ضرورة الصدق في النظر والعمل ..

مقال : مصطفى المتوكل الساحلي

(*) عن أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “قَدْ أَفْلَحَ مَنْ أَخْلَصَ قَلْبَهُ لِلْإِيمَانِ، وَجَعَلَ قَلْبَهُ سَلِيمًا، وَلِسَانَهُ صَادِقًا، وَنَفْسَهُ مُطْمَئِنَّةً، وَخَلِيقَتَهُ مُسْتَقِيمَةً، وَجَعَلَ أُذُنَهُ مُسْتَمِعَةً، وَعَيْنَهُ نَاظِرَةً، فَأَمَّا الْأُذُنُ فَقَمِعٌ، وَالْعَيْنُ مُقِرَّةٌ بِمَا يُوعَى الْقَلْبُ، وَقَدْ أَفْلَحَ مَنْ جَعَلَ قَلْبَهُ وَاعِيًا.
(*)يقول سفيان الثوري: «ما عالجت شيئاً أشد عليّ من نيتي؛ إنها تتقلبُ عليّ».
قال تعإلى ( قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الارض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين ) سورة  ءال عمران
إن الحديث عن الانسان العاقل بطبيعة الحال  يشمل كل ما يصدر عنه  من اقوال وأفكار وأعمال وأفعال ..كما يستخرج منه في إطار الدراسات والتحليل النفسي وفي اطار الرؤية الدينية كيفيات وخلفيات التفكير والقصد اي حقيقة النية صدقا وإخلاصا وإيمانا ..  أو نفاقا وكذبا ورياء وتحايلا …
و يترتب على هذا في الجانب العملي اي الحياة العامة والمشتركة وحتى الخاصة آثار تطال الشأن السياسي والاقتصادي والاجتماعي بغية تحرير الانسان وتكريمه  أو استغلاله واستعباده .. أو إذلاله وتضليله وهذا يكتشف ويعرف  انطلاقا من الممارسات ونتائج الافكار المعلن عنها  والالتزامات ..ومن صدقية أو كذب الفرد او الجماعة على انفسهم وعلى الاخرين ..
كما يترتب عليه في الجانب الديني آثار جد جوهرية تثمن و تعترف بالعمل او تبطله وتسفهه  ولو بدا للناس أنه ممتاز أو أنه كذلك بالفعل ..وذلك في علاقته بالنية التي إن صلحت صلح العمل كله وان فسدت بالرياء والنفاق و…فسد  كل شيء  كان من العبادات او المعاملات ..
وفي هذا يقول ابن القيم رحمه الله: «أعمال القلوب هي الأصل، وأعمال الجوارح تبع ومكملة، وإنّ النيّة بمنزلة الروح، والعمل بمنزلة الجسد للأعضاء، الذي إذا فارق الروح ماتت، فمعرفة أحكام القلوب أهم من معرفة أحكام الجوارح»
ولهذا أجمع العقلاء على أن المعيار الذي يدرس ويقوم ويصنف به  العمل هو مستوى الصدق و الإخلاص فيه كمدخل وكشرط  للقبول به ، ولتحقيق الغايات والمتطلبات التي يبتغيها   الإنسان من اي  عمل..فعندما يرتبط ويقترن العمل مع العلم بما يجب القيام به وعلى اي وجه  تتحول الافكار والمتمنيات والبرامج إلى واقع ايجابي ملموس  مستدام يساهم في خدمة الفرد والجماعة والفكر البشري ..
وفي هذا السياق أيضا  يفترض اعتماد معيار وحقيقة النظر  وخلفياته وطبيعة التصورات اهي حقيقة ام وهم ؟  او نظر بئيس بعيد كل البعد عن التعقل والتدبر ..
إن ما نعرفه وما نظن أننا نفهمه يـعكس مستوى الإدراك والوعي عندنا ، وتتجلى أثاره للناس فيظهر  على حقيقته  الصالحة او الطالحة   ..
..كما أن ما نفعله وندافع عنه رغم أننا لانفهمه ، أو نتعمد عدم الفهم  ، أو  ندرك أننا على باطل وعلى الطريق الخطأ  ، هو ما يجعلنا نقدم انفسنا وكأننا لسنا نحن ، أو أننا بوجوه ولبوس متعددة متنافرة تتغير بتغير المصالح والأهواء والعلاقات والمصالح الشخصية ..
..إن أي عمل كان بمرجعية دينية أو وضعية  يفتقد  الرؤية الضرورية والموضوعية والمنطقية للحاضر والمستقبل، يكون خطرا محطما لكل ما هو جميل وصالح ، ومعطلا لكل تطور ايجابي ، وتتضاعف آثاره السلبية  بمقدار ما يكون عاما يطال الناس ويرهن مصيرهم ..
هنا نستحضر  الحديث عن  الإيمان الذي هو المدخل لحقيقة العمل والنية والذي يعرف فقهيا  بأنه «إقرار باللسان، واعتقاد بالجنان، وعمل بالأركان، يزيد بالطاعة، وينقص بالعصيان»..الايمان أي التصديق والاقتناع الباطني بالقلب أو بالعقل أو هما معا وتجلى ذلك في السلوك محبة وعملا ..اجتهادا أو تقليدا  واتباعا
…إن التنظير العلمي  – وليس الغوغائي   – وحده دون آليات العمل والتنزيل في الواقع على الوجه الأمثل  لا يؤدي إلى تغيير   الواقع بل يبقيه على حاله و يتسبب في تعقيد الامور وتدهورها ..
إن العمل البناء المستند إلى نظرية صحيحة وواقعية  مع توفر الصدق والإخلاص والإرادة  هو الذي يغير الواقع ايجابا ويجعله  أفضل وأكثر قدرة على التقدم والتطور ..
روي  عن الإمام الكاظم عليه السلام انه قال :  « قليل العمل من العاقل مقبول مضاعف، وكثير العمل من أهل الهوى والجهل مردود «
إن تجديد النظر و الفكر  والصدق والرفع من مستويات الجودة في العمل  وتحديث طرق التواصل مع المجتمع والأفراد  مدخل سليم  لتجاوز ومعالجة كل التحديات ، والإجابة عن  التساؤلات ، ومعالجة   الانتظارات  ، وتجنب الانزلاقات والتراجعات ..
إن المطلوب  منا هو أن نمتلك  زمام  المعرفة، وأن نعلم  يقينا  ما فيه مصلحة للناس وما فيه مضرة ، وما يجب الإقدام عليه وبأيِّ كيفية ، وما يلزم  تركه والابتعاد عنه وبأفضل السبل  ..كما أن المفترض فينا أن  نعرف مايفرح الناس  وما يغضبهم  ، وأن نعرف منهم كيف يرون الأمور، وكيف يحكمون عليها ، وأن نشاركهم توصيف مشاكلهم وترتيبها ، أن نحدد معهم أولياتهم وطرق المعالجة ومستوياتها،  ون بحقيقة واقع الحال والمتوفر من الإمكانات والإكراهات ، إن الثقة بين المتحاورين وبين الناس  لابد من استحضارها وتحققها ، وإلا تلاشى التواصل وانقطعت أواصر مختلفة وتعطلت المصالح ..
إن أي تفكير  شخصي منفرد برؤية تتوخى  خدمة مصلحة الجماعة، يمكن أن يفيد أو يساهم في إنجاح وتثمين التطور ..لكن لايمكن له أن يكون بديلا عن الآراء الأخرى أو ملغيا لها أو عدوا لها ،  إنه يصبح بابا كبيرا لطريق سريع للعزلة والتردي والتحول إلى هامش المجتمع والفعل العمومي ، والغاية من الإيمان بالدين والفكر المتنور ..
فالإيمان في الدين لا يكون بالإكراه والإخضاع والإلزام بأي طريقة  حيث يقول تعالى « لاإكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي «سورة البقرة..
إن العقل والقلب الذي يوظف و يجعل من العلم أو المعرفة الممتلكة  أدوات للإساءة  والإفساد  قد يتطاول على الهوية وحاضر الناس ومستقبلهم  وخصوصياتهم ويصبح من أخطر أدوات التخريب التي أدانها الكتاب والسنة وكل العقلاء من بني البشر .
قيل ..يتعلم الحكماء من أخطاء الآخرين، بينما يتعلم الحمقى من أخطائهم الخاصة…
ومما قاله الإمام الصادق عليه السلام  :« ولا بدّ للعبد من خالص النيّة في كلّ حركة وسكون ، لأنّه إذا لم يكن هذا المعنى يكون غافلا …»،
قال تعالى عن الغافلين  : (… لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا ۚ أُولَٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ اُولـئِكَ كَالأنْعامِ بَلْ هُمْ أضَلُّ ).

الكاتب : مقال : مصطفى المتوكل الساحلي - بتاريخ : 16/06/2017