مسحوق القدر

 

كل صباح أحدق في وجوه أعرفها
كي أتذكر أنني ابن الشمس
وأنني ولدت في هذا الكوخ
وانتعلت هذا الغبار
ها هنا كنت أطارد زهرة الأقحوان التي تتعرى في الحقول
ها هنا كنت أرتدي شجرة العليق المغلقة الأغصان
وأنازل يوميا الغابة في عقر دارها
ها هنا ولدت من فرح بعيد
أبي كان يمزق الصخر بأظافره
يبني جدرانا سميكة
ويصنع نايات من خشب الجوز
وأمي تحرث أسماءنا بيدين كوردتين في كأس
تعلمنا كيف نحب خبز الشعير
وكيف نبتكر من دمنا الأخضر أحلاما شاسعة
ها هنا صرنا هنودا حمرا بريش وأقمار
وصرنا رعاة بقر ببنادق ومسدسات
ركبنا الخيول وزينا رأس زعيمنا الأكبر بالجماجم
ومتنا صغارا
وانتصرنا على بائعي الديناميت على سكة القطار
ها هنا حققنا ما لم يحققه أحد
بتنا في الخيام وصنعنا القلائد من عظام القتلى
وتهنا في الصحراء لتأكلنا الشمس والعقبان
ها هنا نضجنا على مهل لندخل المدارس
بابا بوبي باب
قرد بقرة برتقال
صرنا كخطى الجنود، نمتلئ بالجمل والحروف والخنادق
نشن غارات على الصرف والإملاء
ونصد هجوما مباغتا للنحو والإعراب
ونعانق الحياة التي تتكور بين أيدينا كنهد
ها هنا احتسينا كثيرا من الأوصاف المهذبة
وغلفنا أوجاعنا الصغيرة بالورق الملون
وصرنا أكبر من الأرض
ها هنا تعلمنا كيف نصبح رعايا طيبين
وصارت لدينا قدرة على هضم المآسي
واستهلاك الأوكسجين
ها هنا تحولنا إلى معلبات بقدمين حافيتين
وقمصان مقطعة
وأحلام زائدة عن الحاجة
نضع زهرة المشمش في قبر
ونمشي إلى حيث نتساقط بغزارة
مثل ليل تفترسه تعويذة
معبأة بمسحوق القدر


الكاتب : سعيد منتسب

  

بتاريخ : 06/03/2020