63 سنة من تاريخ اتحاد كتاب المغرب» 2- محمد برادة في افتتاح المؤتمر الوطني السادس .. الأدب المغربي، إلى أين؟

انعقد في 13و14 يناير 1979 المؤتمر السادس لاتحاد كتاب المغرب، بالرباط، وذلك بحضور أزيد من مائة وأربعين مؤتمرا. كما حضر المؤتمر عدد من الضيوف وأصدقاء الاتحاد ونخص بالذات الأستاذ عبد الوهاب البياتي الذي أوفد من قبل اتحاد الأدباء العرب لتمثيله في المؤتمر.
وعرف المؤتمر السادس لدى افتتاحه العرض القيم والخصب الذي قدمه الأستاذ محمد برادة رئيس اتحاد كتاب المغرب، ثم التقرير الأدبي، الذي سجل نشاط الاتحاد خلال السنتين المنصرمتين.
وقد عكف المؤتمر خلال يومين متتابعين، من خلال أعمال اللجان ( اللجنة الثقافية – لجنة المطالب – لجنة القانون الداخلي – لجنة البيان العام) عكف على دراسة مجمل القضايا والمصاعب التي تهم وتعترض الكتاب المغاربة (سننشر تقارير هذه اللجان في عدد لاحق).
ومساء يوم الأحد 14 يناير أنهى المؤتمر السادس لاتحاد كتاب المغرب أعماله، وانتخب مكتبا مركزيا جديدا، كما أعيد انتخاب الأخ محمد برادة رئيسا للاتحاد.
وفي ما يلي العرض الذي قدمه الأخ برادة لدى افتتاح المؤتمر:

 

يقترب اتحاد كتاب المغرب من عامه العشرين، أجمل سنوات العمر، سيقول الشعراء، يغادر أقمطة الطفولة والمراهقة، ملتمسا الطريق وسط حقل ثقافي تغرقه التساؤلات وبوادر التأزم والحيرة، بينما ترين على الكتاب والأدباء مظاهر الكسولة والعياء.
لكنها قد تكون وقفة استراحة وتحفز، ففي مجالات الإبداع والكتابة لاتحسب المسافات بالسنوات والعقود، خاصة عندما يتعلق الأمر بتأسيس أدب جديد وقيم فنية متأصلة تشخص وتضيء الأعماق المتأججة لشعبنا العريق الواعد بأخصب العطاء.
إن اتحاد كتاب المغرب، وهو يعقد اليوم مؤتمره السادس، يعتبر نفسه جزءا لا ينفصل عن الحقل الثقافي المستمد لمكوناته وعلائقه وآفاقه من المجتمع المغربي، مجتمعنا الذي يخوض نضالا دؤوبا في سبيل تشييد مجتمع ديمقراطي، عادل، متحرر من التبعية والاستغلال، وفي سبيل استرجاع صحرائه وحماية ترابه.. مجتمعنا المؤمن بفكرة وحدة وتعاون أقطار المغرب ووحدة الأمة العربية.
ليس اتحاد كتاب المغرب سوى عنصر ضمن عناصر ومؤسسات أخرى تكون حقلنا الثقافي، لكنه معتز كمنظمة بممارسته الديمقراطية وبميثاقه ومواقفه الوطنية والقومية التي تجعل منه منبرا لكل الأقلام والأصوات المؤمنة بأهدافه على اختلاف اتجاهاتها ومعتقداتها. لقد كانت مؤتمراتنا السابقة فرصة للتوضيح والنقد والمكاشفة بحثا عن الأفضل وتعميقا لمسؤولياتنا تجاه شعبنا، ولاشك أن هذا المؤتمر سيقدم مساهمة أساسية في تجلية معضلاتنا الثقافية والأدبية.
وفي هذا الإطار أستسمحكم في تقديم ملاحظات ومشروع لتحليل وضعية الأدب المغربي الراهن، مع محاولة استشراف بعض آفاقه المستقبلية.
لا نملك ألا أن نتفق مع مؤرخ الأدب الذي يؤثر الانتظار على البدء بالتأريخ للأدب المغربي الحديث، فالحقيقة لم تتجاوز الثلاثين سنة وشروط الإنتاج واستهلاك وتمثل هذا الأدب، لم تستقم بعد على أسس واضحة يمكن اعتبارها حدا أدنى للوجود الأدبي.
إن هذه الملاحظة لا ترمي إلى نكران استمرارية التعبير الأدبي في تاريخ الثقافة المغربية منذ أقدم العصور.. ولكنها تنصب أساسا على ما يمكن اعتباره أدبا حديثا، أي مرتبطا بمظاهر مجسدة من التبادلات الاجتماعية والسياسية حفرت أخاديدها في تضاريس البنيات والعلائق واستمدت تميزها وأشكالها من السمات المصاحبة لانتقال المجتمع المغربي من بنيات الإقطاع والتنظيم الاستعماري، إلى مرحلة التصنيفات الطبقية وفسيفسائها.
ليس غرضنا هنا تحديد البدايات لأدبنا الحديث.. فقد يعثر الباحث على نصوص متفرقة يعتبرها لبنات أولى لما جاء بعدها.. وقد يكون المؤرخ أميل إلى التشاؤم وهو يستقرئ المناخ الفكري والسياسي والاجتماعي الذي عاش فيه الأدباء المغاربة في القرون السالفة كعناصر تابعة وملحقة بدواوين الأمراء والولاة والحماة… وقد يجنح به التفكير الماهوي إلى حصر النبوغ المغربي في دائرة الفقه والبلاغة والنحو، التسليم بحصانة وراثية تحجب المغاربة عن الأدب في معانيه المتعددة الملتبسة…… مثل هذه القضايا، مهما كانت أهميتها، لا تعوقنا عن مسألة نصوص أدبنا الحديث المغايرة في كتابتها وأشكالها ومضامينها لما يدرجه مؤرخو الأدب التقليدي من مدائح ومراثي واخونيات وغزليات ورسائل. والأمر هنا يتعلق بالمفاضلة، بل بمعاينة تحول في مفهوم الأدب ووظيفته، ناتج عن تلك الشروط والتغييرات التي عاشها مجتمعنا منذ مستهل هذا القرن، وخاصة في فترة الحماية ومخططاتها الاستعمارية ثم منذ الاستقلال إلى الآن.. وكانت الحصيلة – في مجال الإنتاج الأدبي – روايات وقصصا ومسرحيات ودواوين شعرية تتراوح من الكلاسيكية الجديدة إلى الشعر المعتمد على التفعيلة والشعر المتمرد على كل القيود.
وإذا انفسح مجال الاختلاف حول ممهدات ظهور هذا الأدب ومصادر اسيتحائه ومراكز التأثير في اتجاهاته ومدى عمق جذوره، فإن ما يستحق الاهتمام ويكتسي طابع الاستعجال هو محاولة استبانة شروط إنتاجه واستهلاكه، وتتبع وظائفه داخل الحقل الثقافي للمغرب المعاصر.
ذلك أن الانطلاق من وظائف الأدب وطرائق سيره، يجنبنا الولوج في متاهة البحث عن تعريف جامع مانع للأدب في جوهره أو في المظاهر الضامنة لخلوده، كما يحلو للبعض أن يفعل، ثم قياس الإنتاج الجديد على ذلك التعريف لمعرفة مدى انضباطه أو ابتعاده عن المعايير والموازين.. مثل هذه العملية لن تفضي إلا إلى حوار الصم، ولن تجعل بالإمكان دراسة وتتبع الأدب الجديد في نماذجه المتباينة القيمة والوظيفة والفعالية.


بتاريخ : 24/03/2023