63 سنة من تاريخ اتحاد كتاب المغرب -24- على أبواب المؤتمر‮ ‬13‮ ‬لاتحاد كتاب المغرب

الانفتاح على الشباب لا يتم على حساب
نظرتنا للكاتب والمبدع

لعل‭ ‬استمرار‭ ‬اتحاد‭ ‬كتاب‭ ‬المغرب‭ ‬في‭ ‬الفعل‭ ‬الثقافي‭ ‬بنفس‭ ‬الوتيرة‭ ‬والدينامية،‭ ‬يجد‭ ‬أسبابه‭ ‬في‭ ‬انفتاحه‭ ‬وتقبله‭ ‬لثقافة‭ ‬الاختلاف‭ ‬التي‭ ‬سادت‭ ‬بين‭ ‬أعضائه،‭ ‬بالإضافة‭ ‬الى‭ ‬تقبل‭ ‬النقد‭ ‬الذي‭ ‬صاحب‭ ‬هذه‭ ‬التجربة‭ ‬بالتقويم‭ ‬والإغناء‭ ‬والذي‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬يوما‭ ‬مدعاة‭ ‬للإقصاء‭ ‬وتغييب‭ ‬الصوت‭ ‬الآخر‭ ‬المختلف،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬أكسب‭ ‬الاتحاد‭ ‬مناعة‭ ‬بفضل‭ ‬هويته‭ ‬الثقافية‭ ‬الواضحة‭ ‬وبفضل‭ ‬قاعدة‭ ‬التوافق‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬الاحتكام‭ ‬إليها‭ ‬في‭ ‬حل‭ ‬المشاكل‭ ‬التنظيمية‭ ‬التي‭ ‬اعترضت‭ ‬مسيرته‭ ‬أحيانا‭.‬

ننشر‭ ‬مساهمة‭ ‬الدكتور‭ ‬حسن‭ ‬الصميلي‭ ‬في‭ ‬الملف‭ ‬الذي‭ ‬خصصه‭ «‬الملحق‭ ‬الثقافي‭» ‬للجريدة‭ ‬بتاريخ‭ ‬25‭ ‬أكتوبر1996‭ ‬تترجم‭ ‬المساهمة‭ ‬النقدية‭ ‬الفعالة‭ ‬للكتاب‭ ‬التي‭ ‬لامست‭ ‬أعطاب‭ ‬المنظمة‭ ‬والاقتراحات‭ ‬العملية‭ ‬التي‭ ‬تسمح‭ ‬بتجاوزها‭.‬

 

يعد اتحاد كتاب المغرب ، وهو في سنته الخامسة و الثلاثين، وعلى أبواب مؤتمره الثالث عشر من أعتد الجمعيات أو “المنظمات الجماهيرية”، وأنشطها وأقواها على الصمود في الظروف الصعبة، وعلى مجابهة وضعية مادية هشة وتجاوز تيارات وصراعات تظهر من حين لآخر. ولعل السر في هذه الحيوية وفي هذا التوفيق يكمن قبل كل شيء في غيرة أعضائها على منظمتهم، وفي حرصهم على استقلالها سواء تجاه الدولة أو تجاه الأحزاب السياسية. وهذه وضعية نادرة في دول الجنوب مكنت اتحاد كتاب المغرب من احتضان أغلب حاملي القلم في هذا البلد كيفما كانت مشاربهم أو التزاماتهم السياسية، ومن اتخاذ مواقف عدة عبر تاريخها لا يعللها سوى ميثاق الشرف الذي يلزم المنظمة وأعضاءها والخط الذي يرسمه كل مؤتمر، كما مكن هذا الاستقلال الاتحاد من ربط علاقات شراكة مع مؤسسات مختلفة، القصد منها المساهمة في تحقيق الهدف العام للمنظمة أي خلق ونشر ثقافة وطنية عربية ديمقراطية.
تتجسد هذه الاختيارات العامة في عمل مستمر برز في التظاهرات الثقافية التي ينظمها الاتحاد أو يشارك فيها، سواء على المستوى الوطني أو العربي أو الدولي. كما تتجسد في منشورات الاتحاد وأهمها مجلة “آفاق” التي أسسها فقيدنا المرحوم محمد عزيز الحبابي والتي حملت إلينا، خلال أكثر من ثلاثين سنة، ملفات أساسية حول الإبداع وحول الثقافة المغربية.
وتعتبر جائزة الاتحاد الموجهة للمبدعين الشباب في المجالات الأدبية خير تجسيد كذلك لهذه الاختيارات الرامية إلى توسيع وتطويرالثقافة الوطنية والعربية. وتشجيع الشباب على الإبداع باللغة العربية.
ومن المظاهر الأخرى لهذه الاختيارات، يمكن الحديث كذلك عن مختلف الفروع التي أحدثت في كل المدن الجامعية والتي تعبر عن سياسة اللامركزية التي يسعى الاتحاد إلى نهجها، وحرصه كذلك على التعاون مع الجامعات والتفاعل معها.
بعد هذا الرصد المبادئ وأهداف الاتحاد وأنشطته ومنجزاته، أود أن أتطرق إلى بعض الأفكار حول التطلعات المستقبلية وحول ما يمكن أن يعتبر ضروريا وحيويا بالنسبة لمنظمة في صف اتحاد كتاب المغرب في الظروف الوطنية والدولية الحالية، سواء على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي أو على المستوى العلمي والتكنولوجي والثقافي.
قبل ذلك، أود إبداء ملاحظتين على المستوى التنظيمي . تتعلق الأولى بشروط العضوية. . صحيح أنه تم في السنين الأخيرة الانفتاح على الشباب، انفتاح يبرز إرادة واضحة لضم إلى الإتحاد طاقات تغنيه وتمده بنفس جديد وحيوي حتى يستمر في رسالته، ولكن ألم يتم هذا على حساب نظرتنا للكاتب وللمبدع؟ أيكفي أن نسود بضعة صفحات لنصير كتابا أعضاء في الاتحاد؟ ألا يحبط هذا أسماءنا الكبيرة أو حتى الصاعدة التي تحتل مكانة مشرفة على الصعيد الوطني والعربي؟ هذه أسئلة تدفعنا ربما إلى صرامة أكبر في تحديد شروط العضوية.
الملاحظة الثانية تهم رئاسة للاتحاد. خمسة رؤساء تناوبوا على إدارة الاتحاد في خمس وثلاثين سنة، أي بمعدل سبع سنوات لكل رئيس. أليست هذه المدة طويلة بالنسبة لمنظمة تتحمل مسؤولية جسيمة في المجال الثقافي داخل وخارج حدود الوطن، علما بأن الرئيس لا يمكنه أن يتفرغ كلية لشؤون الاتحاد؟ ألا يمكن تحديد مدة الرئاسة في سنتين قابلة للتجديد مرة واحدة مع إمكانية الرجوع إلى المسؤولية في فترة لاحقة.
أعود إذن إلى الآفاق. أكيد أن ظروف الاتحاد الحالية بعيدة كل البعد عن ظروف التأسيس في بداية الستينات.
على المستوى الدولي. انتقلنا من عهد الحرب الباردة، من تصارع قطبين إلى القطب الواحد الذي يسعى إلى عولمة نمط واحد هو نمط السوق . وهي سوق يراد لها أن تكون واحدة وموحدة المقاييس الاقتصادية والثقافية وتذوب فيها كل السعات الخاصة.
على المستوى الوطني ننتقل تدريجيا مع ترسيخ المؤسسات الدستورية من الصراع مع السلطة إلى ثقافة الحوار والتوافق، ولا يمكن أن لايؤثر هذا على نظرة الاتحاد، وعلى تعامله مع الدولة ومؤسساتها ومع مختلف هيئات المجتمع.
أعتقد أن هذا التطور على المستويين الوطني والدولي يطرح تساؤلات جديدة على الاتحاد، ويدفعه إلى تعميق النظر في دور الثقافة في مجتمع مثل مجتمعنا وفي هذا الظرف بالذات .
إن دور الكاتب اليوم ودور الاتحاد أكثر خطورة من أي وقت مضى، ذلك لأن العمل الثقافي هو المجال الوحيد الذي سيمكننا من الانخراط في هذا المسار العاملي دون أن نفقد أنفسنا، وفي هذا المجال، يلعب الكتاب الدور الأساسي رغم التكنولوجيا الحديثة، رغم الحاسوب، والمولتميديا والصاتل وتدفق الصورة. رغم كل هذا ، تبقى الرواية والقصة والشعر، والأدب بصفة عامة، المجال الإبداعي الوحيد الذي يغوص في أعماق النفس البشرية وفي أغوار المجتمع فى أدق جزئيات. لا تصل إلى هذا المستوى في العمق أية وسيلة إبداعية أخرى كالسينما أو الفيديو أو التشكيل أو الموسيقى أو المسرح، ولا أدل على ذلك من نتيحة المقارنة بين رواية جيدة وبين اقتباسها على الشاشة. فرغم جودة الشريط السينمائي، تكون المقارنة في أغلب الأحيان لصالح الكتاب.
لهذا يجب أن نستمر في رعاية الكاتب وتوفير أحسن ظروف الإبداع له حتى لا يغرق في متطلبات الحياة اليومية على حساب عطائه الأدبي.
وربما حان الوقت كذلك وفي ظرف استبداد الصورة وسيطرتها على الشباب لكي يتساءل الاتحاد عن مدى إمكانية استعمال الوسائل التكنولوجية الحديثة لصالح ترويج الكتاب والاستعانة بها لإذكاء حب القراءة والمطالعة لدى الطفل والشباب.
يمكن توظيف الوسائل السمعية البصرية والمعلوماتية لخدمة الكتاب وللتشجيع على قراءته ونشره.
هذه بعجالة بعض الأفكار التي كنت أود المشاركة بها ونحن على أبواب المؤتمر الثالث عشر مع متمنياتي بالتوفيق لهذا المؤتمر وبمزيد من العطاء والاستمرار في رسالته النبيلة لاتحاد كتاب المغرب. .


الكاتب : حسن الصميلي

  

بتاريخ : 19/04/2023