية الحديثة والصفات العامة لوجهتها» جاء فيه بالخصوص: “وإذا قلنا ثقافة مغربية او إسلامية فلسنا نقصد بذلك المعنى الموضوعي، وإنما نقصد معنى ذاتيا للثقافة تلونت بلونه. وذلك لان الثقافة سلسلة غير محدودة لا تعرف في معناها الموضوعي تخوما جغرافية أو أوضاعا يصطلح الناس عليها وهذا بدون شك تحديد متقدم ولافت للنظر لمضمون الثقافة في ظرف طابعه الأساسي هو النضال الوطني السياسي. مما يؤشر على وجود وعي مبكر لدى بعد رواد العمل الوطني لما يمكن أن نسميه خصوصية الثقافية إزاء السياسي بدون أن يعني ذلك حصول أو توهم حصول فصل أو قطيعة بينهما: فالثقافة ليست قضية حزبية ضيقة أو حتى قضية وطنية محصورة في المكان والزمان ولكنها قضية إنسانية كبرى. وعليه نجد نفس الكاتب ينشر سنة 1947 في جريدة «العلم» مقالا آخر بعنوان ماذا نكتب؟ يقول فيه بصراحة: إننا لا نستطيع أن ننتج أدبا مغربيا حيا إلا إذا أنتجنا أدبا حيا ولن ننتج هذا الأدب الانساني الحي إلا إذا تيقنا بأن الحقيقة واحدة في الشرق وفي الغرب وأن الانسان هو الإنسان في كل مكان».
والخلاصة أن تقديرا موضوعيا لقيمة الثقافة والكتابة عامة يمكن إبرازه في صلب الفكر الوطني بالمغرب ، انطلاقا من الدعوة المبكرة إلى تشكيل هيئة خاصة بالكتاب وأيضا الوعي المبكر بضرورة وقوع التزام الكاتب خارج دائرة ما هو سياسي ضيق ومحصور.
في نهاية الخمسينات ستبرز إلى الوجود أول هيئة اتحادية لكتاب المغرب وحسب الاستاذ أ. اليابوري – الرئيس السابق للاتحاد فمرحلة التأسيس هذه التي امتدت من ـ 1959 إلى 1969 تحت رئاسة م.ع الحبابي امتازت بنزعتها التوحيدية وبخطابها الإنساني العام وبانفتاحها وملامستها الحذرة للواقع في إطار اختيار ربما كان يهدف إلى تقوية الاتحاد وترسيخ قواعده قبل الزج به حلبة الجدل الاجتماعي، وربما ذلك ناتجا عن خطة تروم العمل الثقافي المحض بعيدا عن تعثرات السياسة وتقلباتها (من كلمته الافتتاحية في المؤتمر العاشر) .
ومع بداية السبعينات وتحديدا انطلاقا من المؤتمر الرابع (فبراير3791) الذي شهد قيام محاولة فاشلة لاحتواء الاتحاد رجعيا ورسميا – حدث التحول في مسيرة الاتحاد… وهو التحول الذي سيتكرس نهائيا في المؤتمر الخامس ( ماي 1976) مع إعلان ميثاق الاتحاد.
ونقطة الانطلاق في هذا الميثاق تكمن في تسجيل حال السلبية والتأخر الذي هو عليه الواقع الثقافي المغربي العام، المطبوع باختلاط والمفاهيم وتجاور الاتجاهات واللغات وغلبة الإنتاج الفكري المحلي والأجنبي الرجعيين. وبالتالي ما يزال مطروحا دائما في – منظور الميثاق – وبعد مرور عشرين سنة على استقلال البلاد، مشروع تشييد الثقافة القومية من خلال الإشكال التالي:ارتباط التأخر الثقافي بهيمنة اختيارات سياسية معينة مما ينتج عنه حسب نص الميثاق – ضرورة التموقع الثقافي / السياسي للكاتب الذي عليه أن يكتب لأولئك الذين يؤمنون ويعملون من أجل التغير تغير الهياكل وعلائق الإنتاج وتغيير الفكر وتغيير الثقافة والأدب بهدف تحقيق ثقافة وطنية ذات مضمون تحريري ثوري ضد الأوضاع الفاسدة.
والواقع أنه بالرغم من أن مضمون وروح هذا الميثاق هما ما هيمن على مجمل مواقف وأدبيات الاتحاد من 1976 إلى مطلع الثلاثينات، فإن هذا لا ينبغي أن يخفي عنا الصراعات التي كانت تعتمل داخل الاتحاد وهي- على ما يبدو – صراعات بقدر ما تؤشر على وجود حساسيات ذاتية وموضوعية وسط الاعضاء (انظر على سبيل المثال ما نشرته مجلة الثقافة الجديدة سنة 1981 تحت عنوان عن المؤتمر السابع لاتحاد كتاب المغرب ) فهي أيضا تؤشر على مجموع التحولات التي كانت تفعل فعلها عالميا وقوميا وتنعكس آثارها على الإتحاد من خلال النقاش مجددا وبحدة لافتة للنظر حول موضوع علاقة الثقافي بالسياسي.