فضيحة فوق طاولة وزير الصحة : السمسار يعتقل و الطبيبان يدفعان كفالة و فرنسا تنقل المريض لإنقاذه من الموت

 

اعترف دون أن يراوغ «هذه النقود موجهة للطبيب الجراح وطبيب التخدير، يشترطانها قبل بدء العملية، ودوري أن أتوسط لجلب المال بين المرضى وبعض الأطباء» ،هكذا اعترف المدعو (ي.ر) في محضر الدرك الملكي بعد اعتقاله متلبسا أمام باب المصحة برشوة مالية تسلمها من أخ مريض في حالة حرجة تتطلب عملية استعجالية على القلب. هذا الملف يطرح اليوم سؤالا جديدا على وزير الصحة، وهو حق المغاربة في الحياة، بعد أن كانوا يطالبون بالحق في التطبيب. أصبحت حياة المواطنين رهينة بيد السماسرة في بعض المصحات الخاصة حتى يؤدون مبالغ إضافية عن مصاريف العلاج من تحت الطاولة لبعض الأطباء، قبل إجراء العملية وإلا تتعرض حياتهم للخطر، كما وقع للشاب (ج.م) الذي اضطرت عائلته لنقله على استعجال لفرنسا، حيث من المفروض أنه أجرى أمس العملية الجراحية، بعد أن رفضت مصحتان استقباله وهو في حالة حرجة بدعوى نزاعه مع المصحة الأولى !!!!!!؟؟
مما يجعل الأسئلة تتناسل حول واقع المصحات الخاصة في المغرب وغياب المراقبة وطابع المتاجرة فيها، كما تنتصب أسئلة أخرى ملحة: ألا يعتبر هذا السلوك جريمة يعاقب عليها القانون ، عندما تمتنع مصحات عن تقديم المساعدة لمريض في حالة خطر؟ لماذا يستمر انتشار ظاهرة الرشوة و»النوار» في هذه المصحات رغم شكايات المواطنين ؟ لماذا تسمح هذه المصحات بتواجد شخص وسيط خارج المجال يصول ويجول في ردهاتها يستنزف جيوب المرضى؟
أطوار هذا الملف تعود ليوم 4 فبراير 2020 حين ولج شاب في حالة صحية حرجة تتطلب عملية مستعجلة على القلب، باب مصحة خاصة ببوسكورة بالدار البيضاء، محملا بملف طبي من طبيبه المعالج ومزودا بتغطيته الصحية التي تتكلف بكل مصاريف العلاج التي تناهز 14 مليون سنتيم .طلب منه إجراء بعض التحاليل وتقرر يوم 7 فبراير2020 كموعد لإجراء العملية ، وطبعا حضره الممرضون في هذا اليوم لحمله «للبلوك» ، انتظر طويلا أن يأتوا لنقله لغرفة العمليات ولم يظهر أحد حتى تجاوزت الساعة العاشرة صباحا، حينها دلف رجل بوزرة بيضاء باب الغرفة وطلب منه أن يعطي مبلغ 10 آلاف درهم كمكافأة من تحت الطاولة للطبيب الذي سيجري العملية، حينما رفض تأجلت العملية لليوم الموالي حيث ارتفعت سومة المبلغ إلى30 ألف درهم بحجة أن العملية صعبة وأن طبيب التخدير هو أيضا يجب أن يأخذ نصيبه..يرفض المريض ثانية وتتأجل العملية لليوم الثالث حيث يخبره الوسيط أنه لن تجرى له العملية حتى يؤدي المبلغ، علما أن حالة المريض جد حرجة .
يوم 10 فبراير تتقدم عائلة المريض بشكاية لوكيل الملك في الموضوع، والذي يعطي تصريحا بإثبات حالة التلبس، حيث سيقابل الوسيط أخ المريض خارج المصحة حاملا وزرة بيضاء في يده ،يمدها لأخ المريض ليضع فيها المبلغ ثم يستردها منه ويعود مسرعا إلى المصحة،عند بابها يوقفه رجال الدرك الذين عاينوا الواقعة، يرتبك الوسيط فتقع منه الوزرة أرضا وتتناثر النقود في الأرض ، وعند اعتقاله يعترف بكل تلقائية ودون تردد، حسب ما جاء في محضر الدرك، بأن هذه النقود كان سيتوجه بها للطبيب الجراح وطبيب التخدير وهو يشتغل كوسيط بين المرضى وبعض الأطباء.
يعتقل الوسيط المدعو (ي.ر) ويحال على وكيل الملك بالمحكمة الزجرية بعين السبع وبعد التحقيق معه تتم إحالته على قاضي التحقيق، حيث يتم التحقيق في النازلة إلى اليوم بسرية تامة، في الوقت الذي تم فيه إطلاق سراح الطبيبين بكفالة 50 ألف درهم للواحد .
أما الشاب المريض فبعد أن تأجلت عمليته المستعجلة، رفضت مصحتان استقباله بدعوى أنه في حالة نزاع مع مصحة أخرى ،فاضطرت عائلته نقله على وجه السرعة إلى فرنسا حيث من المفروض أن تجرى له العملية يوم أمس .
هذه الواقعة تكشفت عن ظاهرة جديدة ومنصب جديد دخيل على مهنة الطب وهي الوسيط، الذي ابتدعته بعض المصحات الخاصة في بلادنا . يرتدي البذلة البيضاء ويصول ويجول في غرف المرضى ويقدم له مبلغ شهري، كما هو حالة الوسيط الطبي (ي.ر) الذي اعترف في محضر الدرك أنه يتقاضى مابين 15 و20 ألف درهم في الشهر من المصحة، وأن الوزرة البيضاء سلمها له أحد الأطباء، وأنه يقوم بهذا العمل بشكل يومي مابين بعض الأطباء والمرضى كل وحالته الاجتماعية.
المدعو( ي.ر) هذا لم يكمل تعليمه الإعدادي، اشتغل في سمسرة السيارات لينتقل بعدها لسمسرة(بنادم) في المصحات ، بعد أن أنشأ جمعية لمساعدة مرضى القلب، ويقوم ، حسب ما اعترف به في محضر الدرك، بعمل «تطوعي» في المصحة لرفع المعاناة عن المرضى !!!!
فمتى سيتم الحد من هذا الاستهتار بحياة المغاربة، تقول الأستاذة أسماء الوديع، محامية المريض في هذا الملف، التي تستنكر بشدة المس بالحق في الحياة للأشخاص في حالة خطر وعدم تقديم المساعدة إليهم ، وتفشي الرشوة والفساد في مؤسسات المفروض أنها تقدس الحياة ونبل المهنة، وتطالب بعدم التساهل في مثل هذه الجرائم والضرب على أيدي المتلاعبين بالقانون وبأموال الناس وحياتهم تحت أي ذريعة.
على الدولة، تقول ذ. أسماء الوديع ، أن تعمل على تجهيز المستشفيات العمومية بما يلزم من موارد بشرية وتكوينهم في المجال وإشاعة ثقافة حقوق الإنسان بينهم لتصبح تلك المستشفيات درعا يحتمي به المريض.
نحن نصرف في المغرب ثلاثة مليارات من الدولارات سنويا من أجل بناء أماكن العبادة في مناطق تفتقر للمدارس والمستشفيات ولدور الثقافة مما يشجع على تنامي ظاهرة الرشوة والابتزاز وانتشار الفساد.
المحامية الوديع راسلت جمعية «ترانسبارنسي المغرب» لتنصب نفسها كمدافع عن الحق المدني، كما راسلت المجلس الجهوي لحقوق الإنسان جهة الدار البيضاء- سطات من أجل متابعة سير الملف وتطبيق العدالة .


الكاتب : فاطمة الطويل

  

بتاريخ : 19/02/2020