مشاورات خارج الحدود
بديعة الراضي
لم تستوعب أقلام الخريف العربي، أن الزمن الذي عاشته بالطول والعرض -في توظيف الحرف والكلمة لضرب قيم الكتابة في السياسة والإعلام والدراسات والنقد والبحث العلمي والجامعي – قد أشرف على اندحاره بعدما توضحت معالمه، وطنيا جهويا وإقليميا ودوليا، فحملت تلك الأقلام أنينها إلى مراكز سمت نفسها استراتيجية ، خارج الحدود، من شدة التحسر على «الكنز» الذي ضاع في المدة غير كافية لاستكمال مخطط الهيمنة على مراكز القرار في الدولة والمجتمع، بفكر يلغي المغرب المتعدد نحو المغرب الخاضع للحزب الواحد الذي تدور في فلكه أحزاب صغرى، تشكل فروع الدفاع عن الحزب المهيمن .
وهي الحسرة التي طبعت التقرير الذي رفعه مراسلو عزمي بشارة في المغرب ، حول «البلوكاج الحكومي»، والذي نشره المركز موازاة مع وجود الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة السيد عبد الاله بنكيران بالدوحة.
تقرير نعتبره مجرد «كولاج» لما كتبه « ثلاثي المرحلة» الباحثون حد الجنون عن محطات للمرافعة والدفاع عن تجربة حزب في رئاسة الحكومة، سواء في الإعلام المخدوم ، أو بتسلل إلى فضاءات البحث العلمي والمعرفي، مما شكل بالفعل موقع تساؤل واستنكار من مختلف الفاعلين في الحقلين السياسي والمعرفي.
وهو الجنون الذي اشتد بعد بروز معالم فشل السيد بنكيران في تشكيل الحكومة،نتيجة سوء تدبير وتقدير لدقة المرحلة وراهنيتها، حيث حمل «الثلاثي المكلف بالمهمة» تقريرهم إلى مركز خارج الحدود، نعي جيدا دوره في دعم الدوائر الإخوانية، ونشر ثقافة المرشد التي لا يمكن لإعلان على واجهته أن يوهمنا ، يؤكد فيه هذا المركز أنه يستقبل طلبات نشر الأبحاث والدراسات المنجزة وفق معايير الكتابة والنشر ، التي قيل إنها تخضع ، للتّقييم والقراءة الأكاديميّة، لأن قارئ التقرير –وبكل بساطة- يقفز إلى ذهنه منذ الوهلة الأولى غياب الكتابة المعرفية والعلمية والمنهجية الكفيلة بالتعامل مع المعطيات، بالمسافة المعمول بها في هذا المنحى العلمي والمعرفي في الدراسات الإستراتيجية.
لقد سجل التقرير الذي نشره عزمي بشارة بكثير من الاهتمام بزمن النشر، أن الهم واحد بين الدائرة والفرع، وأن ما يعانيه أهل المركز تداعت له باقي الأعضاء حد تحديد العدو المشترك في «الأنظمة السياسية»، التي لا تحدد بناء على عمل مؤسساتي، بل تحدد في كونها «مراكز قرار» تشبه الشيطان ، الدائم العداوة لملائكة تريد أن تحكم برؤية موحدة من السماء، تسود الكون كله ، وتتمحور أجزاؤها في بنية تصبغ فيها وجوه العباد بلون واحد ، وتسطر على عقولها لحظات النهوض والجلوس بتحكم كبير في الزمان والمكان .
لقد حرص التقرير أن يعيد ثنائية التماسيح والعفاريت إلى الواجهة ، بنفس لغة المظلومية ، لكن عزمي بشارة فضل أن يعمل «الثلاثي المتنقل بين الإعلام والجامعة» على استبدال هذه الثنائية بمفهوم « أصحاب القرار» ، وهي الملاحظة التي أرسلت عبر إدارة المركز إلى «ثلاثي الضياع» لتعديلها قبل تسليم المادّة للتحرير النّهائي.
وغير ذلك، عمل الثلاثي المذكور على إنجاز المهمة كاملة ، مرة بالترغيب ومرة أخرى، بالتهديد ، بدءا من الحديث عن المأزق الكبير وحالة الشلل ، وعدم ضمان استقرار البلاد إلى بروز» الشكوك في وجود اتجاه داخل دوائر صنع القرار؛ يسعى لحرمان الحزب الشمولي من تشكيل حكومته الثالثة»، وهي نفس الدوائر حسب خدام «الدوائر الإخوانية فرع المغرب» ،التي تحايلت على المنظومة الانتخابية كي لا يحصد « حزب الإسلام السياسي» كافة الأصوات، وبالتالي يتقاسم إدارة البلاد مع «المؤسسة الملكية»، التي ليس في صالحها -حسب الثلاثي المذكور- أن تقف في وجه هذا الاكتساح للحزب الكبير جدا ،» وأن أزمة تشكيل الحكومة الحالية، عرّت واقع الأزمة الهيكلية في بنية النظام السياسي المغربي «كنظام هجين» يخلط ممارسات ديمقراطية حديثة بأخرى سلطوية تقليدية، فلا هو نظام ديمقراطي حقيقي ولا هو نظام استبدادي صرف. وإن هذا النظام يجد نفسه اليوم أمام سيناريوهين محتملين للخروج من المأزق الراهن:إما «صفقة جديدة» تشبه تلك التي جاءت بحكومة بنكيران الأولى بعد اندلاع احتجاجات 2011، وإقرار التعديلات الدستورية لكي لا يتعرض البلد لخضّات سياسية وأمنية واقتصادية عالية . واما تجنيب المغرب فرضية اللا استقرار هو « التوصل إلى اتفاق بين بنكيران والمؤسسة الملكية ، وذلك لحاجة الطرفين أحدهما إلى الآخر، وأن عدم وجود حكومة تحظى بثقة الشعب، سوف تسبب مزيدًا من الاحتقان الاجتماعي بما في ذلك مخاطر على الاستقرار السياسي في البلاد…فهل بقي هناك كلام آخر ,,,بالفعل انتهى الكلام.
الكاتب : بديعة الراضي - بتاريخ : 09/03/2017