جدل العلاقة بين الثقافي والسياسي والاجتماعي
حافظت مخرجات المؤتمرات السابقة لاتحاد كتاب المغرب، دائما، على ارتباطها بحاضنتها المجتمعية وانخراطها في مساءلة الوضع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي أيضا، إلى جانب انشغالها الأساسي المتمثل في الوضع الثقافي وشروط الممارسة الثقافية.
هكذا جاء بيان المؤتمر العاشر لاتحاد كتاب المغرب المنعقد أيام الجمعة والسبت والاحد 22/21/20 يناير1989، مستجيبا لهذا الترابط الجدلي بين قضايا الاتحاد وقضايا البلاد على كافة المستويات.فبعد تدارسه للأوضاع الثقافية والسياسية والاقتصادية والاجتماعيةأنذاك، وبعد مناقشته لمختلف التقارير التي تقدمت بها لجان المؤتمر.
و”اقتناعا منه بأن الأوضاع الثقافية العامة بما تشهده من تدهور وتقلص ليست سوى نتيجة مباشرة لمجمل الاختيارات السياسية والاقتصادية المتبعة، التي راهنت على التبعية وعلى خدمة المصالح الضيقة للطبقات المستفيدة، معززة بذلك وضعا تتفاقم فيه البطالة وانهيار القدرة الشرائية، وانفتاح البلاد على مصراعيها لكل ما يهدد هويتنا الحضارية واستقلالنا الاقتصادي والثقافي، واعتبارا لما يشكله هذا التطور من مخاطر أكيدة على مستقبل انتاجنا الثقافي إبداعا واستهلاكا، وما يمثله من اتجاه يسعى إلى طمس تراثنا الثقافي وتقليص نموه بما يستجيب لمطامح الجماهير الواسعة في التقدم والمعرفة وتوسيع الممارسة الثقافية الديمقراطية.
واقتناعا منه بالترابط القائم بين أهمية السياسة الثقافية والتنمية الاجتماعية، وما تتسم به السياسة الثقافية للحكومة من مظهرية وإهمال للهيئات الاساسية وللشروط الديمقراطية الثقافية مما أدى الى تعميق التعثر الاجتماعي وتفاقم البطالة والاستلاب وتهميش مشروع الثقافة الوطنية المستجيب لقيم التحرير والتقدم لدى الشعب المغربي.
واستنادا الى المواقف الثابتة للاتحاد، والتي عبرت عنها جل مؤتمراته وكرسها نضاله الثقافي أكد المؤتمر.
1 – رتباط عميق بقضايا الوطن
أ – تشبث الاتحاد بمبادئ الدفاع عن وحدتنا الترابية، وتعزيز استقلالنا الوطني بتحرير ما تبقى من أراضينا تحت نير الاستعمار الاسباني، مؤكدا على ضرورة تعبئة ديمقراطية شاملة لدعم هذه الوحدة وتقويتها .
ب – تشبث الاتحاد بضرورة توسيع الممارسة الديمقراطية، وضمان بنائها باحترام كامل للإرادة الشعبية وحريتها في الاختيار والانتماء. وفي هذا الإطار أكد المؤتمر العاشر مطالبه بتعميق هذه الممارسة الديمقراطية لتشمل كافة المجالات الحيوية ببلادنا، وذلك بإعطاء مضمون عملي داخل المؤسسات التمثيلية لمفهوم المراقبة والمشاركة في التقرير والتسيير، وباحترام الحريات الفردية والجماعية وبحماية حقوق الانسان المغربي المادية منها والمعنوية، وفي مقدمتها حقه في التعبير وإبدائه الرأي، وبهذه المناسبة جدد المؤتمر مطالبته بإطلاق سراح كافة المعتقلين السياسيين وفي مقدمتهم معتقلو الرأي، كما طالب برفع الحظر عن كل الجرائد والمجلات الموقوفة والكتب المصادرة.
ج – اقتناعه بضرورة من سياسة اقتصادية متحررة من توجيهات مراكز الهيمنة الاجنبية ومتوجهة لتلبية الحاجيات الفعلية للمواطن المغربي، مع ما يقتضيه ذلك من تقوية المضمون الاجتماعي للاختيارات الاقتصادية وتكريس الجهد الوطني لمصالح التكوين والشغل وتقليص الفوارق الطبقية.
د – دعوته لحماية هويتنا الثقافية باحترام كامل لخصوصياتها وتنوعها، ووقف مسلسل تهميش الثقافة الوطنية والشعبية ومواجهة الغزو الثقافي والاعلامي المكرس لطمس هذه الهوية وتفتيتها.
وقد انتبه المؤتمر العاشر الى ما يتهدد اللغة العربية من مخاطر، مؤكدا تمسك الاتحاد باللغة القومية وبتعريب التعليم في مختلف مستوياته ووقوفه ضد كل أشكال التبعية الثقافية، مع الانفتاح على الحوار الثقافي والتفاعل مع مجموع الثقافات والحضارات الانسانية، منبها إلى مجابهة كل أشكال التبعية الثقافية وفي مقدمتها تلك التي تتم تحت غطاء الفرنكفونية التي تتخذ بعض صيغ التعبير عن استراتيجية المستعمر القديم لإحكام هيمنته الثقافية على بلداننا.
2 – دعم القضايا العربية والمغاربية
ولأن الاتحاد ظل معنيا ومتابعا لما يجري على الساحة العربية وخاصة الصراع العربي الفلسطيني، وحرب الخليج بين إيران والعراق، فقد سجل ،باعتزاز، انتفاضة الشعب الفلسطيني في الاراضي المحتلة ووقوفه في وجه الغاصب الصهيوني، كما حيى إعلان قيام الدولة الفلسطينية، معبرا عن مساندته المطلقة لنضال الشعب الفلسطيني وقرارات (مجلس الانتفاضة) آنذاك، مؤكدا دعمه الكامل لكل قرار نابع من استقلالية القرار الفلسطيني وديمقراطته، وفي هذا الاطار دعا المؤتمر العاشر كافة الدول العربية الى أن تفي بالتزاماتها اتجاه الثورة الفلسطينية لضمان استمرار نجاحاتها ودعم الانتفاضة البطولية في الارض المحتلة وتركيز أسس الدولة الفلسطينية المستقلة.
ب – يعبر المؤتمر عن ارتياحه العميق لوقف الحرب العراقية الايرانية كما عبر عن أمله في أن يخدم وقف هذا النزيف، القضايا العربية والاسلامية العادلة وفي مقدمتها قضية الشعب الفلسطيني.
أما بخصوص تعميق العلاقات بين الدول المغاربية، فقد أعرب المؤتمر عن تفاؤله بتطور العلاقات المغاربية وبما تحمله من أمل في تجاوز الصراعات الهامشية وجعل منطقة المغرب العربي أفقا حقيقيا لترسيخ العمل الجماعي وللدفاع عن قيم الديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية. وفي هذا الاطار دعا المؤتمر كافة اتحادات الكتاب بالمغرب العربي لتنسيق جهودها الثقافية وتقوية روابطها ونضالاتها المشتركة خدمة للقضايا الاساسية لثقافتنا الوطنية.
د – عبر المؤتمر عن مساندته الكاملة لنضال الشعب اللبناني من أجل الحفاظ على استقلاله، وعلى سيادته الوطنية، داعيا كل الاطراف العربية المعنية بالازمة اللبنانية الى دعم نضال الشعب اللبناني دفاعا عن وحدته واستقلاله.
3 – مساندة حركات
التحرر العالمية
لم يكن اتحاد كتاب المغرب مفصولا عن قضايا العالم واشتباكاته، وظل مرتبطا ومساندا لكل الحركات التحررية والقضايا العادلة للشعوب، وفي هذا الإطار أشار المؤتمر في بيانه العام الى ارتياحه لجهود الانفراج الدولي المرتبطة بالدعوة الى تخفيض التسلح، والتخفيف من بؤر الصراع الحادة من أجل مواجهة المشاكل الانسانية الكبرى وفي مقدمتها مجاعات العالم الثالث وديونه المتراكمة وأزمات التخلف المادي والثقافي التي تعيشها دول الجنوب، مدينا بشدة ما تقوم به كل من الامبريالية الامريكية، والكيان الصهيوني من إرهاب ضد السكان الفلسطينيين العزل وضد الشعب العربي بصفة عامة.كما أكد المؤتمر مساندته المطلقة لنضال شعب جنوب افريقيا ضد الميز العنصري ولكل نضالات الحركات التحررية والديمقراطية في العالم من أجل بناء مجتمعات عادلة ومتقدمة.