الشاعر عبد المجيد بن جلون يتحدث عن المتعدد عبد الكبير الخطيبي

يقودنا الكاتب والمؤرخ والشاعر عبد المجيد بن جلون في هذا الحوار إلى الاقتراب أكثر من شخصية الأديب وعالم الاجتماع والشاعر الراحل عبد الكبير الخطيبي، معرجا على تجربة المركز المغربي للقلم الدولي الذي تأسس في 2004 برئاسة الراحل الخطيبي المتخصص في الأدب المغاربي، والذي اهتم طيلة مساره البحثي بتحليل النظم الثقافية المادية والرمزية، وقد أثارت أطروحاته النقدية وتصوراته الفكرية ردود أفعال متفاوتة، كما ظل طول حياته يبحث عن الخيوط المشتركة التي بإمكانها توحيد العالم العربي.
كما يضعنا الشاعر عبد المجيد بن جلون الذي خلف الخطيبي على رأس المركز المغربي لنادي القلم الدولي في قلب العلاقة الني نسجها الخطيبي مع الابداع في تعدده هو الذي كان يرتحل من قارة إبداعية إلى أخرى، من السوسيولوجيا إلى الأدب، من التاريخ الى التشكيل، من التحليل النفسي إلى الشعر والقصة كان خلاصتها ما يفوق 25 عملا.

 

p تم انتخابكم، في سنة 2009، رئيسا للمركز المغربي لنادي القلم الدولي، خلفا المفكر والكاتب عبد الكبير الخطيبي. ماذا يمكن أن تقولوا لنا عم جرى في هذا المركز؟
n أنشئ المركز في يونيو 2004، بمبادرة من عبد الكبير الخطيبي، عملا بقاعدة ميثاق نادي القلم الدولي بلندن والمصاغة كالآتي:
1 – أن الأدب لا يعرف الحدود، وأنه يجب أن يبقى العملة المشتركة بين جميع الشعوب، بالرغم من الاضطرابات السياسية والدولية.
2 – يجب في جميع الأحوال، وخاصة في زمن الحرب، أن يبقى احترام التآليف الفنية، بصفتها تراثا مشتركا للإنسانية، فوق النزوات القومية والسياسية.
3 – يستخدم أعضاء القلم في كل الأوقات تأثيرهم لإحلال التفاهم الجيد والاحترام المتبادل بين الأمم والشعوب، ويلتزمون ببذل قصارى جهدهم من أجل تبديد أشكال الكراهية والنهوض بمثالية إنسانية واحدة تعيش في سلام ومساواة في عالم واحد.
4 – يتبنى القلم مبدأ حرية انتقال الأفكار داخل الوطن وبين جميع الأوطان، وعلى جميع أعضائه معارضة كل تقييد لحرية التعبير في بلاده وفي جماعته، كما في العالم كله في حدود الإمكان. يقف القلم في صالح صحافة حرة وضد تعسف الرقابة في زمن السلم، ويؤكد اعتقاده بأن التقدم الضروري للعالم في اتجاه نظام سياسي واقتصادي أفضل يفرض الحاجة إلى حرية نقد الحكومات والإدارات والمؤسسات. وبما أن الحرية تتطلب حدودا إرادية، فإن على كل عضو أن يلتزم بمكافحة تجاوزات الصحافة الحرة كنشرها المتعمد للأكاذيب والتزوير وتشويه الحقائق لأغراض سياسية وشخصية.
حرصت على نسخ التعبيرات الكاملة لسبب بسيط جدا: إظهار بطريقة معينة، الصرامة التي يتحلى بها المركز في عدم التحرك داخل عدم الاحترام القيم المقدسة للوطن.
بطريقة أخرى، منذ تأسيسه عرف المركز أنشطة مكثفة مثل تنظيم ندوات، ولقاءات منتظمة بمناسبة صدورعدد من الكتب، والمشاركة في المؤتمرات السنوية لهذه المنظمة الدولية للكتاب في كل أنحاء العالم تقريبا.

p ما العلاقة التي نسجها الخطيبي مع وسائل الإعلام؟
n إنسان من الظرف والأدب،لن تكون له إلا علاقات ممتازة مع وسائل الإعلام، إضافة إلى ذلك حرصه على الحضور في عدد كبير من أنشطتها، بالذات عند إنشاء المركز المغربي لنادي القلم الدولي الذي أعلن عنه بوكالة المغرب العربي للأنباء بالرباط.
والأمر الأكثر دلالة في هذا الإطار، هو أنه استمر في إعطاء استجوابات لوسائل الإعلام حتى في الأيام الأخيرة من حياته، بالرغم من أنه كان خاضعا للعلاج بمستشفى الشيخ زايد بالرباط. يشهد على ذلك هذا المقال المنشور بجريدة الأحداث المغربية، الإثنين 16 فبراير 2009» اللقاء مع الخطيبي دام حوالي أربعين دقيقة. كان الخطيبي خلالها يسأل أكثر من أن يجيب: « مرضي هو تجربة روحية أعيشها وهذا لا يؤلمني الذي يتعبني ليس هو الحديث والنقاش مع الإنسان، بل هو سماع صوت التلفزيون خلال مقامي بالمستشفى. لا أتفاعل أبدا مع الآلات. جهاز التليفزيون يصيبني بصداع في الرأس، لكن الحديث مع الآدميين يمنحني الراحة…الان أنا مريض أعالج بالمستشفى، في تاريخ حياتي مجموعة من الأمراض، عولجت منها على مدار سنوات عمري، وفي حياة كل واحد منا تاريخ من الأمراض، بل إن في حياة الشعوب والمجتمعات تاريخا من الأمراض التي قد تكون جسمية أو معنوية، تصلح مدخلا لدراسة المجتمعات والشعوب. هناك اهتمام خاص لدي بتيمة الجسد في «الاسم العربي الجريح» هناك نقاش حول الجسم والثقافة الشعبية، وبنفس الاهتمام عبرت عنه في «الجسد الشرقي» عند الحديث عن العلاقة بين الجسد والإسلام في مرحلة التأسيس…»

p هل كان الخطيبي محاورا صعبا؟
n أبدا، لقد فعلت ذلك عدة مرات في إطار برنامجي» paroles d’esplanade بدون أدنى صعوبة. علاوة على ذلك، يقال خطأ إنه كان صعب المتابعة، عندما يتكلم، لكن الأمر لا يعدو أن يكون مجرد وهم.صحيح أنه كان يتكلم بهدوء وبطء كبيرين، من هنا ربما مقصد سؤالك.
من المؤكد أنه كان رجل قلم أكثر منه خطيبا متحدثا، لكن أكرر، لقد كان مفهوما بما فيه الكفاية في ما يقوله، بالإضافة إلى ذلك فتكوينه السوسيولوجي مكنه من معرفة جيدة بأهمية وسائل الإعلام.

p في برنامجك الإذاعي استدعيت عبد الكبير الخطيبي وذلك في 28 غشت 2005، لمناقشة كتابه féerie d’un mutant الصادر في نفس السنة عن دار النشر Le Serpent à Plumes لماذا هذا الاختيار؟
n الجواب الأسهل الكتاب صدرللتو. أما الملابسات في حقيقة الأمرلقد كان هومن أعطاني التفسير،مادام قد ورد في إهدائه لي وهوما أكشفه: « هنا جولة حول العالم في ثمانين صفحة» برنامج كامل،إذن!

p الناشر تردد في تحديد نوعية النص هل هو محكي أم رواية؟ أجاب عبد الكبير الخطيبي:» لا، إنه محكي. لماذا برأيك هذا الالتباس بين الرواية والمحكي؟
n لماذا تنتظر منه التضايق من التمييزيات وهو كاتب يكتب في مواضيع متنوعة.
برأيي، ليس هناك التباس على الإطلاق بما أن الكتاب مشترك بين الإثنين.

p الشعر حاضر في هذا المحكي، هل هي استراتيجية في الكتابة في كل نصوصه الإبداعية؟
n بصفته كاتبا كبيرا فهو ملزم بالحرص والعناية بجودة أسلوبه، وخاصة في رواياته؛ وكل النقاد يعرفون ذلك: عندما يكتب شاعر-وهذا ما كانه الخطيبي أساسا- روايات، كيف تريدون أو تستطيعون الفصل في ذلك حقا بين الشعر والمؤثرات البديعة للأسلوب؟
أحيانا، نقدر على ذلك، لكن ليس دائما.
وحتى أنهي في ما يخص الحديث عن استراتيجية الكتابة، لا أعتقد أنها كانت هاجسا رئيسيا لديه.

p في هذا المحكي جمال لا يقاوم كما لاحظتم ذلك بالاستشهاد ببعض الاستعارات: إفريقيا مريضة، الجماعة المجردة، الفينق السيبرنتيقي، العطر الشبح، العلم يضايق تصميم الطبيعة عبارة في البرمجة وياله من إشكال؟
n يقول جورج براك:» الحجج ترهق الحقيقة» الحجج ترهق العلم. « العلم يربك تصميم الطبيعة» بالفعل ياله من إشكال؟
ملاحظة على ما يبدو ملغزة، بل غير مفهومة؛ لكن عندما نفكر فيها، عميقا، الأخطاء المرتكبة عبر التاريخ، من طرف العلم، لاشتغال العالم وسيرورته،هي لا حصر لها. فهي ليست أبدا نهائية بل هي في نمو. وربما دون الوصول إلى الحقيقة نهائيا. في عصرنا، مفهوم «البينغ-بانغ» هو مبدأ مقبول عالميا، لكن من يقول لي بعد مائة أو مائتي سنة، وإذا بقي العالم دائما هنا، أن هذه النظرية ستتعرض للبطلان؟
كيف في الواقع يكون العلم مضايقا ومزعجا للطبيعة؟
بنزوع ساذج، سأكون تقريبا محاولا التقدم بأن الطبيعة لم تطلب شيئا، من العلم لنتفق! كما لو أنها ستطلب من العلم أن يتركها وشأنها!
وهكذا سيعبر طفل بصوته العالي!

p بوصفكم شاعرا كيف تستقبلون شعره؟ «المصارع على الطريقة الطاوية» (1976)، «إهداء إلى السنة القادمة» (1986) «التحاب» (2004) …
n أحب شعره كثيرا، حيث أجد فيه جمالا نادرا ودقة عميقة.

p لقد سبق أن قلتم في البرنامج: « عبد الكبير الخطيبي هو شاعر وليس مجرد تجريد. فعندما يكتب شاعر محكيا أو رواية، فإنه لا يستطيع التخلص من طبيعته الشعرية، فهناك شيء ينضاف كالشعرة في الحساء. الشعر عند الخطيبي لا ينضاف، بل هو مندرج في سياق المحكي.» هل يمكن القول إن الحكاية، عند عبد الفتاح كيليطو مندرجة في النقد؟
n بعد عدة سنوات استمررت في التفكير في ذلك فعلا، الشعر عند الخطيبي لا ينضاف، هو مندرج في سياق السرد. بالنسبة للناقد الكبير عبد الفتاح كيليطو، فإن المسألة تعالج بطريقة أخرى: من المؤكد أنه يملك قلما سيالا رشيقا لكن أيضا في ما ينجزه من دراسات. فأنا أجد تناغما كاملا بين الإثنين.

p في الحالة الأدبية المغربية المعاصرة يمكن التمييز بين أربعة نماذج من الكتاب:
شاعر يكتب الرواية وروائي يكتب دائما الرواية، وفيلسوف يكتب الرواية ومؤرخ يكتب الرواية؛ أين نصنف الخطيبي ضمن هذه الخطاطة؟
n إنني أعتقد، على العكس من ذلك ،فكونه كاتبا متعددا،لايؤطر داخل هذه الخطاطة، وحتى بالنسبة للتاريخ، كان مؤرخا نوعا ما، لاسيما في روايته- التي يمكن بسلاسة تمييز ما فيها من عناصرأوطو بيوغرافية» حج فنان عاشق» ;وهذا التمييز متضمن في إهدائه لي» لسفر أولي»

p كتب الخطيبي « يقولون عني سوسيولوجي، باحث، أستاذ، شاعر، روائي، ناقد، سيميولوجي، ناقد فني، فيلسوف، عالم سياسة أيضا. فكاهلي مثقل بهذا اللاتحديد للأدوار.» هو ليس شاعرا على الرغم من أنه ينظم الشعر؛ إنه على هامش الشعر إذن؟ أو بالأحرى يجعل أسلوبه الشعري في خدمة كتاباته؟
n نعم، هو شاعر بالأساس، وفي الواقع، وفي الوقت نفسه، كل ما يعده، لقد كانت لكتابته فرادة لا تضاهى.

p كيف تؤثر التقنية على إحساس الإنسان؟ هكذا تساءل الخطيبي ومعه «ميشيل سير» الذي استشكل مسألة التقنية أيضا. ماذا تقولون؟
n بالتأكيد، تؤثر، لكن لا ينبغي أن يكون ذلك مفرطا، وإلا يمكن أن تعمل على تزييف الطبيعة وتشويهها. هي وسيلة ينبغي حسن استعمالها،وليست غاية في ذاتها،ولقد كان كاتبا مقتدرا له عبقرية في الإلمام بها.

p استشهدتم بما قاله سارتر بمعارضته، كان الخطيبي متفقا معكم. هذا مقطع مقتبس من التسجيل الصوتي:» سي عبد الكبير هنا سنعارض جان بول سارتر، لن نقول «الجحيم هم الآخرون»، لم لا نقول أيضا:»النعيم هم الآخرون».
n بكل تأكيد، تماما، أنا لست سارتريا. يعجبني جزء صغير من أعماله، لكن ليست كلها بطبيعة الحال؛ روايات كـ»الغثيان»، «الكلمات» وبعض المقالات، لا المسرحية.

p «طريق الحرية»؟

n كذلك لا. لماذا؟ لأنه مثال لأطروحة إيديولوجية. إنه إيديولوجي يكتب … لا يعجبني كفيلسوف ولا حتى كرجل مسرح، ولا أيضا كروائي، فهو يعجبني ناقدا، وهنا بالنسبة لي تكمن قوته، كما يعجبني في تدخلاته، أحيانا، الصائبة، وخاصة امتلاكه خصلة أخلاقية تدعو إلى احترام حقوق الغير، لقد كان يمتلك هذه الخصلة. علاوة على ذلك، فقد كتبت، بشأن فلسطين، في كتاب» الحمى البيضاء» حيث فيه فصل كامل، انتقدته فيه حول موقفه الغامض من فلسطين.
الخطيبي كرجل مثقف كثيرا كان يعرف بإتقان أعمال سارتر،فلأجل عرض ملاحظة مألوفة جدا، كان في جعبته ما يقوله.ومايفضله الخطيبي شخصيا في ما يخص هذا الكاتب الوجودي أفهمه بالقدرالذي أفعل أنا ذلك. حجاجه بصدد كتاباته التي لا يحبها، تجد مسوغها في المعنى الذي يعطيه للمؤلف والذي هو قبل كل شيء صاحب أسلوب جميل وأصيل. يحبه بوصفه ناقدا حيث يدافع عن قضايا معينة. وهذا كذلك أفهمه بشكل واف تماما؟لن أعود إلى كتاب:»الحمى البيضا» ففيه قدم الخطيبي نفسه ما يكفي من التفسيرات. وباختصار، إذا كان الخطيبي يساريا فإنه لايستطيب الاستقرار، وهذا أبعد ما يكون عن الحقيقة، فقد كان أساسا إنسانا حرا بكل معاني الكلمة.


الكاتب : أجرى الحوار وترجمه: محمد معطسيم

  

بتاريخ : 28/11/2019

أخبار مرتبطة

من الواضح أن العلاقة بين القارئ والكاتب شديدة التعقيد؛ ذلك أن لا أحد منهما يثق في الآخر ثقة سميكة، وما

  وُلِدَت الشخصيةُ الأساسيةُ في روايةِ علي بدر (الزعيم) في العامِ الذي بدأت فيه الحملة البريطانية على العراق، وبعد أكثر

  يقول دوستويفسكي: «الجحيم هو عدم قدرة الإنسان على أن يحبّ». هذا ما يعبّر عنه الشاعر طه عدنان في ديوانه

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *