هل اخترقت قيم اليمين المتطرف المندوبية الأوربية؟
يوسف لهلالي
بعد اختيار أعضاء المندوبية الأوربية برئاسة الألمانية أورسولا فون دير لاين، تعرضت لضغوطات من أجل تغيير تسمية إحدى حقائب المفوضين الأوربيين، والتي تجمع بين الهجرة و»حماية نمط الحياة الأوربية»، وطالبت الفرق البرلمانية للاشتراكيين والليبراليين والخضر بتغيير هذه التسمية.
وقد اعتبر العديد من الجمعيات، تبعا لذلك، أن هذا الخطاب «مستعار من اليمين المتطرف الأوربي»، خاصة أن هذا الربط يحيل على أن الهجرة هي تهديد نمط العيش الأوربي، وهو الخطاب التي تردده أحزاب اليمين المتطرف بأوربا، سواء أتعلق الأمر برابطة الشمال بايطاليا والتي يتزعمها ماتيو سالفيني أم بالجبهة الوطنية التي تتزعمها مارين لوبين.
اندلع الجدل بالمندوبية الأوربية والبرلمان الأوربي بعد إعلان المندوبة الاوربية أورسولا فون دير لاين لليوناني مارغريتس سكيناس عن الحزب الشعبي كنائب لرئيس ومكلف بـ «حماية نمط حياة الهجرة» والأوربيين. وكتبت المندوبة الأوربية الجديدة في رسالة التعيين سكيناس بالقول أن «نمط حياة الأوربي يرتكز على التضامن، وراحة البال والأمن. علينا الاستجابة للمخاوف والقلق المشروع حول أثر الهجرة غير القانونية، على اقتصادنا ومجتمعنا، وتهدئتهما.
وفي توضيحها لأسباب التسمية، قالت بأن تسميات الحقائب الملحقة بنواب الرئيس مأخوذة من برنامجها السياسي الذي عرضته بالبرلمان الأوربي.
ورغم أن ممثلي اليمين المتطرف وممثلين من البرلمان الأوربي لا يتوفرون على عدد يمكنهم من الحصول على ممثلين في المندوبية الأوربية، فإن أفكارهم وقيمهم أصبحت ممثلة مع المندوبة الجديدة ومع نائبها.
الرئيس السابق للمندوبية الأوربية جون بيير جونكير شارك بدوره في هذا الجدل الدائر ضد المندوبة الجديدة فون دارلاين، والتي تنتمي بدورها إلى الحزب الشعبي، وصرح لإحدى القنوات الاوربية بالقول «لا احب فكرة أن نمط الحياة الأوربي يتعارض مع الهجرة، وشدد على أن قبول الاتين من بعيد يندرج ضمن نمط الحياة الأوربي»
هذا الجدل وسط المنتمين إلى الحزب الشعبي يعكس اختلاف التيارات داخل اليمين الأوربي، ورأينا أنجيلا ميركيل المستشارة الألمانية التي فتحت أبواب بلادها لاستقبال أكثر من مليون لاجئ سوري، في حين أن الرئيس السابق نيكولا ساركوزي الذي ينتمي إلى اليمين الأوربي أيضا نهج سياسة مخالفة و أسس هو الآخر وزارة للهجرة والهوية الوطنية، وهي سياسة أثارت جدلا كبيرا بفرنسا، أثرت على إعادة انتخاب الرئيس السابق لولاية ثانية، انتهج خلال رئاسته لفرنسا سياسة جد صارمة تجاه الهجرة، واستعار هو الآخر تعابير لليمين المتطرف، رغم انتمائه الشخصي إلى عائلة مهاجرة والده لم يكن يتوفر على الجنسية الفرنسية، وكانت زوجته كارلا أيضا من أصول أجنبية، لكن رغم هذه الاعتبارات الشخصية والعائلية، كان يقلد اليمين المتطرف في تعامله مع ملف الهجرة واتخذ عدد من الإجراءات ضد التجمع العائلي وضد كل اما يسهله ا القانون للمهاجرين.
اليوم المندوبة الأوربية الجديدة اختارت مغازلة اليمين المتشدد وسط عائلتها السياسية، وكذلك الأحزاب الشعبوية الأوربية، خاصة أن الهجرة في السنوات الأخيرة أثارت جدلا بين البلدان الأوربية، خاصة في إيطاليا التي حكمها مند 14 شهرا حكومة تحالف بين اليمين المتطرف وبين خمسة نجوم الشعبوية، وقرر وزير الداخلية ماتيو سالفيني وقف سياسة استقبال المهاجرين وخرق كل القوانين الأوربية والدولية في انقاذ المهاجرين، لكن سياسة الهجرة هي احد الملفات التي تفرق الأوربيين، خاصة اختلاف السياسة بين كل قطر اوربي وهو الامر الذي حال دون نهج سياسة اوربية موحدة في مجال الهجرة ويفسر ما انقسام الأوربيين حول الموضوع.
اليوم يبدو أن أفكار اليمين المتطرف وقيمه لم تعد تحرج حتى ممثلي الأحزاب اليمينية التقليدية وهو ما عبرته عنه المندوبة الاوربية الجديدة من خلال اختيارها لهذه التسمية ومن خلال تشبتها بذلك رغم الجدل الذي أثاره هذا القرار وسط البرلماني الأوربي وداخل المجمع المدني الاوريي. فهل هذا الاختيار هو إشارة من المندوبة الجديدة لبلدان الجوار خاصة في الجنوب المتوسطي حول سياستها الجديدة خاصة تجاه المغرب، ليبيا وتركيا التي تتعرض لضغط الهجرة بسبب موقعهم الجغرافي وقربهم الكبير من أوربا. وهو مل يعني أن التشدد تجاه الهجرة سيكون هو ميزة عهد رئيسة المندوبة الاوربية الجديدة..
الجدل حول التسمية الجديدة من المحتمل أن يثير جدلا أكبر، خاصة أن عددا من ممثلي الأحزاب الأوربية طالبت بسحب التسمية، خاصة أن ممثلي المندوبية الاوربية سوف يتم الاستماع لهم من طرف البرلمان الأوربي في 30 من شتنبر و8 من أكتوبر ليتم اعتمادهم أو رفضهم في مناصبهم.
الكاتب : يوسف لهلالي - بتاريخ : 22/10/2019