8 مارس 2025: مغرب جدير بنسائه هل ستنهي المدونة الجديدة صراع المرجعيات؟

 

يحل اليوم العالمي للمرأة في المغرب هذه السنة 2025 في المغرب، والقضية الحقوقية النسائية على محك فاصل بين مغربين: مغرب حداثي يتوق إلى التأسيس لإنسية كاملة للمرأة تتمتع فيها بحقوقها، خطابا وممارسة، ومغرب ينشدُّ إلى الماضي وتصوراته القاصرة تجاه المرأة وأدوارها.
هذا الخيط الفاصل بين المغربين تتجاذبه تصاديات الدين والسياسة، يجب أن يحتكم – وفق معطيات الواقع الاجتماعي الجديد وشروطه والذي أصبح يفرض منطقه المساواتي بقوة الأشياء – يحتكم إلى عدد من المستجدات والتحولات التي طرأت على البنية السوسيو اقتصادية للمجتمع المغربي، ووجود النساء في جميع المجالات وبالتالي وضع مفهوم «القوامة» التقليدي موضع مساءلة ونقاش، ومعه مجموعة من التمثلات الثقافية حول المرأة والتي تنتج خطابا معاديا ومناقضا للمجتمع الحداثي الذي نصبو إلى ترسيخ قواعده، تماشيا مع دستور 2011 المتقدم جدا في نصوصه المرتبطة بالشق الحقوقي، خاصة في فصله 19 ، وكذا تطبيقا لالتزامات المغرب الذي اختار الدخول في العهد الدولي، وصادق على جملة من الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق المرأة والطفل، مثل اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة سنة 1993، ورفع التحفظات عنها سنة 2008الى مصادقة البرلمان المغربي على البروتوكول الاختياري المتعلق بها، والبروتوكول الاختياري للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية في السابع من يوليوز 2015، مما يعني ضرورة أن المغرب صار معنيا بتقديم أجوبته بخصوص التوصيات المتعلقة بنظام الأسرة التي أقرتها لجنة القضاء على التمييز ضد المرأة في تقريرها ليوليوز 2022، أو التوصيات المقبولة جزئيا أو كليا في إطار الاستعراض الدوري الشامل لنونبر 2022 التي تم الإعلان عنها في مارس 2023، بمجلس حقوق الإنسان بجنيف، أو التي تتعلق  بتنزيل توصيات اجتماع بيكين +25  المنعقد في مارس 2020.
اليوم يحمل 8 مارس 2025، آمالا عريضة بتحسين وضع المرأة، حقوقيا واجتماعيا وقانونيا وفي قلبه تحسين الإطار القانوني الحمائي للأسرة المغربية، بعد أن صدر التقرير المتعلق بمقترحات التعديلات التي أجريت على قانون الأحوال الشخصية أو مدونة الأسرة مع فتح ورش إصلاحها للمرة الثانية بعد 20 سنة عن آخر مراجعة لها (2004)، والتي شهدت بدورها مقاومات قادتها التيارات الدينية المحافظة، وكذا السياسية ، وهي المقترحات التي أشرفت عليها هيئة تتألف من وزارة العدل، والمجلس الأعلى للسلطة القضائية، ورئاسة النيابة العامة، مع إبداء المجلس العلمي الأعلى رأيه الشرعي في بعض الأمور المرتبطة بنصوص دينية، والتي لاتزال بعض مقترحاتها موضع نقاش مجتمعي، خاصة ما يرتبط بمسألة الخبرة الجينية لإثبات النسب.
هذه المقترحات التي ننتظر عرض مشروع قانونها على البرلمان، والتي قدمت مجموعة من الامتيازات للمرأة والأسرة والطفولة، خاصة مع يتعلق بالولاية القانونية على الأبناء، وعدم إسقاط الحضانة والنفقة عن الأم المتزوجة، استثناء بيت الزوجية من الميراث، شهدت هي الأخرى حملات تبخيسية مضادة، ومقاومات من التيارات الدينية ومحاولات لتغليط وتحوير النقاش المجتمعي حولها، وهي المحاولات التي تتطلب مواجهتها بصرامة ووعي للمساهمة في النقاش الحقيقي المرتبط بمدونة الأسرة، سواء في شقه القانوني أو الحقوقي من طرف التنظيمات النسائية المدنية أو السياسية. وفي هذا الإطار نسجل مساهمة منظمة النساء الاتحاديات في تأطير عدد من اللقاءات والندوات بجميع مدن المغرب ، مواكبة والتزاما من المنظمة بالمساهمة في النقاش الحقوقي والقانوني دفاعا عن الأسرة المغربية بكل أطيافها، دون مزايدات سياسوية ضيقة، خاصة إذا توقفنا عند تركيبة الحكومة الحالية بأحزابها الثلاثة التي لم تقدم لحد الآن موقفها مما جاء في التعديلات المقترحة.
إن مهمة مواجهة هذه المغالطات وتحوير النقاش عن مساره الحقيقي، مطروحة اليوم على جميع تنظيمات الصف الحداثي، المدنية والسياسية، حتى لا يتكرر سيناريو مدونة 2004 التي ظل عدد من بنودها طي الرفوف والمساطر القانونية الجامدة، في حين تم التحايل على عدد منها، باسم الاستثناء والسلطة التقديرية للقاضي حتى أصبحت هي القاعدة والتعديلات هي الاستثناء، خاصة أن جلالة الملك دعا في خطابين متتالين(خطاب العرش وخطاب افتتاح البرلمان) إلى تعديل مدونة الأسرة، بقصد استدراك النقائص التي أبان عنها واقع التطبيق.
إن الانقسام الإيديولوجي والفكري داخل المجتمع المغربي بين التيارين السالفي الذكر، النكوصي الذي لا يخفى تجذره وتغلغله داخل البينة التقليدية للمجتمع نظرا لارتباطه داخل المتخيل الجمعي بحراس الدين وحماته، وبين التيار الحداثي الذي يعاني أيضا من قصور في أدوات تواصله وتنظيماته المتوازية في السنوات الأخيرة، يؤثر بشكل كبير على منحى ومسار هذه التعديلات، ما يجعل مستقبلها ملتبسا. فهل ستنتصر إرادة التغيير بما يدعم منحى سمو المواثيق الدولية على التشريعات الوطنية بعيدا عن المساس بجوهر الحدود الشرعية الدينية، وهل ستنتهي الصيغة القانونية إلى الحسم في صراع المرجعيات، وربح رهان المغرب الجديد؟


الكاتب : حفيظة الفارسي

  

بتاريخ : 08/03/2025