أي هوية نافعة نريد؟
الحسين بوخرطة
الهوية المجتمعية هي روح جامعة، تؤمن الوحدة والسيادة والاستعداد الكامل للدفاع عن النفس والوطن. بهذه الأفضال، فهي ليست جامدة أو معتزة بأحداث وتراكمات زمن معين، بل هي ظاهرة معنوية خاضعة للتطور الدائم. وبذلك يكون مصير مساعي تجديدها مع مرور الزمن الانتقال إلى مراتب فكرية وقيمية متصاعدة. أما في حالة توفر شروط استبداد رواد الجمود بدافع المصلحة الذاتية، يكون المجتمع برمته، ككيان وكهوية، مهددا بالتدهور والنكوص بسبب تصلب شرايين ذاته.
لقد ثبت عبر التجارب، أن “الهوية المزدهرة المندمجة تاريخيا في المسار التطوري العالمي” هي عبارة مرادفة لمجموع الأنا الواعية بالذات وتحديات الحاضر ومتطلبات المستقبل، هوية قادرة على الاحتكاك سلميا مع الآخر، والاستفادة من تجاربه وابتكاراته وتاريخه، بسلبياته وإيجابياته. فتراكم التجارب الشخصية يجب أن يكون ذا طبيعة تمييزية، لا تسمح باستنفاذ قوتها في تكرار الأحداث والعادات والتعودات غير النافعة، التي لا تمت بصلة بالإبداع. إن الحرص الدائم على إنتاج أفكار جديدة، التي يجب أن تعبر عن تقدم ملحوظ يميز مسار بناء مشروع مجتمعي حضاري، لا يمكن أن لا يتوج بقوة ترصيص أسسه المستمرة والدائمة، ترصيص تتغذى منه روحه الجماعية بإدراكات لها ذاكرة متطورة، تؤمن بالنقد الذاتي وتفاعلات الآخر، وبالتعدد والدينامية في التفكير. كما تعد الديمومة في التفكير، كأحد الركائز المحورية المتحكمة في رهانات الوجود المجتمعي في هذا العصر، عصر ما بعد الحداثة، من الصفات التي يجب أن تلتصق بالذات الفردية والجماعية، التصاق بمقومات مدعمة للإدراك، ومكثفة لمردوديته كما وكيفا. إنه التفكير الذي يجب أن يرتبط بالإحساس والخيال والتصور والشك والافتراض والبحث عن الحقائق النسبية الأكثر نفعا للإنسانية والتحكيم العقلي الرصين.
باستحضار هذه الخاصيات والمتطلبات التي تخيم على سماء المجتمعات بصفة عامة، وعلى مجتمعنا بصفة خاصة، يبقى احتضانها وترسيخها في الروح الفردية والجماعية، عبر الاحتكاك والتفاعل والجدال البناء والنقد البرهاني، هو السبيل الأنجع لتمتيع المجتمع بهوية ديناميكية، تمتلك، مع مرور السنوات والعقود، استقلاليتها وإرادتها الحرة. فبناء علاقة نسقية بين الشعور واللاشعور على مستوى الفرد، ما هو في العمق إلا طموح تحقيق التوفيق بين الميول إلى اللذة والمتعة والنزوع إلى المثالية والكمال، وبالتالي التقدم بخطى ثابتة في اتجاه تشكيل نسق نفسي وعقلاني يضمن امتداد الأنا في أفق الالتحام مع الأنا الأعلى، نسق يقلل بالتدريج من مشاعر الندم والقلق على المستويين الذاتي والمجتمعي في سياق سعي مستمر لتفادي هدر الزمن في البحث عن آليات الرقابة والسلطة.
خلاصة
ما من شك أن المغرب يعرف تطورا ملحوظا مجتمعيا وفي مجموعة من قطاعاته المؤسساتية. في نفس الآن، هذا التطور أصبح أكثر إلحاحية للاستثمار في بناء مشروع مجتمعي بنيوي متحرك يسعى بأفق زمني معلوم إلى تحقيق فضاء وجودي تفاعلي ضامن للكرامة ومقوي لنزعة الانتماء القطري والكوني.
الكاتب : الحسين بوخرطة - بتاريخ : 09/03/2020