فيلم «التقرير».. قصة جادة عن حقائق التعذيب المريعة

 

يمثل عنوان الفيلم «التقرير» The Report في حد ذاته أكبر التحديات التي تواجهه. إذ كيف يخاطب جمهوره ويبعث فيه الإثارة والحماس عبر حزمة من الوثائق السرية ومكاتب الموظفين الباهتة وسيل من الحوارات التوضيحية، كثير منها يخوضها رجال جامدو المشاعر يرتدون بدلات رمادية؟ حسنًا ابدأ بمنح آدم درايفر دور البطولة واستعن بظهر جون هام المتقطع في مشاهد كانت لتبدو خاملة دونه، والجأ لمشاهد الفلاش باك الصادمة عند أكثر مراحل الفيلم جمودًا.
فعل الكاتب والمخرج سكون برنز كل هذه الأمور. ومع ذلك لم ينجح السيناريو الذكي متعدد الطبقات، الذي يصور تحقيق مجلس الشيوخ الأميركي في تبني «CIA» للتعذيب في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر، في الإقلاع في شباك التذاكر.
الفيلم المشبع بالتفاصيل والمصطلحات الخاصة بمكافحة الإرهاب والمتخم بشخصيات واقعية قد يفضل البعض نسيانها، مثقل حتى النخاع بالمناطق المحظورة والأجندات السياسية المتنافسة.
يخوض المحقق دانيل جونز (آدم درايفر) الموظف الذي كلفته السيناتور ديان فينستين بالتحقيق في وسائل التحقيق المعززة ذات الأسماء المجازية التي تستخدمها وكالة الاستخبارات المركزية. يستكشف جونز وفريقه الصغير هذه الطرق والأطباء النفسيين (أشرار الفيلم الفعليين) الذين صمموها، ويسلط الضوء عبر مشاهد فلاش باك تصور محتجزي القاعدة المعذبين، على مدى وحشية هذه الأساليب والخرافات المحيطة بمدى نجاعتها.
تشبه هذه القفزات الخلفية صواعق الماشية التي تخرجنا من حالة النعاس الذي تحدثها هذه الأفلام الحوارية. نحن بحاجة لهذه المشاهد الارتجاعية، لكن الفيلم برغم ضرورته وأهميته في البحث عن الحقيقة وتصويره لالتباسات عالم السياسة (لم يعلم برن أن فيلمه سيطرح في صالات العرض في نفس وقت جلسات عزل ترامب في مجلس الشيوخ)، يظل عالقًا في كثير من الأحيان في حالة من البلادة الدرامية، وتظل المشاعر فيه داخلية وترفض الظهور بعناد. ونظرًا لصعوبة جذب أعين المشاهدين للغرف الفارغة والحوارات الحذرة، يستخدم المصور السينمائي Eigil Bryld اللقطات القريبة ويأمل خيرًا.
يتوق المشاهد لرؤية أي مشهد حسي لدرجة أنه حين الكشف أخيرًا عن ملخص نتائج تحقيق جونز في جلسة استماع رسمية، يطلق المرء زفرة ارتياح. وبغض النظر عن بعض الأداءات المثيرة (مثل هام في دور دنيس ماكدونو رئيس موظفي البيت الأبيض في عهد أوباما وكذلك أداء تيد ليفين لدور رئيس وكالة الاستخبارات المركزية الأسبق جون برينان) فإن آدم درايفر هو من يحمل الجزء الأثقل من الفيلم، وهو يفعل ذلك عبر منح شخصية المحقق جونز نوعًا من الغضب المتراكم الذي يظهر ليس في مواقف المواجهة بل في تصميمه العنيد على حماية نتائج تحقيقه وإعلانها. مع درايفر تشعر دائمًا بشيء مقيد ومكبوح، وتبدو شخصيته كأنها تعايش مستويات أعلى وأبعد غورًا من الآخرين. تناسب هذه الصفات مهمة جونز الخطيرة والمعزولة، مع ذلك يظل الرجل الذي يتولى هذه المهمة الخطيرة غامضًا وغير معروف على نحو يبعث على الإحباط.
أثبت برنز أكثر من مرة فيما سبق قدرته على بعث الحياة في قصص الحياة المعقدة مثل فيلمي Contagion في 2011 وفيلم The Laundromat لعام 2019. وينجح فيلم التقرير The Report في الإشارة إلى أهمية المحاسبة الدائمة للحكومة. ربما فكر برنز طويلًا في كيفية إقناعنا بفتح أعيننا، لكنه ليس بما يكفي ليجعلها مفتوحة لمدة طويلة.
قد يرى البعض في الفيلم جمعًا بين فيلمي Spotlight وThe Post، لكنه في واقع الأمر أدق وأفضل منهما بسبب تركيزه المكثف على قضيته. فقرار تقييد قصة الفيلم بمهمة المحقق وعدم تتبعها لحياته الشخصية وكشف الآثار التي قد يتركها العمل على علاقاته، يمنح الفيلم وحدة وتماسكًا مقنعًا، على الرغم من أن فقره هذا قد يزعج بعض المشاهدين. التقرير هو فيلم ضروري وملح نادرًا ما يرفع صوته في بيان مدى انعدام الإنسانية والعدل في القضية التي يتناولها، وهو يفعل ذلك متجنبًا أي دراما غير ضرورية.


الكاتب : عصام حمزة

  

بتاريخ : 07/03/2020