63 سنة من تاريخ اتحاد كتاب المغرب -33- على أبواب المؤتمر 15 لإتحاد كتاب المغرب

في الحاجة الى الاتحاد

أعد «الملحق الثقافي» للجريدة، بمناسبة انعقاد المؤتمر 15 لاتحاد كتاب المغرب ملفا يوم الجمعة 9 نونبر 2001. وضمنه ورقة هامة ننشرها اليوم للدكتور كمال عبد اللطيف تناولت التوجهات الفكرية للاتحاد ومختلف التفاعلات والأسئلة التي كانت تتشكل في نسيج الثقافة المغربية المعاصرة ، وما لعبة التأطير المؤسسي للاتحاد من دور في بلورة تقـالـيـد أسـاسيـة في مجال العمل الثقافي الجمعي والجماعي، وفي مـجـال الـعـمـل الـثـقـافـي الـهـادف إلى إسناد الـتـحـولات الـتـاريخـيـة والسياسية، بل بناء وتركيب التوجهات الثقافية القادرة على دعم مختلف أشكال التطور والتحـول التي تلاحقت في تاريخنا المعـاصـر، حيث لا يمكن فـصل الفاعلية الثقافي عن أسئلة محيطها السياسي والاجتماعي.

 

1

عندمـا بادرت مـجـمـوعـة مـن الفاعلين في المجال الثقافي في مطلع الستينات بتأسيس اتحاد كتاب المغرب، لم يكن الحدث في الصيغة المؤسـسـيـة التي اتخـذ ت،يـتـجـاوز الشـروط والمعطيات التي كانت تؤطر الفضاء الثقافي في مغرب ما بعد الاستقلال في أبعـاده المختلفة، فنحن نعرف اليوم أصحاب المبادرة، رغم أن تاريخها لم يكتب بعد بصورة واضحة.كما نـعـرف تـوجـهـاتـهـم الفكرية الـعـامـة واختياراتهم السياسية، وكذا نوعيات العلاقة التي كانت تربطهم بكل ما له صلة بمجـا لالكتابة والثقافة والمجتمع والسلطة في بلادنا. ولعل اسـتـحـضـار أسـئلة مـغـرب نـهـاية الخمسينات وبداية الستينات وطنيا وقوميا وفي المسـتـوى الـعـالمي، يفـيـدنا في بناء تشخيص أفضل لسياق الشروط العامة التي واكـبت نشـاة الاتحـاد، ورسـمـت طبيعة التـوجـهـات المحـددة لاخـتـيـاراته في المجـال الثقافي المغربي، ولاشك في أن الآثار التي أنجزها الاتحاد منذ بدايته الى اليوم: مجلة أفاق، ندوات ولقاءات دار الفكر، والندوات الكبـرى الـتـي تـلاحـقت خلال تاريخه الحافل، وكذا السجالات التي كانت تنشأ في قلب المؤسسة وعلى هامشها زمن التـأسيس، والتي مـافـتىء الأحـيـاء من مؤسسي الاتحاد وصانعي مسيرته يعبرونعنهـا ويوضـحـون أبعـادها، لاشك أن كل هذه الآثار تتيح للمهتمين بتاريخ الاتحاد مناسبة لفهم وإعادة فهم خلفيات وأبعـاد النشأة، بل ومـخـاضـاتهـا السابقة واللاحـقـة، فكل هذه المعطيات تؤكـد بما لا يدع أي مـجـال لـلـحـيـرة بأن مسار الاتحـاد حـفـر ومازال يـحـفـر مـجـراه في تربة الثقافة المغربية، باعتباره مؤسسة تتصف بأهم سمات المؤسسات الثـقـافـيـة التـاريخـيـة المنخرطة في قلب تحـولات الوعي المواكب لهـا، بل والمسـاهمـة في صناعـتـه وتأطيـر جـوانب منه خـلال لحظات الصيرورة والتطور، وفي مـواجـهـة الـتـحـديات والعوائق الذاتية والموضوعية.
ولعلنا لا نبالغ إذا مـا اعـتـبـرنا أنه يمكننا قراءة فـضـاء الـصـراع في الثـقـافـة المغربية، انطلاقا مـن مـراجـعـة تاريخ الاتحـاد، وتاريخ منجزاته الرمـزيـة خـلال مـا يقرب من أربعة عقود من تاريخ المغرب المعاصر. ففي البيانات العامة لمؤتمرات الاتحاد، وفي أوراقه الثقافية، وفي النقاشات الفكرية والسياسية التي كانت تتبلور نتيـجـة لأفـعـال حـضـوره، وكـذا في منجزات مجلة «آفاق» المعبرة عن لسان حاله ومختلف الأنشطة الثقافية التي أطر ومازال يؤطر، ما يعبر عن نوعية التفاعلات والأسئلة التي كانت تتشكل في نسيج الثقافة المغربية المعاصرة.
صحيح أن الإنتاج الثقافي المغربي، فكرا وإبداعا ، يعد محصلة جهود ذوات فردية فاعلة في حـقل الثـقـافـة المغـربيـة، إلا أن الـتـأطيـر المؤسسي الذي مارسه ويمارسه الاتحاد لعب دورا أساسيا في بلورة تقـالـيـد أسـاسيـة في مجال العمل الثقافي الجمعي والجماعي، وفي مـجـال الـعـمـل الـثـقـافـي الـهـادف إلى إسناد الـتـحـولات الـتـاريخـيـة والسياسية، بل بناء وتركيب التوجهات الثقافية القادرة على دعم مختلف أشكال التطور والتحـول التي تلاحقت في تاريخنا المعـاصـر، حيث لا يمكن فـصل الفاعلية الثقافية عن أسئلة محيطها السياسي والاجتماعي، وذلك ضمن منظور محدد للعمل الثـقـافي، منظور يرى في الـفـاعـلـيـة النظرية للإنسـان أفـقـا للـعـمل الرامي إلى بناء ذات تاريخـيـة ووعي تاريخي مسـاعـد على إنجـاز انـخـراط أفضل في الـعـالـم، وذلك بتـسـخـير الإنتـاج الـثـقـافي المتـمـثل في كـفـاءة الكتـابة والإنتاج الرمزي بمختلف ألوانه لإغناء العقل والوجـدان، وتوسيع دائرة الحلم بـحـاضر ومستقبل أجمل وأفضل لبلادنا.
2

طيلة مسيرة الاتحاد المتواصلة من الفقيد العميد المؤسس مـحـمـد عـزيـز الـحـبـابي الى الكاتب والشاعر حسن نجمي، وخلال أربعين سنة خلت قطع الاتحاد فيها أشواطا هامة في مـجـال العمل الثقافي المؤسسي في بلادنا.
خـلال هذا المجرى الزمني الذي تـخـتـزلـه الكلمات بطريقة مبتسرة، تجسد في واقع الثقافة والكتابة في المغرب نموذج من نماذج العمل الثقافي الجماعي الملتزم، معبرا خلال تاريخه عن عوائق وضغوط العمل الثقافي الطوعي والتطوعي، ومبلورا في كل لحظة من لحظات مواصلته لحضوره حساسيات جديدة في الثقافة والإبداع، وفي نوعية الخطابات التي كان يحرص على إرسـالـهـا، مـعلنا عن هويته الثقافية، واهدافه في المجال الثقافي والفني .وقـد عـبـر الـحـضـور الـرمـزي للاتحـاد في المراكز الحضرية حيث تعقد ندواته الكبرى وأشطته الهامة بالبيضاء والرباط وفـاس ومكناس وتطوان وغيرها من المدن المغربية عن أشكال التواصل التي حرص الاتحاد على تحقيقها، بهدف المساهمة في تأطير الثقافة المغربية، وإعداد ما يهيء سبل توسيع دائرة العمل الثقافي المنخرط في بناء أسئلة الذات المغربية في تحولها، وفي طموحها التاريخي الهادف إلى تحقيق نهضة وطنية شاملة .ولعل الذين واكبوا مسيرة الاتحاد، والذين صنعوها ومازالوا يصنـعـونـهـا بكثير من الصبر والجهد، يدركون الصعوبات والعوائق التي واجـهها الاتحـاد مـنـذ مـيـلاده، وخـلال لحظات تطوره وإلى حدود يومنا هذا..
لقد اختار اتحاد كتاب المغرب منذ استوائه في صـورة إطـار جـمـعـوي هادف إلى تفعيل العمل الثقافي وتأطيره في بداية الستينات، اخـتـار استقلاله واستقلاليته عن السلطة السائدة، ومازال كثير من المؤسسين الأحياء يتذكرون أشكال التوتر القوية التي صاحبت مسألة استقلالية الاتحاد في لحظة ميلاده، ولحظات اشتداد عوده، ولعل المؤتمرات التي
أصبح فيها الأستاذ عبد الكريم غلاب، ثم الأسـتـاذ محمد برادة يتـحـمـلان بالتـتـابع مسؤولية رئاسية الاتحاد قد ساهمت في بناء في دلالات الاستقلالية التي حرص عليها الاتحاد، ومنحتها الصبغة التاريخية التي اتخذت والشخصية الاعتبارية التي ترسخت.
تصبح هذه المسألة بالذات، مـسـألة الاستقلالية، أكثر وضـوحـا عنـدمـا نربطهـا بطبيعة الاختيارات السياسية المعارضة في ذلك الوقت، حيث لا يمكن قراءة المظاهر التي اتخذ الاتحاد في سنواته الأولى في انفصال عن مجرى التناقضات والصراعات السياسية التي كانت تجري في بلادنا، بل إنه لا يمكن فصل المشروع الثقافي للاتحـاد وإلى حـدود مطلع السبعينات عن المشروع الثقافي للحركة الوطنية، مع فارق مركزي يتمثل في الاختلاف بين التعبير الجمعوي عن مشاريع التوافق الفكرية داخل مؤسسة ثقافية، والجهد الفردي المبدع للذوات المنخرطة في بناء حـساسيات فـنـيـة وفكرية جديدة، خـارج دائرة العـمل المؤسسي وليس خارج محيطها الاجتماعي التاريخي العام، وهو ما يعكس تاريخياوواقعيا، الإرهاصات الأولى لطمـوحـات فكرية وفنية ناشئة، وتطلعات تروم رسـم مـعـالـم جديدة في الـتـفـكيـر وفي الإبداع، طمـوحـات وتطلعات عمل الاتحاد على تبنيها، وتهييء سبل دعمها، والمحافظة علـيـهـا بتطويرها، وتوسيع دائرة تفاعلـهـا النقـدي مع محيطها الاجتماعي العام.


الكاتب : كمال عبد اللطيف

  

بتاريخ : 03/05/2023