63 سنة من تاريخ اتحاد كتاب المغرب -25- على أبواب المؤتمر‮ ‬13‮ ‬لاتحاد كتاب المغرب

تجربة مؤسسة ثقافية 2/1

في هذه الورقة النقدية الهامة، يقف الدكتور أحمد اليابوري الرئيس السابق لاتحاد كتاب المغرب في الفترة ( 1983- 1989) عند مرحلة دقيقة من تاريخ هذه المنظمة بعد مرور 35 سنة على تأسيسها وأهم المخاضات التي عاشتها، وشروط اشتغالها ومواكبتها لأهم التحولات التي عرفها تاريخ المغرب المعاصر
وبحكمة من خبر دواليب تسيير المنظمة وإكراهات هذه التجربة، في إطار سوسيو ثقافي لا يني عن التحول،يرصد اليابوري أهم الانتقالات التي تمت داخل المنظمة، سواء على مستوى الخطاب أو آليات الاشتغال أو الاختيارات الكتابية الجديدة

حقا تخامر المرء رغبة في محاولة كتابة تاريخ لاتحاد كتاب المغرب، باعتباره رافدا من تاريخ الحركة الثقافية ببلادنا، خاصة بعد مرور ثلاثة عقود على تأسيسه، كتابة تنحو منحى أسئلة سريعة، حول شروط تكونه، وعوامل تطوره، عبر مراحل واكبت، بصفة عامة، أهم التحولات في تاريخ المغرب المعاصر.
تبدو هذه المحاولة، لأول وهلة، محفوفة بالمخاطر، شأن كل مغامرة تتوخى قراءة جديدة لما تبقى من نص تتأمل حروفه باستمرار، وتنشد اختراق حجاب المعاصرة الذي لا تتراءى من خلاله، عادة، إلا الملامح التي رسمناها بأنفسنا، كريهة أو محببة، ولكن غير دقيقة، بجميع الأحوال.
إن التجربة التي مارسها الاتحاد، في المجال الثقافي، اتسمت منذ البداية، بنزعة رومانسية المطمح، صوفية السلوك، في أغلب الاحيان، من هنا طابع التفاني من أجل الأمثل والأسمى الذي ميز سلوك أعضائه الذين كانوا في تحديدهم للواقع وكأنهم يرددون مع أحد أبطال الروائي الروسي (ديستويفسكي) اثنان في اثنين أربعة نقدا!. ليست هذه هي الحياة يا سادتي، إنها بداية الموت… أوافق أن «اثنين في اثنين خمسة، يكون في بعض الأحيان أكثر روعة.
ذلك كان موقف الاتحاد ومازال نقدا للواقع ومحاولة خلق شروط ملائمة خارج صرامة المنطق وضروراته، وفوق عناد الضرورة وقسوتها مؤكدا باقتناع طموح، وبإيمان راسخ، وبسخرية من المنطق والواقع «اثنان في اثنين خمسة».
إن اتحاد كتاب المغرب ليس نبتة اصطناعية تشع بألوان ميتة، بل إنه يمتد بجذوره عبر تاريخنا المعاصر، في تضاريس الواقع المغربي والوعي العربي، مقتحما ميدان التجارب الأدبية والفنية في أفق تأسيس ممارسات جديدة تنفتح على الحداثة لإغناء أصالتنا الفكرية والإبداعية.
مرت ثلاثون سنة على تأسيس الاتحاد، منذ نهاية الخمسينات الى الآن، وهي فترة مليئة في تاريخ المغرب بتحولات طالت الواقع الاجتماعي والسياسي والثقافي على السواء. فبعد نشوة الاستقلال الذي مهدت له وعملت على تحقيقه نضالات وتضحيات مختلف القوى الوطنية، برز منذ أواخر الخمسينات تحول من النضال الوطني الى الصراع الاجتماعي السياسي، وتصدعت تدريجيا في العمق، ثم بعد ذلك على السطح، الوحدة الوطنية، وأفرز الواقع الجديد تيارات سياسية وإيديولوجية حاولت، في معظمها، أن تجيب عن الأسئلة الجديدة.
ميلاد اتحاد الكتاب، في هذه الفترة الدقيقة، مع تقدير خاص لدور المؤسسين الرواد، كان معطى جديدا، ضمن استراتيجية سياسية ثقافية جديدة، حاولت أن تقدم صيغة للعمل الثقافي، خارج الإطار السياسي الضيق، مع العلم أن الممارسة السياسية في المغرب ارتبطت، منذ مراحلها الأولى، بالثقافة كمجال حيوي لطروحاتها وتحليلاتها وتجلياتها. من هنا ذلك الاهتمام الخاص الذي أولته الأحزاب السياسية للمدرسة الوطنية العربية الاسلامية، وللإعلام الثقافي وللنشر والطباعة منذ العقد الثالث من هذا القرن.
على هذا الأساس، يعتبر تأسيس الاتحاد في الفترة المشار إليها، رغم كل النوايا الحسنة، خرقا غير مباشر وقد يكون إيجابيا للمجال السياسي، وعملا سياسيا بالمعنى الثقافي للكلمة، وذلك ما يفسر إقبال مختلف الفعاليات الفكرية عليه، منذ تأسيسه الى الآن، وتموقعها داخله، في إطار علاقات تفاعل أو تكامل أو توتر، حسب الشروط السوسيوثقافية السائدة.
وهذا الموقع للاتحاد، داخل مجال الصراع السياسي، وخارج جاذبية السلطة، يميزه عن مختلف الاتحادات والروابط العربية، التي بقيت، في معظمها، تابعة للحزب الحاكم أو للنظام المتحكم.
إن مرحلة التأسيس التي امتدت من 1959 الى 1969 تحت رئاسة المرحوم الاستاذ محمد عزيز الحبابي، امتازت بنزعتها التوحيدية وبخطابها الاساسي العام، وبانفتاحها وملامستها الحذرة للواقع، في إطار اختيار، ربما كان يهدف الى تقوية الاتحاد وترسيخ قواعده، قبل الزج به في حلبة الجدل الاجتماعي، وربما كان ذلك ناتجا عن خطة تروم العمل الثقافي المحض، بعيدا عن تعثرات السياسة وتقلباتها.
وجدير بالذكر أن المرحلة التأسيسية رغم دقة الاسئلة التي واجهتها، والصعوبات المعنويةوالمادية التي اعترضتها، تمكنت من ترسيخ قاعدة الاتحاد من جهة، وفرضت صوته الثقافي في الساحة المغربية، وعملت على التعريف به في الخارج، كما أنها أرست بعض أسس العمل الثقافي في بلادنا، وساهمت خاصة في إبراز أهمية الكتابة الإبداعية المعاصرة، وذلك ما يتجلى في تخصيص أعداد ممتازة من مجلة (آفاق) للشعر والقصة وغيرهما من الأجناس الادبية والفنية الحديثة.
ولا يخفي أن منتصف الستينات عرف تحولات هامة بالجامعة المغربية في اتجاه الاهتمام بالادب العربي المعاصر، مما يعتبر، بحق، انطلاقة خصبة، في مجال التعليم العالي، أعطت نتائجها الإيجابية في مجالات الابداع والفكر في مغربنا الحديث، في توافق مع الاتجاه الذي اختطه الاتحاد في مجال العمل الثقافي.


الكاتب : أحمد اليابوري

  

بتاريخ : 20/04/2023