63 سنة من تاريخ اتحاد كتاب المغرب -22- المؤتمر‮ ‬13‮ ‬لاتحاد كتاب المغرب

شهادات الكتاب حول منظمتهم الثقافية

من أجل انطلاقة جديدة

لعل استمرار اتحاد كتاب المغرب في الفعل الثقافي بنفس الوتيرة والدينامية، يجد أسبابه في انفتاحه وتقبله لثقافة الاختلاف التي سادت بين أعضائه، بالإضافة الى تقبل النقد الذي صاحب هذه التجربة بالتقويم والإغناء والذي لم يكن يوما مدعاة للإقصاء وتغييب الصوت الآخر المختلف، وهو ما أكسب الاتحاد مناعة بفضل هويته الثقافية الواضحة وبفضل قاعدة التوافق التي تم الاحتكام إليها في حل المشاكل التنظيمية التي اعترضت مسيرته أحيانا.
الورقة التي نشرها “الملحق الثقافي” للجريدة بتاريخ 25 أكتوبر1996 بتوقيع الاستاذ عبد اللطيف البازي، تترجم المساهمة النقدية الفعالة للكتاب والتي ضمنت استمرار منظمتهم.

 

ليس من المجازفة التأكيد على أن اتحاد كتاب المغرب يوجد في مفترق طرق وأنه أمام أحد خيارين: أن يكون أولا يكون، والمطلوب، بشكل استعجالي، من هذا الإطار الذي تأسس منذ أكثر من ثلاثين سنة، هو أن يراجع طريقة اشتغاله وطرائق تدخله ومساهمته في الشأن الثقافي، ذلك أن بلادنا قد عرفت عدة تحولات مست البنية العميقة للمجتمع، وأثرت من ثمة على الذهنيات وعلى القيم. وهذه التحولات هي في مجملها تراجعات وغيابات قد يكون أهمها تراجع مفهوم التطوع كقيمة يعتد بها في مجال المبادلات الرمزية، وكذا تراجع مفهوم نموذج من المثقفين العضويين أو المتبنين لمشروع فكري أو إبداعي وازن، وكذا تراجع التأثير الإيجابي للمبادرات الجمعوية ولتقاليد العمل النقابي الطلابي المتقدم.
وأخيرا، يمكن أن نسجل غياب المنابر والمجلات الحاملة والمدافعة عن تصورات فكرية وثقافية واضحة المعالم. وقد كان لابد لاتحاد كتاب المغرب من أن يتأثر بهذه التحولات السلبية: وهو الأمر الذي أقره الأستاذ محمد الأشعري رئيس الاتحاد، في حوار مع جريدة المستقلة (عدد 8 أبريل) حينما أشار إلى أن الاتحاد يعيش فترة السلبيات الثقافية الموجودة في وضعنا الثقافي مثل سلبيات انحسار الاستهلاك الثقافي، إلا أنه أضاف بأن الاتحاد مستمر بوجوده الثقافي المتميز، سواء من خلال منشوراته أو من خلال لقاءاته الثقافية أو مواقفه. فهل يكفي الحرص على هذا الحد الأدنى الذي لا يترجم الإمكانيات الفعلية والحيوية المفترضة للكتاب المغاربة ؟
إن الاتحاد، يفعل تراكمات ساهم في إثرائها كتاب ينتمون إلى مختلف أجيال الثقافة ببلادنا، قد أصبح مكونا أساسيا من مكونات مشهدنا الثقافي، وشكل حضوره في أكثر من مناسبة وفي العديد من اللحظات التاريخية شكلا راقيا من أشكال المقاومة الثقافية. وهذا ما جعل صورته لدى المهتمين صورة مغرية وإن كانت لا تتطابق دوما مع أوضاعه الداخلية.
وبما أن موعد المؤتمر الثالث عشر قد اقترب ( نهاية أكتوبر 1996 ) فمن المناسب أن نفكر جميعا بصوت عال، ونتداول في أنجع السبل لجعل هذه الأوضاع تتطور عن تلك الصورة المتخيلة أو المنشودة.
لقد شاركت في أشغال المؤتمر الثاني عشر للاتحاد (نوفمبر 1993) وكتبت على إثر تلك المشاركة بأن الرهانات الوطنية والتحديات العربية والتحولات الكونية جعلت بعض، إن لم يكن أغلبية، المؤتمرين يستشعرون ضرورة مراجعة مسلماتهم وضرورة مراجعة “قواعد اللعبة”. ويبدو لي أن هذا الحكم لازالت له راهنيته. إلا أن التساؤل الذي يطرح نفسه هو: هل ستكون ذاكرة الكتاب المغاربة قوية فيعملوا على تطوير بعض الأفكار المتميزة التي دافعوا عنها خلال المؤتمر الأخير ؟ وكيف سيتعاملون مع بعض المستجدات المؤثرة ومن بين أهمها كونهم أصبحوا منتمين إلى جمعية ذات صفة نفع عام؟
من المفروض، إذن، أن يتم اعتبار المؤتمر القادم محطة فعلية، محطة للتساؤل والتأمل يراجع فيها الاتحاد مساره ويحدد مكامن القوة ومواطن الضعف في هذا المسار، ومحطة كذلك لمقاربة الإشكالات المستعصية والمتسارعة التي يطرحها الواقع الثقافي من ذلك، مثلا، المساهمة في إبداع مرجعية أو مرجعيات فكرية وقيمية جديدة بعد انهيار أو تآكل المنظومات الفكرية التقليدية، والبحث عن الوظيفة أو الوظائف التي يمكن أن يقوم بها الكتاب «بكسر الكاف» والكاتب في ظل الزحف الكاسح والكوني للصورة والتطور المعلوماتي.
بصيغة أخرى، لايمكن اختزال المؤتمر في مجموعة من العمليات التقنية (تصويت، تغيير بعض البنود في بعض القوانين…) بل ينبغي اعتباره فسحة للحوار والصراع الإيجابي والتنافس بين تصورات ثقافية – برامج لها تماسكها ومنطقها الخاصان وليس بين أشخاص وتكتلات ذات حسابات ضيقة ومحدودة.
وفي ما يتعلق بالجانب التنظيمي، يبدو أن الوقت قد حان لمراجعة الهيكلة التي يشتغل بها الاتحاد وللتحديد الدقيق لمهام المكتب ولجنة التنسيق والفروع وكذا لخلق جسور وقنوات للتواصل الفعلي، والتفاعل المثمر بين هذه «المكونات» وذلك لتجنب المطبات وحالة التوجس والحذر التي يخلقها التعامل البيروقراطي.
إن لاتحاد كتاب المغرب رأسمالا رمزیا لایستهان به، وعليه استثمار هذا الرأسمال لخلق أفضل الشروط لتداول الكتاب المغربي ولفرض الاعتراف في الحياة اليومية بالوضع الاعتباري لمن يبدع وينتج الإنتاجات الذهنية الثقافية، بالإضافة إلى المساهمة واتخاذ المواقف المشرفة في المعارك المجتمعية، إن وطنيا أو قوميا.
فلنطلق العنان لخيالنا لجعل هذه الجمعية تتجاوز ترهلها وتتبنى بعمق قيم التقدم والحوار، والتفكير بهدوء في أحوال هذا البناء الرمزي الذي من المفترض أن يستضيف كل الكتاب المغاربة لأنه يستمد وجوده وقيمته – بالأساس – من وجودهم، وليكن الرهان المطروح على الاتحاد خلال المؤتمر القادم هو: أن يكون أو أن يكون.


الكاتب : عبد اللطيف البازي

  

بتاريخ : 17/04/2023