محنة في طيها نعم

تعد جائحة كورونا منعطفا مهما في تاريخ عدد من الدول، إن لم نقل في التاريخ العالمي المعاصر، ولعل أسئلة ما بعد كورونا لم تصغ بعد، لأن أغلب المفكرين يعيشون الزمن الحالي وما قبله .
وفي ظل الوضع الراهن يتخذ التحدي صورة من صور ارتسام الأمل ، عبر تحدي الواقع بكل ما يعرفه من اهتزازات، حيث إن المعنويات المرتفعة تعين على مقاومة الفيروسات .
لسنا مخيرين ، ولكل شيء سلبيات وإيجابيات .
من غير المألوف الحديث عن إيجابيات وباء حل على جميع سكان الكرة الأرضية تقريبا ، لكننا نسعى للتشبث ببصيص الأمل من الظلام الذي أرخى علينا سدوله ، فلا وجود لإيجابيات سوى في ظل الحجر الصحي .. الحجر الصحي .. الحجر الصحي .
إن التداعيات المجتمعية لفيروس كورونا، في علاقتها بالحجر الصحي، وتعليق الدراسة عن قرب، يمكنها أن تخلق سياقا جديدا لتوطيد قيم التشارك والتراحم داخل العائلة الصغيرة، إذ إن الحجر الصحي هو انغلاق إيجابي للأسرة حول ذواتها، يتيح لها فرصة استثمار الوقت في ما يفيد ، واتباع عادات صحية وغذائية سليمة، لعل هذه الممارسات تؤهلنا لنقيس مدى قدرتنا على استيعاب الدرس الكوروني، لنغير من أسلوب حياتنا نحو الأفضل، وذلك بأن نحيي قيما راسخة في مجتمعنا العربي ، كلحمة الأسرة وانسجام أفرادها، والتكافل عند الشدائد ، دون إغفال قيمة النظافة التي يحث عليها الدين الإسلامي .
تعتبر ثقافة المكوث الطويل في البيت قيمة مضافة، يسدي من خلالها المواطن إلى مجتمعه خدمة عظيمة ، لإيقاف زحف هذا الوباء . فبالرغم مما أحدثه من هلع في النفوس عبر العالم، إلا أنه بواسطة تماسك جميع شرائح المجتمع ووحدتها يمكن التخفيف من حدة تأثيره السلبي، والتصدي له بعزيمة قوية.
تجمعنا وسائل التواصل الاجتماعي بالأصدقاء والأحباب، فنحقن بقربهم جرعات الأمل والتحفيز، ونستشعر المودة والدفء، ونستنير أيضا بالنصائح والتوجيهات، لاسيما مع بروز مبادرات مدنية لإرساء فضاء افتراضي هادف، يرتكز على منظومة قيمية ، تنبني على المواطنة والالتزام ومجتمع الثقة .
يجدر بنا تقبل هذه المرحلة بالترحيب ، فهي فرصة للتأمل في ما نمتلك …
لنتعلم أن نشرب قهوتنا في المنزل، لنحضر طعامنا بأنفسنا ، لنتشارك مع أفراد عائلتنا المواضيع التي لطالما أزعجتنا ولم نعبر عنها .
لنتخذ القرار بتمضية فترة الحجر الصحي برضا وسلام ، لنتعاطي مع هذا المستجد بوعي ونضج .
العزلة المؤقتة هي سلاحنا ضد كورونا .

(1)

والقراءة زادنا في رحلة السلامة الصحية .
إن القراءة وسيلة ناجعة لتنمية المعارف، تزجية الوقت الراكد، دفع الملل والرتابة .
فالقراءة مضاد حيوي للقلق والاكتئاب، ووصفة فعالة لتقوية المناعة النفسية ، فهي تشغلنا عن التفرغ لمتابعة الأخبار السيئة والمتواترة أحيانا التي قد تسقط البعض فريسة للوساوس والكوابيس .
لنقرأ عن أساطير العالم القديم والحديث، ومن قصص العظماء وفلسفات الإنسان .
لنقرأ عن جمال الأدب وروعة الموسيقى وبراعة الفنون .
كل هذه القراءات وغيرها تحاكي حياة الإنسان وتمنحه فسحة للحلم ومتعة للروح، وفائدة للفكر فينتعش ويسمو عن واقع الخوف الذي يتملكه ويستبد به ليحطم مناعته، ويجعله في غاية الهشاشة .
كما تعيننا الرياضة العقلية والجسمية على التغلب عن الإحباط ، لنبصر السراج المنير في آخر النفق
كلنا صرنا على قلب رجل واحد ، نصارع نفس العدو غير المرئي ، لنجعل من المحنة منحة .


الكاتب : مريم الجنيوي

  

بتاريخ : 14/04/2020