يواصلون القيام بمهامهم رغم الأجور الهزيلة وكل الصعوبات
تواصل المستشفيات العمومية القيام بمهمتها الصحية في التعامل مع الحالات المستعجلة، بعد اتخاذ جملة من الإجراءات الوقائية، المتمثلة في وقف العمليات المبرمجة، والاقتصار على الحالات الاستعجالية، من أجل التقليل من مخاطر انتشار العدوى، سواء بين المواطنين الوافدين على المستشفيات أو المهنيين على حدّ سواء.
وإذا كان الأطباء والممرضون ومختلف مهنيي الصحة، إلى جانب عناصر الأمن والدرك والسلطات المحلية قد تجندوا للقيام بواجبهم وتأمين عدد من الخدمات للمواطنات والمواطنين، كما هو الشأن بالنسبة لعمال النظافة وتجار البقالة والحرفيين وغيرهم، فإن المستشفيات تشتغل كذلك بفئة لا ينتبه إليها الكثير من الناس، ويتعلق الأمر بالمنظّفات وحراس الأمن الخاص، والأشخاص الذين ينقلون المرضى عبر المصالح والأقسام داخل المستشفيات، الذين يواصلون عملهم بكل تفانٍ في مواجهة كل المشاقّ والمصاعب، بالرغم من أجورهم الضعيفة، وإمكانية إصابتهم بالعدوى ونقلها على أسرهم وإلى الغير.
«فاطمة»، أمّ لثلاثة أبناء، تكتري غرفة بحي شعبي، وتبحث عن لقمة عيش من عرق جبينها لتعول بها أسرتها. الظروف العصيبة التي تعيشها هذه الأرملة دفعتها إلى الالتحاق بشركة للخدمات المتعددة، ومن خلالها تمارس عملها كمنظّفة بأحد المستشفيات منذ سنوات، وإن تغيّرت الشركة فهي يتم «توريثها» كما هو الشأن بالنسبة لعدد كبير من اليد العاملة.
منظّفات في مواجهة العدوى
لم تخف «فاطمة» تخوّفها من الأزمة الصحية التي تمر منها بلادنا، لكنها تجيب عن سؤال «الاتحاد الاشتراكي»، بالقول «ما باليد حيلة، رغم الخطر فأنا مضطرة للعمل بالمستشفى، الخطر هو دائم ومستمر، الذي لا يرتبط بكورونا لوحده وإنما بمجموعة من الأمراض المعدية الأخرى». تتحدث هذه السيدة العصامية الشامخة بكل طلاقة مؤكدة، أن «جافيل» هو السلاح الذي تواجه به العدوى، وإن اضطرت لشراء كميات مهمة منه من الدراهم التي تحصل عليها نهاية كل شهر، مادامت وسائل الوقاية منعدمة، مضيفة «هذه الوسائل إذا كان الطبيب والممرض يفتقدها أو يتوفر على عدد قليل منها فكيف سنحصل عليها نحن»؟
وعلى نفس المنوال سارت «سعاد»، ووضعها ليس أفضل من وضع زميلتها في العمل، فإذا كانت هي غير متزوجة ولا أبناء لها، فهي تعول والدين مريضين وإخوة، أحدهم يدرس والثاني عاطل عن العمل، والثالث يعاني من مرض نفسي. تقول «سعاد» نشتغل بالتناوب، إما من الساعة السادسة صباحا إلى الثانية زوالا، أو من الثانية زوالا إلى الثامنة ليلا، أو من الثامنة ليلا إلى السادسة صباحا، تارة نقوم بعمل فردي، وتارة أخرى يُطلب منا القيام بعمل جماعي، وهو ما يسمى بـ «الميناج الكبير».
ساعات عمل ومجهود شاق، تؤكد «سميرة»، أنها لا تتوافق مع الأجر الشهري الهزيل، الذي لا يتناسب مع ما هو منصوص عليه في دفاتر تحملات الشركات، فإذا كان البعض يحترم القوانين المنصوص عليها التي لها صلة بالشغل، فإن الكثير من العمال والعاملات، لا يتوصلون بمستحقاتهم الرسمية، ويتم التصريح بهم بكونهم يعملون بشكل مؤقت، وغيرها من الممارسات المجحفة الظالمة، التي تزيد من حجم معاناة هذه الفئة.
أجور هزيلة، أوضحت مستخدمة أخرى لـ « الاتحاد الاشتراكي» أنها تتراوح ما بين 600 و 1200 درهم في الشهر، علما بأنه خلال بعض الفترات « نجد أنفسنا في السنة قد تم حرماننا من أجرة شهر أو شهرين، بدعوى أن المستشفى لم يسدد ما بذمته بعد للشركة».
«فاطمة، سعاد، سميرة … وغيرهن»، عاملات تشتغلن في النظافة، تواصلن اليوم عملهن بالمستشفيات العمومية، تتوجهن إليها خلال ساعات العمل المحددة، تتدبّرن وسيلة النقل أو الذهاب سيرا على الأقدام، تقبلن على الخطر المشرّعة أبوابه، قد تصبن بفيروس كورونا المستجد، قد تتعرضن للسرقة أو الاعتداء، قد ترين الويلات، من أجل أجرة سرعان ما تتبخر، ولن تكفي لسدّ أبسط الحاجيات، إذا وقع لهن ومن خلالهن لأسرهن، ما لا تُحمد عقباه.
حراس في مرمى الفيروس
حال حراس الأمن الخاص، ليس أفضل من عاملات النظافة، وإن كانت أجورهم هي أعلى مقارنة بهن، لكنها وبكل أسف لاتصل إلى الحدّ الأدنى للأجور، فإذا كان البعض يحصل على أجرة قانونية فإن ذلك يعتبر بالنسبة لآخرين من سابع المستحيلات.
يؤكد «محمد» أنه أفنى سنوات عمره في هذه المهنة، من حراسة البوابة الرئيسية للمستشفى إلى حراسة جناح ومصلحة، إلى المساهمة في الاستقبال، وحتى سياقة سيارة الإسعاف، وغيرها من المهام الجسام، التي لم تسمح لأجرته بأن ترتفع وأن تتجاوز سقف 2300 درهم، علما بأن هناك من يتوصل فقط بمبلغ 1400 درهم، نظير العمل لـ 12 ساعة.
«محمد» متزوج وله أبناء، ولا يعرف أي عمل آخر يمكنه أن يقوم به، باستثناء الحراسة في المستشفى، عمله يفرض عليها أن يكون في صلة مباشرة مع المرضى والأطباء والممرضين والإداريين، يلبي كل الطلبات، ويقوم بـ «السخرة» وكل ما يطلب منه، فهو في حاجة إلى إعالة أسرته، لأنه الوحيد الذي يقوم بهذه المهمة، وإذا ما توقف عنها فلن تجد ما تسدّ به رمقها.
خلافا لـ «محمد» فإن «رشيد» قد واصل دراسته إلى غاية السنة الثانية من الجامعة، لكن ظروفا عائلية حالت دون إتمامه لها، فوجد نفسه يبحث عن عمل يمكّنه من إعالة والدته وشقيقته بعد وفاة والده، الذي كان هو الآخر مياوما، والذي « ناضل وقاوم، واشتغل تحت الأمطار وتحت أشعة الشمس الحارقة، صيفا وشتاء، وانتهى به المطاف إلى حيث سيرحل الجميع». لم يتمكن «رشيد» من مغالبة دموعه وهو يتحدث إلينا، مؤكدا « مازلت شابا، وكانت لدي الكثير من الأحلام والطموحات، لكنها تبخرت كلها، أقوم بعمل لست راضيا عنه، وأصطدم بنظرات وبكلام يكون قاسيا في كثير من الأحيان، وباتهامات تضع الجميع في سلّة واحدة، واليوم نحن أمام فوهة المدفع، يحدق بنا خطر فيروس كورونا المستجد من كل جهة، ومع ذلك نقاوم، سلاحنا قفازات وكمّامات، نضطر إلى اقتنائها من الخارج، فهي ليست متوفرة في المستشفى بالشكل الكافي».
آلام وعناوين لحياة قاسية وظروف عمل صعبة، في الأيام العادية فبالأحرى في مثل هذه الوضعية الاستثنائية، أكّد «سعيد» أنها وبالرغم من كل شيء « لن تحبط من عزيمتنا، وسنواصل القيام بمهامنا، فنحن نعتبر أنفسنا فيلق من فيالق الجنود المختلفة، في الصحة والأمن والسلطة، وشرائح اجتماعية أخرى، لت نخذل وطننا ولا لن نتخلى عن المواطنات والمواطنين في هذه المواجهة الفتوحة».
نقل المرضى .. تصبين .. ومهام أخرى
داخل المستشفيات هناك جنود في مختلف الواجهات، المرئية منها وغير الظاهرة، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر، الأشخاص المكلفين بنقل المرضى من وإلى داخل المستشفى وبين المصالح والأقسام المختلفة. مهنيون يشتغلون بالتناوب لمدة 12 ساعة، مقابل أجر شهري يتراوح ما بين 1200 و 1500 درهم، وفقا للتصريحات التي استقتها «الاتحاد الاشتراكي».
« إن وضعنا لا يختلف عن أوضاع مختلف العاملين بالمستشفى، ونحن نقوم بعملنا وبمهمتنا في ظل ظروف جد قاسية، فالبعض لا يجد أدنى حرجا في أن يصبّ عليك جامّ غضبه وأنت تقوم بنقله، بسبب خلل ما، لا علاقة لك به ولست مسؤولا عنه» تقول «فتيحة»، مضيفة، « عملنا شاقّ دائما وليس فقط اليوم، لكن في هذه الظرفية، الأمر أصبح أكثر صعوبة، لأن الوقع نفسي أكبر».
«خالد» هو الآخر يقوم بمهمة نقل المرضى، أكّد بدوره على صعوبة الوضع قائلا « اليوم ننقل مريضا، قد لا نعلم بأنه مصاب بالكوفيد، قد يكون التشخيص خاطئا كأن يقال بأنه يعاني من مضاعفات تنفسية أو غيرها، وإذا لم ننتبه جيدا ولم نتسلح بوسائل الوقاية، فإننا سنكون عرضة للعدوى ولنقلهت لأسرنا، وذلك بأقل ثمن مقارنة بما نتقاضاه من أجور».
وإذا كان «خالد» و «فتيحة» في علاقة مباشرة مع المرضى، فإن «حياة» تشتغل في مصبنة المستشفى، ولها صلة بالملاءات والأغطية وغيرها، التي قد تكون ناقلة للعدوى بكيفية من الكيفيات، مصرّحة بالقول، « أعتقد أننا أقلّ خطرا مقارنة بغيرنا، لكن لا أحد يمكنه أن يسلم بشكل كليّ من هذا المرض»، مضيفة، «نحن نقوم بواجبنا، ونحاول جهد الإمكان الحفاظ على أنفسنا لكي نحافظ على سلامة ذوينا».
مستخدمون ومستخدمات، في مرافق مختلفة، ينضاف إليهم المكلفون بالبستنة في المستشفيات التي تتوفر على مرافق خضراء، والأشخاص الذين يعملون في المطبخ لتوفير الأكل للمهنيين والمرضى، كل هؤلاء يعيشون اليوم ظروف استثنائية خاصة، مصنّفون ضمن خانة العاملين، لكن بأية أجور وفي ظل أي شروط، وهذا هو السؤال العريض الذي يجب الانتباه إليه، وعدم نسيان هذه الشريحة من الجنود في المستشفيات والمؤسسات الصحية المختلفة.
مستخدمون وأسر
الحديث عن الفئات التي أشرنا إليها، لا يعني أن الأمر يتعلّق بمستخدمين معدودين على رؤوس الأصابع، بل على العكس من ذلك، لأننا حين نتحدث عن حراس الأمن الخاص، فنحن أمام ما بين 15 و 30 شخصا في المستشفى الواحد، بحسب عدد الأسرّة التي يتوفر عليها ومساحته وميزانيته، وعن ما بين 25 و 30 عاملة نظافة، وعن ما بين 10 و 18 شخصا مكلفين بنقل المرضى، وعن مكلّفات بالتصبين قد يصل عددهن إلى أربعة فما فوق، وعن مسؤولين عن المطبخ ومكلّفين بالأكل قد يتجاوز عددهم الخمسة أشخاص، يتغير عددهم بحسب خصوصيات كل مستشفى، وكل واحد منهم له أسرة، وبالتالي فنحن أمام شريحة تعيش وضعا استثنائيا، اجتماعيا وصحيا، وهي في حاجة إلى مزيد من الرعاية والاهتمام، وإلى ثقافة الشكر والاعتراف والامتنان.