كيف يتمثل مسلمو الهوامش والضواحي الفرنسية إسلامهم؟ هل الشعارات التي يرفعها الإعلام وصناع القرار بفرنسا عن المساواة والحقوق بين مواطني البلد الواحدة تجد ترجمة فعلية لها على أرض الواقع؟
هذه باختصار أهم القضايا التي تطرحها الباحثة التونسية الفرنسية جوسلين داخلية، بكل حيادية، في كتابها الصادر سنة 2005 «الإسلام والغرب: من إيديولوجيا الصدام إلى جدلية الصراع»، والذي ترجمه مؤخرا الباحث المغربي خالد بن الصغير الأستاذ المتخصص في التاريخ بجامعة محمد الخامس بالرباط، والصادر عن مؤسسة الملك عبد العزيز آل سعود للدراسات الإسلامية والعلوم الإنسانية، وقُدم في اليوم ما قبل الأخير من فعاليات معرض الكتاب بمشاركة المترجم بن الصغير والباحث فؤاد بن أحمد الذي لفت إلى أن الكتاب ووجه بحملة تجاهل مقصودة من طرف الإعلام الفرنسي، بسبب انتقاده لفكرة المركزية الأوربية، والتعامل الانتقائي في ما يخص قضايا الإسلام، بغية ترويج صورة نمطية عن الإسلام والمسلمين تخدم توجهات معينة داخل السياسات الأوربية.
بن الصغير: الكتاب مواجهة فكرية لصناعة الخوف التي تحولت لمادة تجارية
ربط الباحث والمتخصص في التاريخ، خالد بن الصغير، اختياره ترجمة هذا الكتاب، بعد مرور15 سنة على صدوره، بعنصرين:
الأول: مرتبط بتداخل الكتاب مع مجال اهتمامه البحثي.
الثاني: مرتبط بقناعته الراسخة حول مؤسسة عبد العزيز آل سعود للدراسات التي تختار بدقة ما تود ترجمته، عبر هيئة مختصة ووفق مشروع ترجمي واضح والتي اقترحت عليه الكتاب.
ورأى بن الصغير أن ترجمته لهذا الكتاب كانت بمثابة امتحان عسير له و»فخ»، لما تطرحه الترجمة من الفرنسية إلى العربية من إشكالات ذات طبيعة دلالية، تتطلب تفكيك النص ووضع الأجزاء في مكانها وفهم المضامين والسياقات وإعادة تركيب الجمل، وهو ما يجعله في نهاية العملية «مؤلفا» ثانيا للكتاب، مشيرا في هذا الصدد إلى ما يطرحه مشكل غياب مؤسسة أكاديمية مغربية تختص بالترجمة، نتيجة غياب سياسة واستراتيجية واضحة في هذا المجال، مدللا على الأمر بقلة الكتب المترجمة التي تتقدم لجائزة المغرب للكتاب كل سنة (20 كتابا فقط) وأغلبها بمبادرات شخصية.
وتتأتى أهمية هذا الكتاب «الإسلام والغرب: من إيديولوجيا الصدام إلى جدلية الصراع» في كونه يطرح واحدة من القضايا الحارقة اليوم، والتي تمس وجود الدين وتأثيره داخل مجتمعات الهجرة، وهو كتاب جاء استجابة من كاتبته جوسلين داخلية لرغبة طلابها في طرح قضايا الإسلام للقارئ الغربي، خصوصا في مواجهة الكتابات المتطفلة والأحادية الرؤية التي تنامت خصوصا بعد أحداث 11 شتنبر 2001، وترسيخ نوع من الإسلاموفوبيا بين صفوف مواطني بلدان الاستقبال.. وضع تحول معه الإسلام الى رقم معاملات تجاري وهو ما يمكن أن يلاحظ من ارتفاع عدد مبيعات نسخ القرآن الكريم، وبكل اللغات.
يركز الكتاب، بشكل خاص، على ممارسة التدين داخل الأحياء الهامشية والغيتوهات، التي بسبب الإقصاء الاجتماعي الذي تعاني منه، اتجه قاطنوها المسلمون الى التطرف كرد فعل بعيدا عن جوهر الدين، وهو رد فعل، كما يورد الكتاب، من الطرفين يحاول فيه كل طرف داخل هذا المعسكر البحث عن أدواته الخاصة لاستعمالها ضد الآخر، ما جعل الكاتبة تعمل على تحليل استراتيجيات الخطاب الصادر عن كلا الطرفين بذكاء كبير، عبر السعي الى تكسير الصور الجاهزة عن الإسلام لدى الغرب من جهة، والبحث في الخلفيات الكامنة وراء استعمال هذه الأدوات. وساق بن الصغير أمثلة لذلك بمسألة الحجاب التي تعاملت فيها الكاتبة بالعودة إلى مسار هذه القضية، ووفق مقاربة ذكية ومركبة تنأى عن التناول الماهوي والجوهراني للإسلام.
فؤاد بن أحمد: الكتاب يطرح السؤال الديني بصيغ ومقاربات أخرى بعيدا عن اليقينية
أشار الباحث وأستاذ الفلسفة بدار الحديث الحسنية، فؤاد بن أحمد في تقديمه للكتاب، إلى أن جوسلين داخلية حاولت في هذا الكتاب الدعوة، قدر الإمكان، إلى تجاوز الفقر المعرفي داخل أوساط الفرنسيين بالإسلام، وحتى داخل أوساط المسلمين أنفسهم، مشيرة الى أن الحديث عن الإسلام يقتضي التمييز بين الإسلام كمعتقد وبين الإسلام كحضارة وثقافة، والانطلاق من مسلمة جوهرية تقول بأن المسلمين ليسوا وحدهم من يمتلكون أحقية الحديث عن الإسلام، في ما يشبه دعوة، من الكاتبة، إلى مساءلة جميع الأديان من جديد من باب الحوار. حوار يتم فيه الإنصات الى صوت الأكاديميين والجامعيين الذي غُيب عن قصد في وسائل الإعلام الفرنسية.
ولفت بن احمد الى أن جوسلين لم تكتب انطلاقا من وضعها الاكاديمي، بل بوصفها مواطنة تعبر عن غضبها حيال النزوع الكبير داخل أوساط المثقفين نحو النظر الى الإسلام بصورة اختزالية تقصره على مظاهر التدين.
الكتاب، وإن تطرق في العمق لمسألة تعاطي الغرب مع الإسلام، فإنه يتضمن أيضا دعوة لكل الديانات والمسؤولين داخل مراكز صنع القرار، الى التواضع وطرح الأسئلة البسيطة التي تروم إعادة النظر في التعامل مع الدين، ومواءمة شروطه مع شروط العصر، وهو ما يؤكد بن احمد عليه بكون الكتاب يطرح السؤال الديني، داخل مجتمعات الاستقبال، بصيغ ومقاربات أخرى بعيدا عن اليقينية، والانفصام الذي يعيشه الغرب بين الخطاب الرسمي والممارسة الواقعية، وهو الخطاب الذي يعمل ظاهريا على تهميش المسلمين ثم يطالب بمحاسبتهم على نزوعاتهم التدميرية.