لهم في السماء أم وشجر

 

هاهم يتساقطونَ
هاهم يموتون
هاهم يوقظون الذكريات.
هاهم يجهشون بالرحيل.
هاهم يقدمون ما تبقى من لحمهم للَإبر.
هاهم يلجون ليلهم وحيدين.
هاهم يستسلمون للأيادي الخشنة.
هاهم يودعون خبزهم وشايهم وضحكهم
هاهم يتركون أحفادهم للكسور والتيه والمنافي.
هاهم ينسون عنفوان أعضائهم .
هاهم يتركون القلب لرياح العزلة.
هاهم ذاهبون إلى غروب قاتل.
تتذكر أميرتهم الكبد المشوي على الجمر.
تتذكر الرقص والرقص والصيف وأعشاب الرجال.
هاهم ذاهبون إلى الأقاصي الموحشة.
ها عظامهم تصطك من سواد الغربان.
هاهم عزل أمام قدرهم.
هاهي حقول الروح تودعهم.
تتذكر أميرتهم سنابل جسدها وشقائق النعمان.
هاهم يدافعون عن سماء ضحكهم بالأمل الخاسر.
هاهم يدافعون عن أملهم بأقراص العبث.
هاهم يعودون إلى طفولتهم.
هاهم يركضون في الحقول.
رعت المقيمة في الأزرق غبطتهم.
بزهور أمومتها دثرت هشاشتهم.
كانوا يبحثون عن الضوء الأبهى في جسد الحقول .
كانوا يحمون فردوسهم الأخضر من الأفول.
أقاموا للعبور عرسا ليتمه السحيق.
هاهم يتركون اللغة لمستحيلها العضال.
هاهم متجهون صوب أعشاب أرضهم.
أرضهم قمح الصوت وعسل الصيف.
صيفهم أشهى وقمرهم سهران في الأعالي.
وسيمون كالبياض ووديعون كنحل أعماقي.
رعاة وحصادون.
بهاليل وراقصات على الجمر.
دراويش ومسكونات بالليل وشجون القصب.
موشومون بالمنسي والشمس.
تركوا ديارهم فرائس للرماد والريح.
تركوا الحجر شاهدا على خبزهم وزغاريد عبورهم.
هاهم يتذكرون عرقهم وملح رقصهم.
هاهم يتركون لورد السلالة الوسامة ومحبة الخيول.
من الضوء كانت خيولهم.
من أخوة البكاء كانت هشاشتهم.
من باهظ الرحيل كان بكاؤهم.
من وجع الغروب دواؤهم.
من القمح كانت أجسادهم.
من أجسادهم انبجس غناء الصيف.
صيفهم عصي على المجاز.
في المجاز عنبهم وتينهم وتمرعشيرتهم.
هم الخماسون والمنذورون لأسرارالطعاريج وسليلو الحفاة واليتامى والحطابات والموشومات بندوب العشق والمرضى
بنايات الأنين وصاحبات الخائنين .
في استحالات المجاز غروبهم.
هم حليب التين. هم عسله.
هم قرنفل التذكر.
هم زعتر الأخُوَّة.
هم روائح المجاز والغابات.
هُم جوهر الدم وبلور الدموع.
عبورهم خسارات وأحزان وملح مجاز.
في الحفيف الموحش بُحَّات أشجانهم.
في البكاء هديل هشاشتهم.
متعبون بالشقاء وشتات أبنائهم العصاة.
أصحاب اليأس والهزائم،
يتذكرون الرعود وأمومة الثغاء.
يتذكرون مرايا الماء وغبطة السمان.
يحلمون بالنعاس الأزرق وفراديس الأزهار.
سقاؤون وبهاليل.
حطابون ورعاة.
عراة ومنسيون.
هاهم يروضون الأمل الأخير.
هاهم ينتشلون أصواتهم من الغياب.
أصواتهم مبحوحة من أثر المِلح.
هاهم يرون نجوم الزغاريد.
هاهم ينخطفون ببروق الأحصنة.
نساؤهم عاليات بالزغاريد وأعراس العنب.
أوفياء لشهوات الفصول.
يحِنُّون إلى فواكه الصيف وبلوط الشتاء.
أرواحهم رمان وبرقوق ومشمش.
في الشمس والفواكه بيان صفائهم.
في البياض الرؤوف ملاذهم.
في حزن الكلمات سيرتهم المنسية.
هاهم ذاهبون إلى أعشاب أمهاتهم.
هاهم يتذكرون أحجارطفولتهم.
هاهم يحنون إلى جمر خبزهم وأيادي الجليلات بالحطب والزعتر.
هاهم ذاهبون إلى قرنفل المدى وأزرق الصباح.
هم ماتبقى من شمس برقوق وسلالة .
هم عسل الصبا.
هم حنان الحناء.
هم كرم المطر وضحك الأرض.
هم أشقاء التراب النبيل.
هم أبناء الشمس ورعاة الغيم.
أوفياء للمحاريث والقمح والصبار.
هاهم يتركون أصداءهم المجروحة لفقر الكلمات.
هاهم ذاهبون إلى الوحشة الكبرى والعراء المدجَّجِ باليتم.
موحش طريقهم.
شجرهم بَاكٍ على رحيلهم.
لهم في السماء أم وشجر وحقول شعير.
لهم في السماء علاج المستحيل.


الكاتب : محمد مفيد

  

بتاريخ : 15/11/2019

أخبار مرتبطة

من الواضح أن العلاقة بين القارئ والكاتب شديدة التعقيد؛ ذلك أن لا أحد منهما يثق في الآخر ثقة سميكة، وما

  وُلِدَت الشخصيةُ الأساسيةُ في روايةِ علي بدر (الزعيم) في العامِ الذي بدأت فيه الحملة البريطانية على العراق، وبعد أكثر

  يقول دوستويفسكي: «الجحيم هو عدم قدرة الإنسان على أن يحبّ». هذا ما يعبّر عنه الشاعر طه عدنان في ديوانه

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *