يعد إصلاح قطاع المؤسسات والمقاولات العمومية من الأولويات التي شدد عليها جلالة الملك محمد السادس في خطاب العرش الذي ألقاه في 29 يوليوز 2020 والذي ألح على ضرورة الإسراع بإطلاق إصلاح عميق للقطاع، ودعا إلى إحداث وكالة وطنية للتدبير الاستراتيجي لمساهمات الدولة ومواكبة أداء المؤسسات العمومية، وكذا صندوق محمد السادس للاستثمار. وعلاوة على ذلك، دعا جلالته إلى القيام بمراجعة جوهرية ومتوازنة لقطاع المؤسسات، حيث حددت خطة الإصلاح في إطار قانون-الإطار رقم 50.21، والعديد من القوانين الأخرى مثل قانون رقم 82.20 المتعلق بالوكالة الوطنية للتدبير الاستراتيجي لمساهمات الدولة وصندوق محمد السادس للاستثمار.و رغم الجهود المبذولة، كشف تقرير المجلس الأعلى للحسابات عن مجموعة من الانتقادات التي تسلط الضوء على التأخر الكبير في تنزيل هذه الإصلاحات وتحقيق الأهداف المسطرة. ومن أبرز المؤاخذات التي وردت في التقرير:
1 – التأخر في وضع خارطة طريق شاملة لإعادة الهيكلة
إحدى النقاط الأساسية في الإصلاح تتمثل إعادة هيكلة المحفظة العمومية للمؤسسات والمقاولات العمومية، والتي تستهدف تقليص حجم المحفظة ورفع فعاليتها. ورغم الجهود التي بذلتها وزارة الاقتصاد والمالية، يشير التقرير إلى أن الرؤية المتعلقة بإعادة هيكلة المحفظة العمومية لم تكتمل بعد، ولم يتم تحديد خارطة طريق واضحة مع جدول زمني محدد. حيث اكتفى العديد من القطاعات بتحديد بعض العمليات التي هي في مراحل متقدمة، لكن دون وجود خطة شاملة توضح المسار الزمني لتنفيذ هذه العمليات.
2 – عدم التقدم الملحوظ في تنفيذ عمليات الخوصصة
منذ سنة 2018، كان هناك هدف طموح يتعلق بتسريع عمليات الخوصصة بهدف تقليص حجم المحفظة العمومية وتحفيز الاقتصاد. ولكن وفقًا للتقرير، فإن عدد العمليات المنجزة بين 2018 و2024 كان محدودًا للغاية، حيث تم تنفيذ أربع عمليات فقط بعائدات تقدر بحوالي 17 مليار درهم، وهي أرقام أقل بكثير من الأهداف المنشودة. كما أن عمليات تقييم الخوصصة التي كانت من المفترض أن تتم بعد سنة 2004 لم تُنفذ بعد.
3 – بطء في تحويل المؤسسات العمومية إلى شركات مساهمة
من خلال القانون رقم 82.20، كان من المتوقع أن يتم تحويل 15 مؤسسة عمومية إلى شركات مساهمة بحلول سنة 2026. ورغم أن هذا التحويل يُعد خطوة هامة نحو تحسين نجاعة المؤسسات، يلاحظ التقرير تأخراً كبيراً في هذا الصدد. حتى نهاية شتنبر 2024، لم يتم تحويل أي مؤسسة عمومية تابعة للوكالة الوطنية للتدبير الاستراتيجي إلى شركة مساهمة، رغم الجهود التي تمت بين عامي 2023 و2024 لتحويل أربع مؤسسات على الأقل في 2024. ويشدد المجلس الأعلى للحسابات على ضرورة تسريع هذا التحويل لتجنب أي تأثير سلبي على التوقيت المحدد في القانون.
4 – نقص في التنسيق
بين الوزارات المعنية
على الرغم من الجهود التي بذلتها وزارة الاقتصاد والمالية، يظل التنسيق بين الوزارات والوكالة الوطنية للتدبير الاستراتيجي لمساهمات الدولة محدودًا. يرى المجلس أن العديد من الوزارات الوصية على المؤسسات العمومية لم تساهم بشكل فعال في تحديد وتنفيذ عمليات إعادة الهيكلة. إذ إن نجاح هذه الإصلاحات يتطلب التنسيق الكامل بين الوزارات المختصة لتحديد أولويات إعادة الهيكلة، وهو ما لم يتحقق بعد بما فيه الكفاية.
5 – التأخير في تفعيل السياسة المساهماتية للدولة
من أجل ضمان متابعة وتحقيق نجاعة إصلاح المؤسسات العمومية، تم إنشاء الوكالة الوطنية للتدبير الاستراتيجي لمساهمات الدولة، والتي من المفترض أن تكون الجهة المسؤولة عن مراقبة وتحقيق أهداف السياسة المساهماتية. ومع ذلك، يواجه تقرير المجلس الأعلى للحسابات انتقادات حادة حول التأخير في تفعيل هذه السياسة، حيث أشار إلى أن الوكالة لم تتمكن من تحديد السياسات التنفيذية اللازمة في الوقت المناسب. علاوة على ذلك، رغم أن المشروع الخاص بتفعيل السياسة المساهماتية تم وضعه في مسطرة المصادقة في يونيو 2024، إلا أن الوكالة لم تتمكن بعد من البدء في تنفيذ هذه السياسة على أرض الواقع.
6 – صعوبات في عمليات التصفية
تمثل عمليات تصفية بعض المؤسسات والمقاولات العمومية إحدى الركائز الأساسية لهذا الإصلاح، إلا أن هذه العمليات لا تسير بالشكل المطلوب. حسب تقرير المجلس، تواجه عمليات التصفية العديد من الصعوبات التي تؤثر على سرعتها، مثل صعوبة تسوية الوضعية المالية للمؤسسات التي يتم تصفيتها، بما في ذلك أصولها وخصومها التي تتطلب تسوية عاجلة. على الرغم من أن بعض العمليات قد تم إتمامها، مثل تصفية وكالة حساب الألفية والشركات التابعة للشركة الوطنية لتطوير تربية المواشي، فإن العمليات الأخرى ما زالت تواجه عوائق كبيرة.
7 – القصور في نشر النصوص القانونية والتنظيمية
يُلاحظ التقرير أيضًا أن العديد من النصوص القانونية والتنظيمية المنصوص عليها في القانون الإطار رقم 50.21 لم يتم نشرها بعد، رغم مرور أكثر من ثلاث سنوات على دخوله حيز التنفيذ. من بين هذه النصوص التي لم تُنشر بعد، هناك قوانين حيوية تتعلق بالحكامة والرقابة المالية على المؤسسات والمقاولات العمومية، بالإضافة إلى مشروعات القوانين المتعلقة بنظام الخوصصة وإنشاء الهيئة المركزية للتصفية. هذا التأخير في إصدار النصوص القانونية يعكس ضعف التنسيق والإرادة السياسية اللازمة لضمان إتمام الإصلاحات في الوقت المحدد.
8 – التأخير في تفعيل صندوق محمد السادس للاستثمار
صندوق محمد السادس للاستثمار، الذي تم إنشاؤه لدعم الاقتصاد الوطني من خلال المساهمة في تمويل المشاريع الاستراتيجية، يواجه هو الآخر تأخيرًا في تفعيل بعض مكوناته. على الرغم من أن الدعوة لإبداء الاهتمام من أجل اختيار شركات التدبير لإدارة الصناديق القطاعية قد أسفرت عن اختيار 15 شركة، إلا أن المشروع لا يزال في مرحلة التفاوض. كما أن التمويل المخصص للمشاريع لا يزال في مرحلة تحديد المشاريع الاستراتيجية التي سيغطيها الصندوق، ما يعكس البطء في تنفيذ هذا المشروع الذي يهدف إلى تحفيز النمو الاقتصادي.